نساء غزة في ظل الحرب.. تضحيات وصراع من أجل البقاء

غزة – واس:
تناولت وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا)، في نشرتها النسوية ضمن ملف النشرات النسوية لاتحاد وكالات الأنباء العربية (فانا)، الواقع المرير الذي تعيشه المرأة الفلسطينية في قطاع غزة تحت وطأة العدوان الإسرائيلي المتواصل، ورصدت النشرة من خلال قصص وشهادات حية معاناة النساء اليومية، حيث يتحملن أعباء النزوح وفقدان الأحبة وانعدام الأمن الغذائي، فيما يواصلن حماية أطفالهن وسط القصف والحصار في مشهد إنساني مأساوي.
وفي تقرير بعنوان (نساء غزة في ظل الحرب.. تضحيات وصراع من أجل البقاء)، تطرقت الصحفية أسيل الأخرس إلى الجهود الحكومية المبذولة للتخفيف من المعاناة، كما سلط الضوء على التحديات التي تواجهها الحوامل والمرضعات ومريضات السرطان في ظل انهيار المنظومة الصحية في القطاع، فمنذ السابع من أكتوبر 2023، يتواصل فصل جديد من المأساة في قطاع غزة المنكوب، حيث تواجه النساء واقعًا قاسيًا يجمع بين الألم العميق والصمود الأسطوري.
دفعت الفلسطينيات -وما زلن يدفعن- ثمنًا باهظًا لهذه الحرب الوحشية التي طالت كل شيء، فحرمت الآلاف منهن من أزواجهن وأبنائهن، وفاقمت أعباءهن، مهددة مستقبل أسرهن.
وفي ظل الحرب تفتقر نساء غزة إلى الأمن والحماية والرعاية الصحية، نتيجة انهيار البنية التحتية، وشح الموارد الأساسية بفعل الحصار المفروض على القطاع، فضلًا عن تصاعد العنف القائم على النوع الاجتماعي، ورغم ذلك ما زالت بصفتها أمًّا وزوجة ومعيلة ومدافعة عن الحياة، تناضل لا من أجل بقائها الشخصي فقط، بل لحماية أسرتها والحفاظ على ما تبقى من نسيج الحياة وسط الدمار الشامل.
شهادات حية.. قصص من قلب المعاناة
تعيش النساء في غزة معاناة مُركّبة، ويخضن صراعًا متعدد الأوجه يتجاوز مجرد البقاء، ويشمل كلَّ مناحي الحياة، فمن النزوح والتهجير القسري وفقدان المأوى، إلى انعدام الأمن الغذائي والصحي، وصولًا إلى الآثار النفسية العميقة التي تُخَلّفها مشاهد العنف والفقدان.
لم يكن بمقدور المواطنة “سهام جرابعة” -من مدينة خان يونس جنوب القطاع- التعبير عن معاناتها في ظل فقدان الزوج والمنزل والأمان والطعام، ولخصتها في جملة واحدة: “لقد خسرت كل شيء، وأعيش في حسرة وعوز لم أشهدهما طيلة حياتي”.
وحسب ما ذكرت في اتصال مع وكالة “وفا” فإن زوجها محمد استشهد في يناير الماضي، إثر قصف استهدف منزلهم في منطقة الطينة، وأصيبت هي بشظايا في الظهر أدخلتها العناية المكثفة، وبعد خروجها من المستشفى، نزحت مع عائلة زوجها إلى خيمة مهترئة في منطقة المواصي، تعيش مع 15 فردًا في ظروف تصفها بأنها “غير إنسانية”.
وتكابد جرابعة اليوم إعالة ثمانية أبناء، إلى جانب ابن زوجها عبدالرحيم (13 عامًا) الذي استشهد في أغسطس 2025 بعد ظهوره في صورة مؤلمة عبر وسائل التواصل، حافي القدمين يحمل كيسًا صغيرًا من الأرز والعدس.
وعن معاناتها خلال رحلة تأمين الطعام لأبنائها، تقول جرابعة: “أتوجه يوميًا ما بين التاسعة صباحًا والثانية عشرة بعد الظهر، إلى إحدى نقاط توزيع المساعدات في منطقة الطينة، رغم ارتفاع درجات الحرارة، وإصابتي التي تحد من حركتي، لكن لا سبيل آخر للحصول على شيء من المساعدات لأسد فيه جوع أطفالي”.
وتضيف: “في كثير من المرات أتكبد عناء الوصول إلى نقطة المساعدات، وأعرض حياتي للخطر؛ جراء استهداف طالبي المساعدات من قبل جنود الاحتلال بشكل مباشر، وفي النهاية لا أستطيع الحصول على هذه المساعدة، فأعاود الكرة مرة أخرى في اليوم التالي”.
