ثقافة

الأصل العرقي لسكان مصر عبر العصور

%d9%85%d8%b5%d8%b1

متابعة سويفت نيوز:

كثيرون يسألون عن الأصل العرقي لسكان مصر، هل هم أفارقة ولا عرب ؟.. البعض يرى أن مصر دولة عربية يغلب عليها العرق العربي، بدليل ان اللغة العربية هي اللغة الرسمية. في حين المتحيزون للقومية المصرية يؤكدون ان المصريين مش عرب لا دلوقتي ولا زمان!.. رغم النزوح العربي مش اليمن وشمال الجزيرة العربية لمصر فترة عهد الدولة الأسلامية والأموية ومابعدها (للمزيد راجع هنا). والأقباط بيؤكدوا إن مصر مسيحية الأصل رغم ان ديانة قدماء المصريين ماكانتش المسيحية ورغم تحول عدد كبير من سكان مصر للأسلام قبل بداية العصر الفاطمي (راجع هنا)، ونرجع لسؤالنا تاني، ايه هوا الأصل العرقي للمصريين؟.. ودا اللي هانجاوب عليه بشيء من التفصيل في التدوينة دي.. خليكو معانا..

IMG_3138

في عهود ماقبل التاريخ، حدثت هجرات من أماكن كتيرة بالعالم بحثا عن المرعى و الصيد، زي الهجرات اللي حصلت من الهند لأوروبا ونتجت عنها شعوب كتير في اسيا واروربا، وزي الهجرات اللي حصلت من وسط وشمال افريقيا بعد تصحر الأراضي وتكون الصحراء الكبرى، لوادي النيل وساحل افريقيا الشمالي ونتج عنها شعوب اقليمية عايشة في المناطق دي لغاية النهاردا.

1200px-Spreading_homo_sapiens.svg

وفي وادي النيل ونظرا لوجود المرعى والماء واعتدال الجو، دا شجع كتير على الأستقرار وعدم استكمال الهجرات لمكان تاني، فتكون 3 شعوب قريبة من بعض في حاجات كتير اوي: المصريين، والكوشيين (السودانيين)، والبجّا (شعوب اعالي النيل واللي بيسميهم علماء الأنساب بالسلالات الحامية نسبة لحام بن نوح عليهم السلام). وكانت صحراء جنوب اسوان وشلالات النيل الأول والثاني والثالث حواجز طبيعية ترسخت عبر السنين بين شمال وجنوب الوادي، كمان صحراء وجبال الجهة الشرقية، وصحراء ووادي الرمال بالجهة الغربية شجع على زيادة تركيز السكان في ضفاف نهر النيل. كمان حدثت هجرات في عصور لاحقة من شعوب البحر (سكان الجزر في البحر المتوسط وجنوب اسيا الصغرى و اليونان) الى منطقة شرق المتوسط (ساحل الشام) وشمال مصر، سكنوا سواحل وأواسط الدلتا وانهصروا مع سكان الوادي اللي هاجروا من الصعيد نحو الشمال عبر مئات بل ألاف السنين!.. ولما قام التاريخ المصري فى 3500 ق.م. وجدنا شعبين في الشمال (الدلتا) ويعتبر خليط من الشعوب الحامية وسكان البحر المتوسط، والجنوب (مصر العليا) وأغلبه من سلالات حامية زي ماقلنا. تم توحيدهم عبر حروب طويلة وقيام المملكة المصرية الموحدة ذات التاج الأحمر والأبيض المعروفة في التاريخ المصري القديم.

