الذكاء الاصطناعي .. النووي الجد

بقلم – محمد البكر :
يشهد العالم اليوم طفرة غير مسبوقة في الذكاء الاصطناعي ، جعلت منه القوة الأكثر تأثيراً وإثارة للجدل في القرن الحادي والعشرين . فبينما يرى فيه البعض فرصة عظيمة لتطوير الصحة والتعليم والاقتصاد، يحذّر آخرون من أنه قد يكون أخطر من أي سلاح عرفته البشرية منذ اكتشاف الطاقة النووية .
أحد الأصدقاء المتابعين للصحف الأمريكية ، بعث لي مقالاً للكاتب الأميركي الشهير توماس فريدمان شبّه الذكاء الاصطناعي بـ ” البازوكا النووية الرقمية ” ، معتبراً أنه يحمل وعوداً كبيرة لكنه في الوقت نفسه يفتح الباب أمام كوابيس لا تقل خطورة عن سباق التسلح النووي في القرن الماضي . فهذه التقنية قادرة على إنتاج صور وأفلام مزيفة يصعب كشفها ، ما يهدد الثقة في الإعلام والمجتمعات . وهي قادرة أيضاً على إزاحة ملايين الوظائف بوتيرة أسرع من قدرة الحكومات على إيجاد بدائل ، فضلاً عن إمكانية تطوير أسلحة مستقلة تتخذ قرارات القتل دون تدخل بشري .
أمام هذه التحديات ، يرى فريدمان أن العالم بحاجة إلى إطار دولي جديد يوازي اتفاقيات الحد من التسلح النووي ، لكن هذه المرة لضبط الذكاء الاصطناعي . ويؤكد أن الولايات المتحدة والصين ، رغم تنافسهما الحاد ، هما الطرفان الوحيدان القادران على قيادة هذا المسار . فبدون تفاهم بين القوتين الأكبر اقتصادياً وتقنياً ، لن تتمكن باقي الدول من مواجهة هذه الموجة الجارفة .
ويضيف أن مواجهة الخطر لا تقتصر على الدبلوماسية الدولية فقط ، بل تحتاج إلى تشريعات محلية صارمة تنظم عمل الشركات التقنية العملاقة ، بحيث تضمن الشفافية والمساءلة . كما يشدد على أهمية التوعية المجتمعية ، حتى يدرك الناس أن ما يشاهدونه على الإنترنت قد يكون مزيفاً بالكامل .
الخلاصة أن الذكاء الاصطناعي يشبه النووي في بداياته … قوة هائلة تحمل وعوداً وأخطاراً في آن واحد . وإذا لم يتحرك العالم سريعاً لوضع قواعد واضحة ، فقد نجد أنفسنا أمام مستقبل يفقد فيه الإنسان السيطرة على ما صنعته يداه .
الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أعظم إنجاز تقني يخدم البشرية ، لكنه قد يتحول أيضاً إلى أخطر تهديد يواجهها . والقرار في النهاية ليس للتقنية ذاتها ، بل للبشر وقدرتهم على إدارتها بحكمة وشجاعة . ( انتهى كلام السيد توماس فريدمان وقد اختصرته قدر الإمكان ) .
ولعلنا بعد مقال الصحفي الأمريكي الكبير ، نذكر بالجهود التي تبذلها المملكة ، لانتهاز
الفرص ، حيث تسعى المملكة بخطى حثيثة لدخول هذا المجال الحيوي والمنافسة فيه من خلال رؤية استراتيجية تهدف إلى بناء بيئة مبتكرة وداعمة لتطوير الذكاء الاصطناعي ، تشمل الاستثمار في البنية التحتية التقنية ، وتعزيز البحث العلمي ، وتأهيل الكوادر الوطنية القادرة على المنافسة عالمياً . المملكة تطمح لأن تكون جزءًا من قيادة مستقبل الذكاء الاصطناعي، مستفيدة من الفرص الاقتصادية والاجتماعية ، مع الحرص على توظيفه بما يخدم الإنسان ويعزز التنمية المستدامة . بقي نقطة هامة لا بد من التطرق لها ، وهي أنه ورغم كل هذه التحديات ، فإن الذكاء الإصطناعي ، سوف يقدم للبشرية خدمات جليلة ، خاصة في مجال الطب وتحسين جودة الحياة .
ولكم تحياتي



