بين يدي “ديوان محمد عثمان”.. حداثي كلاسيكي.. متمرد على”شعر النثر”
بقلم: عاطف حناوي
لا زال الشعر العمودي يعيش في ثنايا حاضرنا اليومي ، و لا زال يأكل من رغيفنا و ينصت لنبضات قلوبنا و لا زال حيا يرزق .
الشعر كما يقولون : ما أشعرك , و الشعر كذلك في حيث النفوسُ تلذّه لا في الجديد و لا في القديم البالي , و الديوان الذي بين أيدينا يأتي في هذا السياق محملا بقصائد عمودية متميزة عانقت القديم في حلة جديدة زاهية .
و مادام كل كاتب يختار أسلوبه و ملامحه الفنية , التي تميزه , و يجيد التعبير من خلالها , فهناك توجها عاما بين الشعراء الشباب , من حيث العودة إلى القصيدة العمودية , و في هذا عودة للأصالة , و روح الشعر العربي , كما يقول أستاذنا عاطف الجندي , في مقدمة ديوان “شهقة الجرح” و كأننا أمام حالة من العودة إلى المنابع الأولى للجمال و الشعر, و من هؤلاء الشعراء تميز الشاعر الجميل محمد عثمان , و الذي اختار لنفسه منهاج الأقدمين , من لدن جماعة أبولو و شعراء المهجر, و العودة كذلك لمنابع الشعر العربي , في عصوره الزاهرة قديما و حديثا .
و إن كان شعر محمد عثمان يبدو كلاسيكيا , فهو حقيقة حداثي, من حيث تمرده على النسق السائد حاليا – شعر النثر مثلا و ما أفضى إليه من غموض و إبهام و فوضى دلالية خطيرة , وعملية تحطيم بشعة للغة , و إن كنا لا نعدم وجود نماذج جميلة , و جديرة بالقراءة و الاحترام , مثل نصوص الأديبة مريم بن بخثة من المغرب الشقيق , و قد شرفت بالكتابة عن أحد نصوصها الرائعة من قبل .
أليست الحداثة هي تمرد على النظم القائمة بالفعل , و صرخة في البرية ؟! كما جاءت حداثة إليوت , كصرخة ضد العصر, الذي أمسى يطحن الإنسانية , تحت عجلات الآلية – الأرض الخراب نموذجا .
كذلك يجئ شعر محمد عثمان , و غيره من الشعراء الشبان , كالأمير صلاح سالم و فؤاد ابراهيم و علاء شكر و هناء المشرقي و عبد العزيز سمير و عبد الرحمن الطويل و الكثيرين , ممن أدركوا خطورة الوضع , و خطورة أزمة الشعر العربي المعاصر ..تجئ أشعار هؤلاء , كصرخة في صحراء ما بعد الحداثة , التي هي صحراء بكل ما تعنيه الكلمة , من فقر و إبهام و دوران بلا جدوى !
و إني ليسعدني و يشرفني , أن اكتب مقدمة , لديوان صديق أعتز به أيما اعتزاز ..التقينا للمرة الأولى في خريف 2010 و من لحظتها صرنا أصدقاء , و إن كان ما سأقوله الآن سيكون محاولة للتجرد , و التماس العدل و الإنصاف , و الله الموفق و المستعان….
نحن أمام شاعر, يجيد رسم الصور الشعرية , كما أنه يمتلك أدواته الأساسية , من نحو و صرف و عروض و بلاغة عربية , و هذه ضروريات للشاعر , و لا يعذر أحد بالجهل بها .
و بما أن الإنسان ابن بيئته فالشاعر محمد عثمان ، لا يمكن إلا أن ينصهر في بيئته التي تتجلى في عشقه الكبير لوطنه و الذي تؤرقه الظروف التي يمر بها كما يدل على ذلك هذا الديوان بما لا يدع مجالا للشك على انشغال شاعرنا بالقضايا الوطنية و القومية شغلا ينسيه كل شئ إلا صورة الوطن الحزين و في مقابلها حلمه بوطن أكثر عزة و بهاء ..