مصر-العليا.jpg

خلال العصور اللاحقة لعصر توحيد مصر في عهد الملك مينا (نارمر) تقريبا 3200 ق.م. لا تزال الهجرات مستمرة لكنها كونت شعوب بقا سهل تمييزها عن المصريين اصحاب البلد الأصليين، زي ماهو موثق في جدران مقبرة سيتي الأول (الدولة الحديثة) تمييز بين الشعب المصري والكوشي (نوبي أو سوداني) والأشوري (سكان الشام وشمال العراق) والليبي (سكان ساحل افريقيا الشمالي برقة وطرابلس) بل والأوربيين سكان اسيا الصغرى والجزر اليونانية وجنوب اليونان. وكانت الطبقة الحاكمة في مصر غالبا ماتكون من حكام مصريين أبا عن جد، الا لو حصل احتلال زي الهكسوس لمدة 150 عام (للمزيد طالع هنا) فكانت الطبقة الحاكمة من الأجانب، وكمان في نهاية عصر الدولة الحديثة وبداية عصر الأضمحلال، تملك العرش بعض الأسرات من أصل ليبي زي الملك شيشنق وابسماتيك، ودول وإن كانوا أصلهم مش مصري ألا انهم ارتدوا الزي المصري وظهروا امام الشعب بالصورة المصرية التقليدية المعروفة علشان الشرعية في الحكم والمطالبة بالعرش!..

race1tumblr_inline_nvln4oz19t1sa6g3f_500

في العصر البطلمي حدث نزوح كبير لسكان جنوب اليونان لأستيطان المملكة الجديدة في شمال مصر في ظل القيادة البطلمية اليونانية العرق والثقافة، ودا شجع شعوب تانية للهجرة لمصر وسكن مدينة الأسكندرية اللي اسسها الأسكندر الأكبر في 332 ق.م. وتم توسيعها اكثر من مرة في خلال العصر البطلمي. وسكن اليونانيين مناطق عديدة في شمال الدلتا، في حين ظل الصعيد (مصر العليا) بعيد عن تأثير الثقافة البطلمية من حيث اللغة والعادات والأداب والملابس والديانة، وظل محتفظ بصورته المصرية القديمة لغاية عصر دخول المسيحية في مطلع القرن الأول الميلادي. للمزيد عن تأثير اليونانيين في مدينة الأسكندرية طالع هنا.

ptolemic alexandrians

وعلى الرغم من وقوع مصر في براثن الأحتلال الروماني لأكثر من 600 عامأ ألا ان مصر كانت بالنسبة للرومان مجرد عبيد وأرضهم غنيمة، ولم تكن يوما ضمن الأراضي الرومانية اللي بياخد اهلها الجنسية الرومانية زي أسيا الصغرى وبعد مناطق شمال سوريا، ودا ساعد المصريين أكثر على الأحتفاظ بثقافتهم وهويتهم المصرية والخروج بها سليمة بعد فترة طويلة من الأحتلال، كمان كان المصري يصعب عليه الزواج من الأجنبية نظرا للتقاليد اللي مازالت موجودة لغاية النهاردا، يعني الفلاح المصري القديم ماكانش يتزوج الا مصرية عشان نتجب له اولاد مصريين يرثوا الأرض يعمروا البيت. كمان كان صعب على المصري انه يترك ارضه ويهاجر لمناطق اخرى ودا اللي حافظ على الهوية المصرية لفترات طويلة جدا من التاريخ بالمقارنة بشعوب اخرى.

الأسكندرية في بدايات العصر الأسلامي

وبعد دخول العرب لمصر نشطت حركة الهجرة من شمال شبة الجزيرة العربية (تبوك) وبعض مناطق في اليمن (عك وغافق) واستوطنوا منطقة الفسطاط ومنها نزحوا في مراحل لاحقة لشمال ووسط وجنوب الصعيد. ويمكن دا ساهم في تغيير التركيبة السكانية للمصريين بدخول العرق العربي وامتزاجه بالعرق المصري القديم اللي احتفظ بنقاؤه تقريبا لألاف السنين!.. ودا بدأ بصورة ملحوظة مع بدايات العصر الفاطمي زي ماتكلمنا سابقا (طالع هنا). ومع استقلال مصر عن دولة الخلافة في بغداد في عصر الطولونيين والأخشيديين ومابعدهم، نزح لمصر كثير من عائلات تركية وفارسية ومغربية وسودانية، لأسباب عديدة سياسية او للتجارة، وحافظت على هويتها بعض الشيء في مقابل الهوية المصرية لأنهم كونوا طبقة اشبه بالنبلاء، ولكنهم تغيروا شيئا فشيئا حتى انصهروا في البوتقة المصرية ودخلوا في التركيبة السكانية المصرية بنهايات العصر المملوكي وبدايات العصر العثماني. وبيسجل كتاب (المجتمع والأقتصاد في مصر وشرق المتوسط 1600: 1900) تأليف أندريه ريموند، نزوح أكثر من 52 أسرة من بلاد المغرب العربي للأستيطان في مصر ، ولا تزال اسماء عائلاتها موجودة لليوم ولكنها طبعا ولبعد المسافة الزمنية تخلت عن اصلها المغربي ودخلت ضمن التركيبة السكانية للشعب المصري. اهمها قبائل اولاد علي الأحمر واللي استوطنت ساحل مصر الشمالي ومطروح وحتى السلوم، ولسة بتحتفظ بهويتها العربية البدوية ولهجتها في الحديث لغاية النهاردا. وتقبل المصريين كل من نزح عليهم بسلام وشوية بشوية بدأوا في الأختلاط والزواج معهم مما ساهم في انصهارهم داخل المجتمع المصري الكبير.

قوافل خارج أسوار القاهرة - القرن 15

وفي عصر محمد علي باشا وما بعده شهدت مصر نزوح من كثير من عائلات واسر يونانية وايطالية ونمساوية ومجرية وغيرها، هربت من الفقر و الحروب في بلادها وجاءت للتجارة والتربح في بلاد ناشئة (زي ماكانوا شايفينها زمان) بالذات من تجارة الأثار اللي نشطت جدا في اوروبا في الوقت دا، ومع بعد الفترة الزمنية دخلوا الأجانب ضمن التركيبة السكانية للشعب المصري اواخر القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين وان كانوا حافظوا لحد كبير على هويتهم ولغاتهم وعاشوا في جاليات منغلقة عن المصريين لغاية بعد قيام ثورة 1952 ونظرا لخوفهم من النظام المصري في الوقت دا فقرر جزء كبير منهم العودة لبلاده الأصلية واللي فضل منهم عاش في هدوء وشوية بشوية اندمج في المجتمع المصري.

d8b4d8a7d8b1d8b9-d8b9d985d8a7d8af-d8a7d984d8afd98ad986

خلاصة الكلام وزي مابيقول الدكتور زاهي حواس في مقال له بعنوان (توت عنخ امون لم يكن اسود): ” ان المصريين ليسوا عربا ولا أفارقة رغم وقوع مصر ضمن القارة الأفريقية..” وطبعا يقصد ان موقع مصر الجغرافي سمح لها بالأحتفاظ بهويتها لسنين طويلة رغم كثرة النزوح، فدوما كانت شخصيتها تطغى على شخصية المستعمر او النازح.. وليس العكس. واليوم تعيش بعض اقليات أمازيغية في واحة سيوة، ومن (البجا) في مثلث حلايب بحدود مصر الجنوبية ولكنها لم تتأثر ولم ثؤثر في الشخصية المصرية التأثير القوي.

فعلى الرغم من انتشار اللغة العربية في مصر فلم تتغير عادات السكان كعادات العرب القادمين من شبه الجزيرة وظلت عاداتهم كعادات وموروثات شعب مصر منذ الاف السنين (طالع هنا) وعلى الرغم من استعمار العثمانيين لمصر لفترة تفوق 350 عام فلم تنتشر لغاتهم ولا عاداتهم في مصر وان كانت دخلت بعض كلمات في العامية المصرية (طالع هنا) وقديما احتل الرومان مصر لأكثر من 650 عاما ولم يتكلم المصريين اللاتينية، واحتل الأنجليز مصر لأكثر من 70 عاما ومازال العوام يتكلمون العامية المصرية ودرجاتهم ضعيفة في اللغات الأجنبية بالمدارس!!.. فمصر كانت ومازالت بوتقة ينصهر كل من يقع فيها ليدخل ضمن خليط عجيب من الصعب تمييز اصله وان كان متفردا عبر العصور.

نقلا عن مدونة

egypthistory.wordpres

رابط

egypthistory.wordpres

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى