حين يتكلم الجماد.. هل تملك الأشياء أرواحًا؟

بقلم – محمد البكر :
يتوقف الإنسان أحيانًا عند استماعه لعزفٍ على آلة موسيقية ، ويشعر أنها أقرب إليه من أي شخص آخر، مهما كانت علاقته به. صوت الكمان ، على سبيل المثال، يبدو وكأنه يتحدث إليه ، يشاركه مشاعره وأحاسيسه ، حتى قيل إن الكمان هو أصدق من يرافق الإنسان في أحزانه .
البيانو، يجسّد تقلبات الحياة . تارة ينقلك إلى أقصى درجات الفرح والنشوة ، وتارة يسحبك إلى عالم من السكون ، وأحيانًا يُبقيك معلّقًا بين هذا وذاك.
وحين تعيش لحظات الحنين والتأمل ، فآلة الناي تأخذك معها ، لتُغمض عينيك وتسرح وكأنك على قاربٍ صغير في عرض البحر .
أما الطبول والإيقاعات ، فتشعرك وكأنك وسط عاصفة هوجاء ، أو فيضان جارف ، كما لو كانت أرواحاً شريرة .
فهل يتحدث الجماد إلينا ؟ هل يشعر بنا ؟ هل يشاركنا مشاعرنا بصدق ودون تزييف؟ أم أننا نحن من نسقط عليه أحاسيسنا، لنرى فيه انعكاسًا لحالتنا النفسية في لحظة معينة ؟
الشوارع، والمباني، والمحال، والشواطئ، والبراري، وكل الأماكن التي مررنا بها كلها تحتفظ بصدى الذكريات. لا يعنيها إن كانت الذكريات سعيدة أو حزينة ، هي فقط تحفظها كما هي ، ونحن من يستدعيها في لحظة ضعف أو نشوة عابرة .
الإنسان يحمل في ذاكرته مشاعر تراكمت منذ الطفولة وحتى الكهولة. يُخزّنها في ركنٍ خاص ، بعيدًا عن أعين الناس ، ويستدعيها متى شاء .
بعض تلك الذكريات تجعله يرى الحياة نورًا يشعّ في الليلة الظلماء ، بينما تحوّل الذكريات الحزينة ” الزهور” إلى أشواك تؤذيه .
” الجماد هو الجماد” ، لا يشعر ، ولا يحس ، ولا يتفاعل ، ولا يشارك صاحبه أفراحه أو أحزانه . لكنه يظل حاضرًا . فالإنسان هو من يُسقط عليه مشاعره ، حين لا يجد من يشاركه صدقه ، أو حين يُخذل ممن منحهم أكثر مما يستحقون .
الحياة مليئة بالدروس… فلنتعلم منها .
ولكم تحياتي