يقول في ” نداء الخلود ” :
كأن امتداد الحكايا امتداد *** لعطر قديم و ذكرى وطن
كذلك تمضي السفين بعمري *** أنا الشيخ فيها و أنت الوطن
و يقول :
لماذا أراك قضاء الإله *** قضاء يلملم وطني الذبيح.
و في قصيدة ” ظلام ” – و التي قال عنها أستاذ محمود الفحام أنها بردة محمد عثمان تبدو بوضوح جماليات الصورة الشعرية و الوحدة العضوية و جمال الموسيقى … القصيدة كلها تتحدث عن الوطن في حدوده الضيقة – مصر – كما تتحدث عن الأمة بكاملها و تكشف حالة الانتهاك التي تعرضت لها أمتنا يقول عن سبب الضعف و هو التفرق و عدم التمسك بكتاب الله – و هو سر بقاءنا ! :
كيف السبيل لآي الله تجمعنا *** إنا اختزلنا مثاني الله في رقم
و انزاح وهج الخطى و الروح غافية *** حتى غدونا مطايا اللهو للأمم
و يحذر من الكارثة :
إن لم نفق من رقاد الوهم في الظلم *** يوما سنبكي ضياع النيل و الهرم
و يقول :
و النيل يرنو إلى الآفاق في عجب *** طير الفرات يبث الشوق للهرم
و الكل يبكي على أصداء شاكية *** من ذا يحيل شكاة القدس للحرم ؟
ثم يطرح حل القضية :
إنا غزلنا خيوط الشمس أشرعة *** لما اعتصمنا بنون الله و القلم
التصوير الشعري في الأبيات السابقة تصوير جميل حيث الاستعارات المكنية اللطيفة و أوجه البلاغة و كما قيل فالشعر صورة و ها نحن أمام مجموعة من الصور البيانية الرائعة و العميقة بحق كما لا تخفى الدلالة التوجيهية و التحريضية في قصائد محمد عثمان فكأني به يدرك الغرض الحقيقي للأدب كموجه و محفز للرقي و التغيير الإجتماعي …
و في قصيدة ” حديث النيل و الهرم ” يلفتنا مرة أخرى لأزمة الوطن و أزمتنا نحن مع هذا الوطن حيث أننا نأمل في غد أفضل و نحلم بذلك و لكن الفجر و المستقبل كاذب و يعرض علينا شاعرنا حالة التشرذم و التشظي التي نحن عليها و الوطن مأزوم و ضائع بلا عنوان في خضم هذه الفرقة و التشتت :
كل يغني على ليلاه يا وطني *** و أنت لحن بلا عنوان يرتحل
و يقول : الكل يسكر من عينيك يا وطني
و ها هو النيل يبكي :
و النيل يبكي على الأهرام في وجل *** عند الرحيل إذا ضاقت به الحيل
و لكن يعجبني أن الشاعر ما زال عنده أمل :
الكل يمضي و تبقى أنت يا وطني …
و يقول :
ما زلت ألمح رغم القهر أغنية *** نجوى شهيد على الآفاق يبتهل.
و ما يلاحظ في شعر محمد عثمان التنوع و التعددية الموضوعاتية التي تشغل فكره فتظهر جلية في قصائده و على سبيل المثال لا الحصر ، الحنين إلى الماضي و عطر الذكريات , حيث تبين هذه الظاهرة أن هذا الشعر قطعة من نفس قائله كما تؤكد صدق الشاعر النفسي , و محمد عثمان ليس بدعا في هذا الأمر , فقد تكررت عند المازني صورة الماضي و غدر الأصحاب و الزمان و هكذا , و هذا التكرار إذا دل على شئ , فإنما يدل على أن لكل أديب قضية مركزية تشغله , و تحرك كوامن الإبداع لديه , و ليس في ذلك عيب , فكلما اتسعت اتجاهات تحرك الأديب , كلما دل ذلك على موهبة أكبر و اكثر شمولا , و أنا واثق من أن محمد عثمان يمتلك القدرة و الموهبة ..