وفقدت نور عاشور -وهي أم لستة أبناء- ابنها البكر محسن (19 عامًا) في 3 أغسطس 2025 أثناء محاولته جلب مساعدات غذائية، تقول: “فقدته بسبب استهداف الاحتلال لنقاط توزيع المساعدات، فأجهضت جنيني حزنًا عليه ولشدة الجوع ونقص الدواء”.
وتعيش نور مع زوجها المريض النفسي في دوامة نزوح متكرر، حيث نزحت مع عائلتها من غزة إلى دير البلح، ثم عادوا، ولم يستطيعوا الوصول إلى منزلهم المدمر. وتقول: وجدنا مأوى مؤقتًا في مبنى جامعة القدس المفتوحة مع 60 عائلة أخرى، وجبتنا الوحيدة من الأرز نحصل عليها من “التكيات”، فيما صارت نقاط المساعدات تُعرف بين الأهالي بـ”مصائد الموت”.
أرقام وإحصائيات.. واقع مؤلم للمرأة الفلسطينية
تشكل المرأة الفلسطينية نحو 49% من إجمالي عدد السكان في فلسطين مع نهاية عام 2024، بما يعادل 2.71 مليون أنثى، توزعن بواقع 1.65 مليون في الضفة الغربية و1.06 مليون في قطاع غزة.
ومنذ بدء الحرب على القطاع في السابع من أكتوبر 2023، تواجه المرأة الفلسطينية تحديات جسيمة، وشكلت مع الأطفال 75% من ضحايا الحرب.
وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، بلغ عدد الشهداء منذ بدء العدوان، ما يزيد على 64455، بينهم 12.400 امرأة، إضافة إلى 4700 مفقود من الأطفال والنساء.
وتشير التقارير الواردة من قطاع غزة إلى أن ما يقارب مليوني شخص اضطروا للنزوح من منازلهم خلال الحرب على القطاع، نصفُهم من النساء.
وتتحمل هؤلاء النساء أعباء ثقيلة لتأمين لقمة العيش ورعاية الأبناء، في ظل ظروف اقتصادية خانقة تفاقمت بفعل الحصار والدمار.
وتوضح وزيرة شؤون المرأة منى الخليلي أن 75% من إجمالي الشهداء في قطاع غزة منذ بداية العدوان هم من النساء والأطفال، وأن أكثر من 60 ألف أرملة جديدة أصبحن يعُلن ما بين 25 و30 ألف يتيم جديد، مبينة أن هذه الأرقام يصعب حصرها بدقة، بسبب استمرار العدوان وتوقف أنظمة التوثيق.
وتوصف الوزيرة الخليلي المرحلة الحالية بأنها من أصعب المراحل في تاريخ المرأة الفلسطينية، إذ دمر العدوان البنية التحتية، بما في ذلك المنازل والمستشفيات والمدارس، إضافة إلى تدمير النسيج الاجتماعي والاقتصادي.
وتضيف أن النساء فقدن بيوتهن ومصادر رزقهن وأمانهن في آن واحد، خاصة مع ارتفاع نسبة البطالة إلى مستويات غير مسبوقة، الأمر الذي جعل المسؤولية مضاعفة عليهن، واضطرت كثيرات إلى أن يصبحن المعيل الوحيد للأسرة في ظروف شبه مستحيلة.
وتطرقت الوزيرة إلى التحديات التي تواجه المرأة، ومن أبرزها: التحديات الاقتصادية والمعيشية، التي تتمثل في تأمين الطعام والشراب، ونقص حاد في المواد الغذائية والمياه النظيفة، وفقدان مصادر الدخل.
إلى جانب ذلك توجد تحديات اجتماعية، تسبب بها النزوح المتكرر، الذي دمر البنية الأسرية، وأدى إلى فقدان شبكات الدعم الاجتماعي من أقارب وجيران؛ مما جعل النساء يعشن في الخيام ومراكز الإيواء دون توفر الأمان أو الخصوصية.
تقول الوزيرة الخليلي: “إن المرأة الفلسطينية ما زالت صامدة، تناضل بقدرتها على الاستمرار، وتحول مأساتها إلى مساحة للصمود والبقاء”.
جهود حكومية للتخفيف من المعاناة
تواصل الحكومة الفلسطينية جهودها لحماية النساء والفتيات، وتعزز صمودهن في ظـل العدوان الإسرائيلي، وارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، والتجويع، والنزوح القسري.
وتشير الوزيرة الخليلي إلى أن الوزارة تسهم من خلال عضويتها في الفريق الوطني للاستجابة الإنسانية والتعافي وإعادة الإعمار، في تحليل تداعيات هذه الجرائم من منظور إنساني، وضمان إدماج احتياجات النساء والفتيات في خطط الإغاثة والتعافي، كما تعمل بالتعاون مع وزارة التخطيط الوطني على تطوير حـزم من البرامج والمشاريع؛ لتعزيز الوقاية، والحماية، والتمكين الاقتصادي والاجتماعي والنفسـي للنساء والفتيات.
