الصدقة وأثرها في الشفاء ودفع البلاء
بقلم – سلمان بن محمد العُمري:
الصدقة باب عظيم من أبواب الخير العميم والفضل العظيم؛ فبها شفاء المرض، ودفع البلاء، وتزكية الأموال، وزيادة في الرزق -بإذن الله-. وقد دل على فضلها النصوص الشرعية من القرآن الكريم والسُّنة النبوية الشريفة.
وهناك حقائق ناصعة البياض عن آثار الصدقة. قال ابن القيم -رحمه الله-: «فإن للصدقة تأثيرًا عجيبًا في دفع أنواع البلاء، ولو كانت من فاجر أو مِن ظالِم بل مِن كافر، فإن الله تعالى يَدْفع بها عنه أنواعًا مِن البلاء. وهذا أمْرٌ معلوم عند الناس، خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض كلهم مُقِرُّون به لأنهم جَرَّبُوه».
وفي كتاب «وثائق عائلية من بريدة»، من مقتنيات الوالد إبراهيم بن سليمان العُمري -رحمه الله-، إعداد ودراسة الأستاذ الدكتور عبدالعزيز العُمري، توقفتُ عند قراءتي وتصفح الكتاب الذي صدر بجزأَين أمام كثير مما طرحه المؤلف، لعل من أبرزها:
«وأذكر أنه في أحد أمراض الوالد التي أُدخِلَ فيها المستشفى صعبت حالته؛ فأدخله الطبيب للعناية المركزة، وقطع عنه الزيارة، فمرَّ عليَّ أحدُ الأقارب، وقال: (يا عبدالعزيز، داووا أبوكم). فغضبت منه، وقلت نحن في أحسن مستشفى خاص، ونحضر الأطباء من المستشفيات كافة لمتابعة حالته، قال: أقصد قول الرسول (دَاوُوا مَرضاكُمْ بِالصَّدقة)؛ فشكرتـه، وعملت مع بقية الإخوة بنصيحته. وبعد أيام قلائل عاد لعافيته -بحمد الله- فقال لي طبيبه: (أبو عاصم، شو عاملين؟؟)، فذكرت لـه الصَّدَقَة، فقال متعجبًا: سبحان الله!! حينما أنزلت الوالد للعناية المركَّزة كانت لدي مؤشرات وفاةٍ ووداعٍ لا رجعة فيها ناتجة من قياس كريات الدم البيضاء».
وأبواب الصدقة مفتوحة على الدوام، وبأشكال وأنواع مختلفة، وأينما وجهت نظرك فإنك لا بد أنك واجد بابًا للصدقة، وما أحلاه من باب عندما تلجه، ويسارك لا تعلم ما أنفقت يمينك. إن الصدقة من محاسن الإسلام، وهي ليست حكرًا على من يملك المال، بل هي عامة لعموم أبناء الأمة؛ فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «كل معروف صدقة»، وهذا تعميم لا تعرفه حضارة أخرى غير الإسلام. «إن تبسمك في وجه أخيك صدقة». فهل أكثر من ذلك؟ ورغم ذلك، وسهولة تحقيق الصدقة، فإنها ذات ثواب عظيم وكبير؛ يقول الله تعالى: إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ . وقد وعد الله تعالى عباده الصادقين والمتصدقين بأوفى الجزاء وأجزل العطاء يوم الحساب.
قال رسول الله: «كلُّ امرئٍ في ظِلِّ صَدَقَتِه حتى يُقْضَى بين الناسِ». قال يزيد: «فكَانَ أبُو مرثدٍ لا يُخْطِئُهُ يَوْمٌ إلَّا تَصَدَّقَ فيهِ بِشيءٍ، ولَوْ كَعْكَةً أوْ بَصَلَةً».
الراوي: عقبة بن عامر – المحدث: الألباني – المصدر: صحيح الترغيب – الصفحة أو الرقم: 872 – خلاصة حكم المحدث: صحيح.
سبحان الله، هذا هو الجمال الحقيقي للإسلام الحنيف الذي يجعل لك الثواب في كل أفعالك ما دامت في إطار تقوى الله، ومحاولة نيل رضوانه. إنَّ الصدقة تطلق على جميع أنواع المعروف والإحسان دون الفرائض والواجبات التي يستوي فيها مَن عنده مال ومَن ليس عنده. والصدقة بمعناها الشمولي لا تقتصر على الأغنياء؛ فالحرص الحرص على الصدقة؛ فالإسلام الحنيف بتعاليمه ومبادئه كله خير بخير؛ وذلك لعظيم نفعها، وكبير ثوابها، وهي بحاجة إلى أن يحافظ عليها الإنسان فعلاً واستمرارية، بمعنى لا يبطلها بالسيئات وبالأفعال غير المقبولة، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى… . نعم؛ فالمنُّ والأذى يبطلان الصدقات. وإن من فضل الله تعالى وتوفيقه، وله مزيد الحمد والشكر، أن صدقة السر قد أصبحت في هذا الزمان من أيسر الأمور وأسهلها؛ إذ يمكنك أن تتصدق وأنت في بيتك، لا يراك أحد، ولا يعلم بما قدمته إلا الله، ولا يكلفك هذا قيامًا من مكانك ولا خروجًا من بيتك، بل من خلال هاتفك المحمول الذي تتصفحه، تدخل إلى حسابك المصرفي، وتتصدق بصدقة سر لا يعلمها إلا الله، من خلال تحويل ما تجود به وتقدمه لنفسك أو لوالديك أحياءً وأمواتًا. فمن أعظم البر أن تكثير حسنات الوالدين بالصدقات؛ فهما سبب وجودك في الحياة. وفعل الصدقة كفعل الخير، مستمر ومتواصل ومتنوع.. وهو يعطي الحياة الإسلامية جمالها؛ فبها تتم صلة الرحم، وبها تقترب الأفئدة والقلوب من بعضها، وبها يشعر الغني بمعاناة الفقير، وبواسطتها تشرق البسمة على شفاه اليتامى والفقراء والمساكين والمؤلفة قلوبهم.
فهنيئًا للصادقين المتصدقين. والله المستعان.