و ثمة اختلاف أساسي في النظرة إلى الماضي و الذكريات , بين محمد عثمان و بين ابراهيم عبد القادر المازني , فالمازني يرى أن الماضي ليس مهد الذكريات ,و ليس كتابا مسطورا , يحتفظ لصاحبه بساعات أنسه أو حزنه , و يقدم له التجارب , مما مر به من أحداث و ظروف , و ليس قلبه بالحارس الأمين , على هذا الماضي , يحفظه و يدخره و يستحضره , عندما تدعو الحاجة إليه , و لكن الماضي شئ ميت , و القلب قبر لهذا الميت المسكين , يقول مخاطبا ماضيه :
القلب قبر و أنت ساكنه *** لا يبرح القلب ميت سكنه
بينما يرى محمد عثمان , في الماضي كل خير و عزة , و في الحاضر و المستقبل ضبابية مخيفة , فيقول في قصيدة ” نداء الخلود ” :
تبعثرت بعدك في كل صوب *** أبدل أمسي بيوم عقيم
و في لحظة ما يعرض الصورة المضادة لصورة الماضي التي ألفناها في ثنايا الديوان فماضيه قبل الحب شتاء كسيح الليالي و هذه صورة سلبية للماضي الذي طالما رسم له صورة إيجابية فكأني بالماضي ماضيان : ماض شخصي مأزوم و ماضي قومي و وطني شامخ !
و سرعان ما يعود الشاعر ليقول لنا إن الغد أيضا ضبابي و جاء عكس ما توقعه الشاعر و تمناه فقد كان يوم التلاقي وداعا و هذا أكدته صورة أخرى في النص نفسه حيث يقول معبرا عن الحاضر و المستقبل الغائم :
فإن كان لحن اللقاء شتاتا *** فكيف يلاقي النشيد الوتر
كما نجده يستلهم الشخصيات التراثية كهارون الرشيد و قيس و ليلى و غيرهم ،و يستدعي الأماكن و المعالم التاريخية كالقدس و النيل و الفرات و الهرم , و يشير إلى هذه الأشياء العظيمة , أمست عرضة للبيع و الضياع !
يقول في قصيدة ” ظلام ” :
إن لم نفق من رقاد الوهم في الظلم *** يوما سنبكي ضياع النيل و الهرم
و يقول أيضا في ” حديث النيل والهرم ” :
نأسَـــى عـلــى زمـنٍ شاهــتْ مـلامِـحُــهُ **** فى زحمة الـوَجْــدِ حيـن الأداءُ يـنـتـقــــلُ
والـنـيـلُ يـبـكـى على الأهـرام فى وجَــلٍ **** عـنـد الرحِيـلِ إذا ضـاقـت بـه الـحِـيَــلُ
و كأني بالشاعر قد أطلق نبوءة , نراها تتحقق أمام عيوننا – بكل أسف – و قد كتب الشاعرهذا النص منذ فترة طويلة , و قبل الأحداث المؤسفة , التي تجري في بلادنا الآن , و تمس مصيرنا و وجودنا بشكل مرعب ..