وتبين أن الوزارة تشارك أيضًا في غرفة العمليات الحكومية للتدخلات الطارئة في المحافظات الجنوبية لتوفير الدعم الصحي، والنفسي، والنقدي، والغذائي، والقانوني.
وتعد النساء الحوامل والمرضعات من أكثر الفئات تضررًا من التأثير المدمر لسياسات الاحتلال الإسرائيلي القائمة على التجويع الجماعي والتهجير القسري المتكرر، والقيود المفروضة على المساعدات المنقذة للحياة في القطاع المنكوب.
وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” قالت في تقرير: “إن مليون امرأة وفتاة بقطاع غزة يواجهن “مجاعة جماعية، إضافة إلى العنف والإساءة”، جراء الحصار وحرب الإبادة المستمرة منذ 7 أكتوبر 2023”.
وأضافت أن النساء والفتيات في غزة يضطررن إلى تبني إستراتيجيات بقاء متزايدة الخطورة، مثل الخروج للبحث عن الطعام والماء مع التعرض لخطر القتل الشديد، خلال لجوئهن إلى أساليب للبقاء على قيد الحياة، رغم ما تنطوي عليه من مخاطر كبيرة.
وأورد تقرير سابق أعدته “مؤسسة الدراسات الفلسطينية” والمنشور في 12 من الشهر ذاته بعنوان “معاناة الأمهات الحوامل والأطفال الرُضَّع في ظل حملة الإبادة على غزة”، أن أطباء مدينة غزة وصفوا ما تعيشه نساء غزة بحالة كارثية، إذ خسرت عدة أمهات أجنتهن، أو واجهن ولادة مبكرة، نتيجة الحسرة والخوف اللذين يعشنهما، هذا من ناحية نفسية، أمّا على الصعيد الجسدي أو الطبي، فالأمر أكثر سوءًا، إذ لا يوجد غذاء ولا دواء ولا أدنى معايير للرعاية الطبية.
وسبق ذلك تحذير أطلقته منظمة اليونيسف في يناير 2024 قالت فيه: “إن الأوضاع غير الإنسانية التي تعيشها النساء الحوامل في غزة تعرّض حياتهن وحياة الأجنة للخطر، وتزيد نسبة الإجهاض والولادة المبكرة”.
انهيار المنظومة الصحية يعصف بالنساء
تعرضت المنظومة الصحية في القطاع لأكبر كارثة إنسانية في تاريخها، وانهيار النظام الصحي تحت وطأة القصف والحصار المستمر، ونقص الإمدادات، وغياب أي مظهر من مظاهر الحماية الدولية، عمّق من معاناة المرأة الغزّيّة.
ويذكر ممثل منظمة الصحة العالمية في فلسطين ريك بيبركورن أن الأوضاع الصحية في غزة كارثية، وأن المستشفيات تعمل بما يفوق طاقتها القصوى، في ظل النفاد التام لبعض الأدوية المنقذة للحياة وتزايد الوفيات الناجمة عن سوء التغذية والأمراض.
ويضيف أن أقل من نصف مستشفيات غزة وأقل من 38% من مراكز الرعاية الصحية الأولية تعمل جزئيًا، وتعاني من ضغط شديد ونقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، ووصل مخزون 52% من الأدوية و68% من المستلزمات الطبية إلى الصفر.
ووصف خبراء في الأمم المتحدة التدمير الممنهج لنظام الرعاية الصحية في غزة بـ”إبادة طبية”، واتهموا إسرائيل بمهاجمة وتجويع العاملين في مجال الرعاية الصحية والمسعفين والمستشفيات عمدًا؛ بهدف القضاء على الرعاية الطبية في القطاع المحاصر.
لم يقتصر الواقع الإنساني المرير، الذي تعيشه النساء في قطاع غزة على الحوامل والمرضعات فقط، بل طال أيضًا أصحاب الأمراض المزمنة، ومنهم مرضى السرطان، الذين يقدر عددهم حسب تقرير لوزارة الصحة عام 2024، بـ11 ألف مريض.
وتعيش مريضات السرطان النازحات في مراكز إيواء وخيام ظروفًا مأساوية، إذ تفتقر لأبسط مقومات الحياة؛ مما يفاقم حالتهن الصحية.
وقالت وزارة شؤون المرأة في ورقة موقف مطلع العام الجاري، إن معاناة المريضات تفاقمت في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي، الذي تسبب في تدمير 34 مستشفى ومركزًا صحيًّا، من بينها مستشفيات متخصصة لعلاج السرطان؛ مما أدى إلى توقف العلاجات الكيماوية والإشعاعية بالكامل.



