غازي القصيبي الإنسان .. غازي القصيبي الفنان
بقلم – عبدالله الفارسي
كاتب عماني
بالأمس حلت الذكرى العاشرة لوفاة الكاتب الأديب السعودي المبدع الدكتور غازي القصيبي
لقد كتب عنه عمالقة القلم .. وأسياد الكلمة .. وربابنة البيت والقصيد .
فلا مانع أيضا أن يكتب عنه أصحاب القلم وعشاقه المغمورين .
غازي عبدالرحمن القصيبي .. ربما لا إبالغ لو قلت لكم بأنني قرأت كل كلمة كتبها هذا الرجل .. فقد كنت من عشاقه .. ومن تابعي أثره .. ومن المنقبين عن آثاره .
كنت ابحث عن كل ما ينشره هناك في بريطانيا أو أمريكا .. او في الرياض أو في باريس أو المنامة أو في القاهرة أو في بيروت .
وإذا ما صدر له كتاب.. كتب إتكبد المشاق للحصول عليه .. والإمساك به .
كان البرفسور غازي من كل محطاته البعيدة يبعث لنا جواهره ودرره .. ولا يبخل علينا بها ..
كان كريما مع محبيه درجة الإغداق والسخاء
فكنت أستقبل كتاباته ومقالاته أستقبال الأرض العطشى للمطر ..
أروي بها ظمأي .. وأسقي بها شغفي .
الدكتور غازي القصيبي لم يكن بالنسبة لي مجرد كاتب كان يحسن رسم الكلمات .. ويتقن تلوين السطور .. ويلهب المشاعر ..
غازي كان الإنسان الشاعر المرهف الدمث..
المتواضع .. الجسور .. المبدع .
غازي المبدع الرائع الصادق .. كتاباته ترجمت مواقفه الرجولية.. وسطوره كشفت نصاعة ضميره وبياض قلبه .. ونقاء معدنه .
غازي القصيبي كان أدبيا من الدرجة الرفيعة .
صاحب الكلمة المرهفة والعبارة الجزلة .. والجملة الانيقة الرشيقة .
غازي القصيبي له إصدارات لا تتجاوز عدد أصابع البدين .. كتابات قليلة .. بسيطة لا يليق عددها بهامته الأدبية لكنها كانت من أروع الأدبيات التي كتبت في الخليج العربي منحته حق التربع فوق قمة الهرم الأدبي في المنطقة .
البرفسور غازي القصيبي كان مبدعا .. متعدد المواهب
كان فيلسوفا عميقا .. وكان سياسيا محنكا .. وكان كاتبا لامعا ..وكان شاعرا كبيرا وكان محاميا رفيعا .. وكان محاسبا تجاريا أيضا ..
إنه موسوعة علمية وإنسانية نادرة.
من غرائب حياة الراحل أنه ولد يتيما فقيرا ..
فقد وصف مرة حياته بالتعيسة الكيئبة حيث أنه لم يرشف حليب الحنان الطري ولم يستمتع بالعاطفة الأبوية الرقيقة في طفولته .. ولكن هذا ليس بغريب .. فكل عمالقة الأدب ومصابيح النور في العالم عاشوا فقراء.. أيتام.. تعساء ..
فالموهبون والمبدعون يولدون من رحم المعاناة .. ويخرجون من صلب الألم وبراثن الشقاء .
أستطاع غازي القصيبي أن يتجاوز كل العقبات ..
وأن يقفز فوق كل الأسوأر والأشواك . ليستقر في قمة الجدار .. ويحلق في سماء الفكر والإبداع .
وصل إلى منصب عميد كلية التجارة في جامعة الملك سعود .. وهو منصب لا يصله إلإ من يملك الموهبة والكفاءة ..
ربما سيقول لي البعض ليس شرطا .. فهناك كثير وصلوا إلى درجة رئاسة جامعات ..
نعم صحيح .. فتاريخ وإمكانيات كل شخص معروفة .. ولكل مبدع آثاره على الأرض ..
فمن وصل بكفاءة وإقتدار فلا يختلف اثنين في قدراته ومواهبه ..
ومن وصل مدفوعا.. ملفوفا .. مغلفا في صندوق أنيق ومرسولا إلى منصبه .. فالجميع يعرفه .. ويعرف حكايته وقصته السخيفة.. !!
والناس شهداء على الناس .
تنقل الدكتور غازي القصيبي في عدة مناصب وزارية .. فشغل منصب وزير الصناعة ووزير الصحة ووزير الكهرباء .. ووزير العمل .
ثم اتحه الى السلك الدبلوماسي فتفوق فيه بكل كفاءة ومهارة واقتدار .. فأصبح سفيرا لدولته لدى بريطانيا .
كان غازي صاحب ضمير يقظ .. يملك قلما حساسا متألقا .. ظهر ذلك واضحا بارزا من كتاباته وابداعاته التي اتسمت بالحكمة والعمق والروعة والرشاقة و الجمال والإناقة .
نال جوائز بارزة في مناسبات مختلفة لعل أبرزها وسام الملك عبدالعزيز ..
عرف عن غازي القصيبي أنه كان متواضعا للغاية ولم يكن صائد جوائز ولا متسلقا.. ولا متملقا .. ولم يكن منافقا ولا متكبرا .. وهذه الصفات هي من رفعت قدره بين الناس .. ومكنته من الارتقاء في قلوب متابعيه وعاشقيه .
فهذه السجايا لا يتمتع بها إلا فئة نادرة جدا من المسؤولين أو الكتاب المشهورين .
كان الدكتور غازي صاحب شخصية قوية ثابتة لا تتلون ولا تتبدل .. حيث كان غالبا ما يختلف مع رؤسائه في جوانب كثيرة ليعبر عنها صراحة إما مكتوبة أو منطوقة ..
وهذا مالم يجرؤ عليه أحد من قبله من الوزراء .. ولا من بعده طبعا !! .
ولذلك دفع ثمن ذلك .. فعاش سنواته العشرين الأخيرة في مملكة البحرين .. متفرغا للكتابة والشعر.. وإلقاء المحاضرات ونثر الحكم والفلسفات .
يطلق عليه من يعرفوه حق المعرفة بأنه أعظم مفكر وأديب أنجبته المملكة في العصر الحديث.
فعسى الله أن يرزقنا أديبا ومفكرا وفيلسوفا وشاعرا ومحاميا وكاتبا
لامعا نفخر به ونتفاخر كغازي القصيبي .
( رحمك الله يا أبا سهيل
وغفر لك زلاتك .. وأسكنك فسيح جناتك)
…………
ملاحظة :
” أنصح كل من يملك موهبة القراءة وشغف الإطلاع اقتناء كل كتب الدكتور غازي القصيبي .. ولن يندم أبدا …”