ثقافة

“الزبيل”.. حكاية وعاءٍ نسجته الأيدي وحفظ ذاكرة البيوت وعبق التراث

رفحاء – واس :


يعد “الزبيل” واحدًا من أبرز الحرف اليدوية التي شكّلت ملامح الحياة الشعبية في البيئات الزراعية بالمملكة، لا سيما في مناطق زراعة النخيل، حيث ارتبط حضوره بذاكرة البيوت والأسواق القديمة، وبمهارة النساء والرجال الذين أتقنوا حياكة الخوص من سعف النخيل، فحوّلوه إلى أوعية تجمع بين جمال الشكل والمنفعة.
هذا الوعاء الدائري المصنوع بإتقان تصدّر الأدوات اليومية في الماضي، وتنوّعت أحجامه بحسب الغرض, فمنه الكبير المخصص لحمل التمور والفواكه والخضروات، والمتوسط المستخدم في التسوق اليومي، والصغير الذي خُصص لحفظ الأرز والدقيق والمستلزمات المنزلية، وبفضل قاعدته المتينة وخفة وزنه، غدا “الزبيل” الرفيق الأكثر حضورًا في البيوت الريفية والأسواق التقليدية.
ولـم يقتصر دوره على البعد العملي، بل أصبح جزءًا من الهوية الاجتماعية؛ إذ تنافست الحرفيات في زخرفته بخيوطٍ ملوّنة تضفي عليه لمسة جمالية، فتحوّل إلى قطعة فنٍّ شعبي تزيّن المجالس والبيوت، ومع مرور الأعوام، حافظت بعض الأسر على اقتناء هذه القطع، لما تمثّله من قيمة وجدانية تربط الماضي بالحاضر.
ومع تطور الصناعات الحديثة وظهور المنتجات المصنوعة من البلاستيك والمعادن، تراجع استخدام الزبيل في المنازل والأسواق، لكنه لم يغادر المشهد التراثي، فقد عاد اليوم ليشغل مكانًا جديدًا في المتاحف والأسواق الشعبية، ويظهر كقطعة ديكور تراثية أو حقيبة تسوّق صديقة للبيئة، تعكس اهتمام الجيل الجديد بالموروث المحلي وبالحرف اليدوية السعودية.
ويبقى “الزبيل” شاهدًا حيًا على حقب طويلة من حياة الناس، ووعاءً احتضن تفاصيلهم اليومية، ورمزًا يستعاد في الحكايات والأمثال الشعبية، يجسد جمال البساطة وعمق العلاقة بين الإنسان والنخلة؛ تلك الشجرة التي لم تكن مجرد مصدر غذاء، بل شريكًا أصيلًا في تشكيل ملامح الحياة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى