بحضور مستشار ملك مملكة البحرين لشؤون الإعلام .. تدشين كتاب «في حضرة الغائب الحاضر.. د. محمد الأنصاري» أحد رواد الفكر العربي

البحرين – جمال الياقوت :
بحضور مستشار ملك مملكة البحرين لشؤون الإعلام نبيل يعقوب الحمر، والنائب الأول لرئيس مجلس الشورى بمملكة البحرين جمال محمد فخرو، والشيخة مي بنت محمد آل خليفة رئيسة مجلس أمناء مركز الشيخ إبراهيم بن محمد للثقافة والبحوث، نظم المركز، مساء أمس الأول السبت، حفل تدشين كتاب «في حضرة الغائب الحاضر.. الدكتور محمد جابر الأنصاري».
وشهد حفل التدشين حضورًا متميزًا من المسؤولين والمهتمين بالجانب الثقافي والتاريخي والإعلامي، وتم خلاله عرض فلم وثائقي للراحل.

إرث فكري متجدد
وأكد الكاتب والمفكر الكويتي الدكتور محمد الرميحي أن الراحل الدكتور محمد جابر الأنصاري كان من رواد الفكر العربي المستنير، إذ سعى إلى تقديم تفسير عقلاني وعلمي للتحولات السياسية والاجتماعية في المجتمعات العربية.
وأوضح الرميحي أن فهم أعمال الأنصاري يتطلب استيعاب التطور الحديث للعلوم الاجتماعية، إذ كان يُنظر إليها سابقًا على أنها «علوم سهلة»، مقارنةً بالعلوم التطبيقية الدقيقة، لكن الأكاديمية الفرنسية، التي احتفت بأعمال الأنصاري، اعتبرت أن العلوم الاجتماعية أكثر تعقيدًا من العلوم البحثية؛ نظرًا لطبيعتها المتغيرة وعدم إمكانية ضبط متغيراتها كما هي الحال في العلوم التطبيقية.


تحليل الأنصاري للتاريخ السياسي
وتطرق الرميحي إلى إعجاب الأنصاري بنظرية ابن خلدون في تداول سلطة الدولة، بين أهل المدر وأهل الوبر، حيث رأى أن العصبية هي العنصر الذي يجمع أهل السلطة، إلا أن الأنصاري لم يتوقف عند هذه الفكرة، بل رأى أن العصبية لم تعد قائمة بصورتها التقليدية، بل تحولت إلى «العسكر»، الذين هيمنوا على المشهد السياسي في العديد من الدول العربية، محولين الدولة المدنية إلى أنظمة عسكرية.
إشكالية المصطلحات
وأشار الرميحي إلى تناول الأنصاري للفرق بين «العربي» و«الأعرابي»، حيث لاحظ أن المصطلح الأخير تكرر عشر مرات في القرآن الكريم، دون أن يحمل دلالة سلبية، بل كان يعكس الفارق بين نمط الحياة البدوية والدولة المدنية. وأكد على أن خطورة بعض التيارات الدينية اليوم تكمن في محاولتها استعادة الدولة إلى نموذج تاريخي قديم، رغم ارتدائها عباءة العصر الحديث.
وسلط الرميحي الضوء على موقف الأنصاري من إشكالية المصطلحات في السياسة العربية، حيث اعتبر أنها تمثل عقبة كبيرة في الممارسة السياسية، مشددًا على ضرورة إدراك «الوزن النسبي» للأفكار وعدم إسقاط أقوال ومرجعيات تاريخية على واقع معاصر مختلف تمامًا.
العقلانية في الفكر العربي
وأكد الرميحي على أن الأنصاري كان يمثل خط العقلانية في الفكر العربي، إلا أنه كان ينتمي إلى أقلية متعلمة وسط تيار ثقافي يفتقر إلى المناعة المعرفية، نتيجة ضعف منظومة التعليم وسيطرة الخطاب التراثي غير العقلاني. وأوضح أن الصراعات الفكرية والفقهية الدامية التي نشهدها اليوم هي نتيجة قرارات سياسية مغلوطة وسوء فهم للواقع، ما يستدعي إقامة دولة مدنية حديثة، يتساوى فيها المواطنون تحت مظلة قانون عادل يحقق الخير للجميع.
توثيق مسيرة الأنصاري
من جانبها، أكدت مستشار جلالة الملك للشؤون الثقافية والعلمية هالة الأنصاري على أن الكتاب الذي بين أيدينا يمثل سجلاً تاريخيًا عميقًا يوثق مسيرة والدها، منذ نشأته وحتى رحيله، مشيدةً بالدور الذي لعبه الدكتور محمد الرميحي في توثيق الفكر الذي تركه الراحل، وإثراء مشروعه الفكري بأفكار جديدة تعزز من قيمته الفكرية والثقافية.
وأعربت الأنصاري عن مدى الألم الذي خلفه فقدان والدها، مشيرةً إلى أن رحيله كان صعبًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فقد ترك فراغًا لا يملأه سوى من عاش مرارة الفقد، مؤكدةً في الوقت ذاته على الرضا بقضاء الله وقدره.
وأضافت: «برحيله فقدنا أبًا قاسي الحياة مبكرًا، لم يعرف فيها الترف، وكان دائم الحرص على حمايتنا من الانزلاق في دوامة الاستهلاك الذي يؤدي إلى ضياع الذات. منه تعلمنا كيف نشد الحزام، ونزن الأمور بعقلانية دون الانجراف وراء مطالب لا تقوم على أسس سليمة. كما كان سندًا لنا في حياتنا الأسرية، نحن الثلاث، إذ قدم لنا كل أشكال الدعم ليمنحنا انطلاقة قوية نحو المستقبل».
ويضم الكتاب مجموعة من المقالات التي كتبها المفكرون الذين تأثروا بالأنصاري، إلى جانب فصل مخصص لصور ومحطات مختلفة من حياته العلمية والفكرية.