للشاعر- إذن – حساسية , و روح وثابة , ترى ما لا يراه الناس , و تستشعر الخطر قبل وقوعه بزمان طويل , و هذا سر تفرد الأدباء و الشعراء …
كما يتميز شعر محمد عثمان بالصورة الجمالية في مجمل قصائده بتنوعها و تنوع مجالاتها و على سبيل المثال هذه الصورة الجميلة , حيث يقول الشاعر في ” خفقة حائرة ” :
يا حبيبي هذه الدنيا رحى *** و لت الأيام منها في سكون
إنها ترحال وهم و هم لم يزل *** يغرس الآن في ليل المجون
حيث يشبه الدنيا بالرحى , التي تطحن الأيام و الناس , ثم يشبهها بأنها رحلة وهم , و هذا الوهم كأنه زرّاع , يغرس الآهات , فماذا سوف تثمر الآهات بعد نضجها , سوى مزيد من الألم و الضياع !،و الشتات مظلم , و الفرقة مؤلمة , لكنْ إذا جاء الفجر, صدحت الطيور بالأغاني ( في قول الشاعر “تصدح الأوكار” مجاز مرسل علاقته المحلية … فالطيرهي التي تصدح و محلّها الأوكار) و تعود الوحدة و الألفة , من جديد , و يتحقق حلم شاعرنا , و حلمنا العزيز … مستمدا اللفظ من ألفاظ القرآن الكريم , حيث يقول :
يقرأ النيل المثاني**** ينجلي حزن الفرات
ثم إن الشاعر استخدم اسم ( هّبل ) من آلهة الجاهلية , التي كانت تّعبد من دون الله , و اتخذه رمزا , لكل ما يجب أن يّقضى عليه , من أوهام و زيف و أرباب وهمية , و هو بذلك ابتكر صورة جميلة , و أبدع فيها يقول :
يـــرفُ الأذانُ عـلــى خــافـِقـَيـْــهِ **** بــريـــقَ حـيــاةٍ ولـُقـْيـــا أمـَـــلْ
وينـسـابُ نـُسْكـاً بنـهـر الـتـمـنـى **** شــراعـا يـَشـُقُ عُـبـابَ الخـَبـَـلْ
لـنـدخــل عـمــرا تـَغــَـربَ عـنـــا **** ونـحـــرقَ فــيــه بـقـايـا هـُبـــَـلْ
ثم ننتقل إلى قضية أخرى يعالجها الشاعر في ديوانه ألا و هي الحب – و إن كنت أرى الحب لا ينفصل في جوهره عن علاقة الإنسان بالوطن فالحب وطن و الوطن حب كبير – و في قصيدة بلد المحبوب نرى الشاعر يعرض لعلاقة الحب و الجفاء بين المحبين و لكن رغم الجفاء فإنه يقول :
ما جف نبع المنى رغم النوى أبدا *** و لا برئنا حرور السهد يكوينا
ثم يدعو على الحبيب بقوله :
و كي نداري غليلا بين أضلعنا **فقد دعونا عليكم غير جادينا
ألا تقروا عيونا من كرى أبدا ** تشكو سهادا كما تشقى مآقينا.
و يستخدم الشاعر حرفيّ كلمة ” حب ” استخداما تقليديا – فعله الكثيرون من الشعراء قديما و حديثا , و جاء في الأغاني المصرية كذلك منذ زمان بعيد – دويتو بين عبد الحليم و شادية من فيلم دليلة نموذجا – حيث يستخدم الأحرف مقطعة حاء و باء , و لا بأس بهذا , فإن الأمر سيّار , و معتاد – ملكية عامة يعني – و إن كان الإبداع و التجديد أولى .
يقول محمد عثمان في قصيدة ” صورة ” :
رسَمْـتـُـكِ مهـــدَ انطـلاقِ الأمـانـى **** زمـــانا أصــيـلا وذكــــرى ضيــاءْ
وبيــن الأمـانـىِ عــنــوانُ رسـْمــِى **** بحـرفـيـــنِ مـن نــورِ حــاءٌ وبـــاءْ .
و في قصيدة ” ساحرة ” يشير إلى علاقة الحب و أن يستمرئ العذاب فيها لدرجة أنه يقول :
فإن كنت بعثا جديدا لعمري *** فهيّا بربك زدني هلاكا
صورة الحب إذن عند محمد عثمان هي ذاتها الصورة التي تتوارثها الأجيال و هذا أظنه من ثوابت النفس البشرية و لا تفاوت فيه بين الناس و إن اختلفت الصور و الألفاظ التي يستخدمها كل مبدع في التعبير عما يجيش بصدره و وجدانه .
و إذا قمنا بنظرة إحصائية للقصائد , من حيث أوزانها و البحور المستخدمة فيها .. نجد أنفسنا أمام أربع عشرة قصيدة عمودية , منها ست قصائد من بحر المتقارب ( فعولن ) و أربع قصائد من بحر الرمل ( فاعلاتن ) و قصيدة واحدة من بحر الوافر ( مفاعلتن ) و ثلاث قصائد من بحر البسيط ( مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن ) .
و قد تعددت القوافي و حروف الرويّ في القصائد , و بشكل يعطي تنوعا موسيقيا متميزا .
