مقالات

عبدالله محمد رواس في ذمة الله

 

بقلم – خالد محمد البيتي:

حكم المنية في البرية جاري
ماهذه الدنيا بدار قرار
بينا يُرى الإنسان فيها مخبراً
حتى يرى خبراً من الأخبار

لقد فُجع الوسط الإعلامي بوفاة أحد أبرز رجاله من جيل المؤسسين في التلفزيون وهو المخرج المعروف الأستاذ عبدالله محمد رواس الذي عرفته في بدايات عملي في التلفزيون عام 1399هـ وكان يومها مخرجاً للبرنامج ذائع الصيت في ذلك الزمن نور وهداية الذي يقدمه الشيخ الجليل علي الطنطاوي رحمه الله وكذلك برنامج على مائدة الافطار الذي يعرض في شهر مضان المبارك وكان الشيخ يأتي للتلفزيون من مكة المكرمة بمعيته حيث كان هو الآخر يقيم في العاصمة المقدسة ويتولى إخراج برامجه المتلفزة ، وعقب نهاية التسجيل يصطحب الشيخ الطنطاوي مرة أخرى إلى مقر إقامته في مكة المكرمة حبًا وتقديرًا للشيخ الطنطاوي ، وقد أثمرت رفقة الطريق بينهما عن مودة وصداقة متبادلة بين الطرفين أفاد منها الأستاذ الرواس في مكونه الثقافي الذي امتاز به على سائر المخرجين وكانت مقدمة له لسعة الاطلاع فيما بعد حتى أفاد منه الكثير من زملائه ومن عرفوه ، وكان صاحب أسلوب بديع في الكتابة إلا أنه كان قليلاً ماينشر وآثر ألا يكتب سيرته وخاصة فيما يتعلق بالشيخ العلم علي الطنطاوي رغم مطالبة الكثيرين له .
روى لي ذات يوم أنه كان على موعد مع الشيخ لاصطحابه إلى جدة وحدث أنه كان يقف في انتظاره على باب العمارة مايزيد على نصف ساعة تحت أشعة الشمس حيث تأخر في الوصول إليه بسبب حجز سيارته فقد قام أحدهم بايقاف سيارته خلفه وانتظر حتى وصل صاحب السيارة وانطلق مسرعًا صوب دار الشيخ وما إن وصل إليه حتى استدار الشيخ وصعد العمارة دون حديث ، شعر الأستاذ الرواس بشيء من الغصة بسبب موقف الشيخ وعاد إلى منزله وحدَّث والدته بما جرى فقامت بلومه وتقريعه على مابدر منه فقد كانت من أشد المعجبين ببرامج الشيخ شأنها شأن الملايين وطلبت منه أن يذهب فورًا للشيخ ويشرح له ماحدث وقد فعل ، فما كان من الشيخ إلا أن اعتذر عما بدر منه وعادت الأمور إلى طبيعتها ، ويعلق على موقف الشيخ بالقول لقد حملني على احترام المواعيد مهما كانت الظروف .
على صعيد العمل كان رحمه الله دقيقًا في عمله يتولى بنفسه مونتاج برامجه ولا يتركها لفني المونتاج ولا يتساهل في مرور لقطة يرى ضعفها ليبحث عما هو أفضل منها وإن قضى ساعات وساعات حتى بلوغ النهاية ، وكان لا يتأخر عن تقديم النصح لزملائه المذيعين والمخرجين إذا لاحظ مايستحق التوجيه .
لقد كان الأستاذ الرواس رحمه الله حلو المعشر تشتاق إليه المجالس ، حتى أشد مخالفيه تجدهم يسألون عنه ويتوقون للقائه فالكل مجمع على نقاء سريرته و صفاء نيته مهما علا شأن الخلاف ، وكان مدافعًا شرساً عن قيم الدين وتاريخ الإسلام ولا يقبل المزايدة عليهما .
على أن شخصية الأستاذ عبدالله رواس تتجلى في أبدع صورها في علاقته مع المساكين وذوي الحاجات فما كان يدخر من راتبه شيئًا في سبيل الانفاق عليهم ، لذلك كان محل حفاوتهم في بيئة العمل وخارجه متى كان في رفقة الأصدقاء في المطاعم والكافيهات ، وأكثر من ذلك كان لا يتأخر بالعطاء عن حراس المباني القريبة من دار أخيه التي كان يقيم فيها .
أما مع الأصدقاء فله قصة أخرى لا يحسنها إلا قليلون ، فأينما ذهب يسأل عن أصدقائه ويتواصل معهم ويدعوهم للحضور بالحاح ، وكثيرًا كان حريصًا على جمع الشمل والسعي لتكوين صداقات جديدة له و لأصدقائه .
ومن جميل خصاله محبته للأطفال فما يزور صديقًا له إلا ويحمل لأطفاله أصنافًا من الحلوى تكفيهم لأيام ، وكان شغوفاً بالأطفال مولعًا بهم بسبب عزوفه عن الزواج بَرَّاً بوالدته ، وبعد وفاتها رحمها الله كان يقول عندما يُسأل عن الزواج : لقد فات القطار .

لقد رحل الأستاذ الرواس عن دنيانا خالي الوفاض كما جاء إليها إلا من حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وذلك خير الزاد .
رحمه الله رحمة الأبرار وأنزله منازل الأخيار ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى