الطفل المدخن !!
محمد خضر الشريف
==============
درج على التدخين منذ الصغر ، وهو في مرحلة الطفولة، حتى صار شابا يافعا، والسبب أنه كان يرى والده يدخن ويترك الدخان في البيت على أنه شيء ضروري له ، وأخذها الصبي من باب التقليد ، فيتغدى مع والده والأسرة ويشربا الشاي بعد الغداء وما يلبث والده أن يشعل لنفسه سيجارة ،وبالفعل يقوم الصغير بنفس الخطوات المرتبة ويسأل نفسه قائلاً : يعني أتغدى مثل أبي واشرب الشاي مثل أبي ، فلماذا يدخن أبي السيجارة ، ولا أدخن أنا ؟
كان يختبئ كما يفعل الصغار الذين يبدؤون هذه العادة غير الطبيعية ، فينزوي في مكان لا يعلم به أحد ولو كان هذا المكان في الحمام ، وليس مهما المهم أن يشعل سيجارته التي أبت عليه طبيعته أن يشعلها أمام الناس قبل الناس ذلك أم أبوه ، تطورت الأمور وأصبح يدخن بعدها أمام أمه ، التي لم تكن حازمة في الأمر وبعاطفتها الميالة إلى عدم الإيذاء لم تبلغ والده ، بل ساعدته كثيرا في تزويد المصاريف التي يشتري بها السيجارة تلو السيجارة ..
زادت الأمور تعقيدا بالصحبة التي رأى فيها مشجعين على التدخين بحجة أنهم بلغوا مبلغ الرجولة ، وأنهم يذهبون ويجيئون ويفعلون ما يحلو لهم دون أن تكون هناك محاسبة تامة لهم من قبل الوالدين أو من قبل الأهل والأقرباء وكانت سرية وزادت على العلن في المجالس التي يكثر فيها التدخين من باب التحية وإكرام الضيف ، والقيام بواجب الضيافة وأصبح صاحبنا وهو في المتوسطة وبداية الثانوية الرجل المدخن ويشعل سيجارته وهو ذاهب إلى مدرسته وراجع منها على قارعة الطريق ، دون خوف أو وجل ..
واستمر الحال إلى مرحلة الكلية التي كانت تبعد عن بلدته كثيراً لدرجة أن يتغيب العام الدراسي كله أو معظمه في تلك البلدة ولا يعود إلا في الإجازة الصيفية ، وبذلك زادت الحكاية وزاد الشره في التدخين الذي أصبح هو سلوته في غربته وبعده ، ولأول مرة عن أهله وناسه..
وفي يوم من الأيام كما يقول الشاب : قرأت في كتاب عن التدخين وكيفية مكافحته من يقول : لو كان هناك رجل كل يوم يذهب من بيته إلى البحر ليرمي فيه قرشاً واحداً أو ريالاً واحداً لقلنا عليه إنه مجنون ، فكيف بمن يرمي كل يوم خمسة ريالات أو عشرة ريالات يحرقه في صحته ويبدده في هلاكه ثم قرأت المضار التي يسببها الدخان للمدخن .
وكذلك قرأت فيه عن طرق عديدة للإقلاع عن التدخين ومن أهمها مراجعة عيادة خاصة للإقلاع عن التدخين ، وبعد الانتهاء ما كان مني إلا أن رميت بالكتاب كما أرمي بكثير من الكتب التي أقرأها بلا تمعن أو تفكر بما تحويه من فوائد وعبر تعود علي بالنفع في الدنيا والآخرة . خرج صاحبنا ذات يوم يبحث عن النوع الذي يدخنه من السيجارة فلم يجده فزاد في مساحة البحث فلم يجده وللأسف فكاد أن يجن لعدم وجود الدخان ، ثم التفت إلى نفسه فتذكر ما قرأه بالأمــــس فقال والله لقد صرت مجنوناً كما في الكتاب لأنني أهلك مالي في ضياع صحتي وأصبحت عبدا لهذه السيجارة الصغيرة والله ثم والله لأقلعـــن وليحدث ما يحدث وكانت العزيمة الصــادقة الــقوية..
لكن كيف أقلع؟!
تذكر الكتاب لأن فيه رقم عيادة للإقلاع عن التدخين فأصبح يبحث عنه في السيارة والبيت كما كان يبحث عن السجائر وسبحان مغير الأحوال وهادي القلوب فوجده بحمد الله واتصل عليهم ووضحوا له أخطار التدخين على نفسه وأهله وماله وقبل ذلك دينه ثم أخبروه بمكانهم وتواصل معهم حتى أقلع ولله الحمد..
أقص هذه الحكاية الواقعية لأقول لكل أخواني وأبنائي وأصدقائي وزملائي من المدخنين : لا تتخيلوا أن الإقلاع عن التدخين مستحيل أمام النية الصافية والعزيمة الصادقة والإرادة القوية وتعاون رجال عيادة مكافحة التدخين وقبل كل ذلك الاستعانة بالله على ترك هذا البلاء .