كما أن حروف الروي و القوافي تتنوع داخل القصيدة الواحدة , ففي “أنشودة النور” مثلا , كما في غيرها من قصائد الديوان , تعددت حروف الرويّ , في مقاطع القصيدة كالآتي : كل مقطع عبارة عن أربعة أبيات , تختم بروي مختلف عن المقطع الذي يليه , فبداية المقطع الأول جاءت :
أيها الشادي على خفق النوى *** تنشد الأحلام في ماضي الهوى
و بداية المقطع الثاني :
كان حلما مثل طير عابر *** في شعاع من رحيق الذكريات
و بداية المقطع الثالث :
أي سحر فيك يلهو في غدي *** أيها الشادي بآفاق الخيال ؟
و هكذا في أكثر من قصيدة بالديوان …
و تأتي قصائد أخرى من رويّ واحد , مثل قصيدة “حنين” و هي قصيدة نونية تذكرنا بتراث كبير , ينتمي إليه الشاعر وجدانيا و أسلوبيا , و يقول في مطلعها :
متى ألقــــــــــاك يدعوني ** نداء في مآقينا
لعــــــــهد عاش إشراقا ** نديّا في أمانينا
نداء لم يزل يسري ** على أطلال ماضينا
ينــــــــاغي خفقة ثكلى ** ويحيي نبضها فينا
و لا يخفى ما في الأبيات من جمال , و موسيقى أخاذة , و كما يقول إدجار ألان بو : فإن الشعر هو خلق الجمال الموزون ..
يقول الرمزيون الروس و غيرهم بأن جماليات الشعر- في مختلف المدارس و الاتجاهات – تستند إلى الصورة الشعرية التي يمكن أن نعتبرها بمثابة المادة الفعالة داخل التركيبة الشعرية و ما من شك أن الصورة الشعرية هي نتاج التفاعل بين الكلمات و الخيال و لكأني بالشاعر محمد عثمان يخلق واقعا شعريا جديدا و ليس مجرد ناقل للواقع سواء كان حاضرا أم ماضيا و التعبير عنه بالكلمات .. إن دوره أكبر من مجرد النقل بكثير و هذه روح الفكرة الحداثية – من وجهة نظري – و قد يعاب على شعراء الكلاسيكية و العمودي أنهم شعراء الذاكرة بحسب كتابات الدكتور جابر عصفور و لكن كلامه فيه إجحاف كبير و ظلم بيّن و ها نحن أمام محمد عثمان و قصائده التقليدية شكلا و الحداثية فكرا و مضمونا حيث أنها نصوص إنسانية .. و ربما يكون قول الجاحظ المشهور ” إن المعاني مطروحة في الطريق ” صادقا في كل وقت و مكان فلا يوجد معنى أو موضوع ما يمكن أن يقال عنه هذا موضوع حداثي و آخر كلاسيكي فالمعنى معنى إنساني عام و الحداثيون يتعللون بالإنسانية و الحرية و هكذا أرى أن نصوص محمد عثمان تتمتع بهذه الصفة نفسها أيضا ..
أتذكر أني قرات كتابا عن آباء الحداثة العربية للأستاذ محيي الدين اللاذقاني اعتبر فيه الجاحظ واحدا من آباء الحداثة العربية و له الحق كله أليس هو من يقول :
( و المعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي و العربي و القروي و البدوي و إنما الشأن في إقامة الوزن و تخير اللفظ و سهولة المخرج و صحة الطبع و كثرة الماء و جودة السبك و إنما الشعر صياغة و ضرب من التصوير).
ختاما أقول :
الشاعر محمد عثمان مبدع , و ديوانه جميل فهو يجيد رسم الصورة , و بناء القصيدة بشكل محكم و فني , كما أن موضوعاته و أفكاره تمتاز بالعمومية و الذاتية في وقت واحد , حيث يخلع على الموضوع العام من روحه و شخصيته , كما يفعل الرومانسيون الكبار , من الشعراء , فيصبح للخريف و الربيع و الشتاء و الصمت و النيل و غيرها دلالات مهمة , و تصبح رموزا لحالات نفسية , يمر بها الشاعر , و تمر بها تجربته الوجدانية …