أخبار خليجية

انطلاق المؤتمر الدولي حول العدالة الجنائية التصالحية في مملكة البحرين

المنامة – جمال الياقوت :

افتتحت اليوم فعاليات المؤتمر الدولي حول العدالة الجنائية التصالحية تحت عنوان “تعزيز العدالة الجنائية التصالحية: تطور أنماط إدارة العدالة الجنائية”، والذي تنظمه النيابة العامة في مملكة البحرين بالتعاون مع وزارة الداخلية، وجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، ومعهد الدراسات القضائية والقانونية، وبمشاركة مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة. ويُعقد المؤتمر في فندق الخليج بمدينة المنامة، ويستمر لمدة يومين، بحضور نخبة من الشخصيات القضائية والقانونية والأكاديمية على المستويين الوطني والدولي.

ويعد هذا المؤتمر خطوة هامة في تعزيز جهود مملكة البحرين نحو تطوير نظم العدالة الجنائية، إذ يركز على مناقشة وتطوير مفاهيم العدالة التصالحية كأحد الحلول المبتكرة لتجاوز العقوبات التقليدية وتعزيز حقوق الإنسان. ويرتكز المؤتمر على تجربة البحرين الرائدة في هذا المجال، التي أرسى دعائمها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، ضمن مسيرة تنموية امتدت على مدى 25 عاماً وشهدت تطورات بارزة في السياسات العدلية والقضائية.

ويُناقش المؤتمر عدة محاور رئيسية تسلط الضوء على مفهوم العدالة الجنائية التصالحية وتطبيقاتها، مع التركيز على تطور السياسات العقابية في البحرين. كما تتناول الجلسات العلمية مواضيع متنوعة، من بينها تحديد مفهوم العدالة التصالحية، واستعراض المستحدثات في إدارة العدالة الجنائية، إلى جانب دراسة التحديات المرتبطة بتطبيق التدابير والعقوبات البديلة واستعراض تجارب دولية في هذا المجال.

وفي هذا السياق، أوضح سعادة النائب العام الدكتور علي بن فضل البوعينين أن مملكة البحرين قد عملت بكل جدية ومصداقية على تطوير تشريعاتها، وحرصت على تحديثها بما يتفق وصالح المجتمع، ومن ذلك إصدار قانون العقوبات والتدابير البديلة، والتوسع في إجازة الصلح والتصالح فضلاً عن تقنين الوساطة الجنائية كأسلوب تفاوضي للتسوية ورفع الأضرار الناشئة عن الجريمة، وما استتبع ذلك من التطور المؤسسي والهيكلي لإدارة العدالة الجنائية داخل القضاء والنيابة العامة ولدى الجهات والأجهزة ذات الاختصاص بتطبيق تلك المستحدثات التشريعية، مؤكداً أن نظام العدالة الجنائية التصالحية قد جاء في هذا الإطار نتيجة إدراك صحيح للغاية من المساءلة الجنائية، وفهمٍ موضوعي سائغ للعقوبة من حيث الهدف والغرض، ليخرج بها من نطاق الموروث التقليدي إلى مداركٍ أكثر اتساعاً واستنارةً قائمةً على استيعاب شاملٍ للحقوق الفردية والصالح الخاص والعام على السواء دونما إخلال بمقتضيات العدالة. مشيراً إلى أن الهدف من المؤتمر هو تحقيق المستهدفات الوطنية الصادقة من أجل تعزيز حقوق الإنسان وتثبيت دعائمها القانونية والعملية بتعزيز العدالة الجنائية التصالحية، وضمان تطبيق أمثل لأنماطها، وذلك من خلال الإفاقة إلى وسائلها والوقوف على التحديات، واستشراف الآثار الإيجابية الناشئة عن التطبيق، والتعرف على النماذج المقارنة في العالم سواء من جهة التطبيق، أو من حيث المقدرة على تجاوز التحديات وتحقيق الإيجابيات.

ومن جانبه، أشار سعادة اللواء الدكتور الشيخ حمد بن محمد آل خليفة في كلمته إلى أهمية العدالة التصالحية كنمط جديد لحل المنازعات الجنائية، وإلى دور وزارة الداخلية في تعزيز منظومة العدالة الجنائية من خلال تطبيق أنظمة قانونية مبتكرة. وأكد على أن صدور قرار معالي وزير الداخلية رقم (76) لسنة 2018 بشأن تحديد الجهة المعنية وآلية تنفيذ العقوبات البديلة قد أتاح المجال للتطبيق الفعال لأحكام قانون العقوبات والتدابير البديلة وتوفير البرامج التأهيلية التي تتناسب مع الظروف الشخصية للمحكوم عليهم والذين يُتوخى إصلاحهم. كما أشار إلى أن التزام وزارة الداخلية بالتوجيهات الملكية السامية بتنفيذ برنامج السجون المفتوحة قد شكل إنجازاً نوعياً مشرفاً في الملف الحقوقي والإصلاحي لمملكة البحرين، مما كان له أبلغ الأثر في فوز البرنامج بالمستوى الأول لجائزة الأمير نايف للأمن العربي، ولفت سعادته إلى إنشاء مكاتب لحماية الأسرة والطفل لتعزيز التماسك الأسري وضمان ترسيخ دعائم الأمن الاجتماعي. فيما أكد على ضرورة دمج العدالة التصالحية والعدالة الجنائية، داعياً إلى ضرورة إجراء دراسات حول الإشكاليات المرتبطة بهذا الدمج.

هذا وقد أشار معالي الدكتور عبد المجيد بن عبدالله البنيان رئيس جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية في كلمته في افتتاح أعمال المؤتمر الذي يعد باكورة برنامج عمل جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية لعام 2025م،  إلى دور الجامعة في تأهيل الكوادر البشرية وتعزيز الأمن العربي، وأوضح أن الجامعة تعمل على تنفيذ الأنشطة العلمية سواء داخل دولة المقر أو خارجها، وقد حظيت بتقدير دولي تمثل في اختيارها ضمن معاهد الأمم المتحدة للعدالة الجنائية والحد من الجريمة. كما أشار إلى أهمية البرامج الأكاديمية التي تقدمها الجامعة، والتي تضم طلاباً من مملكة البحرين ودول عربية أخرى، وشراكاتها الدولية المتميزة ودور مراكزها المتخصصة. وأكد أن تنظيم المؤتمر يأتي في إطار جهود الجامعة لتعزيز المنظومة التشريعية وبناء القدرات البشرية في المجال العدلي.

وفي سياق متصل، أوضح الدكتور رياض سيادي، مدير معهد الدراسات القضائية والقانونية أنه في ظل التحول المستمر في أنماط الحياة وسلوكيات الأفراد، تتزايد التحديات التي تواجه النظم القانونية في مختلف فروع القانون، مما يتطلب منا إعادة النظر في كيفية وآليات تحقيق العدالة. العدالة التصالحية التي يناقشها المؤتمر ليست مجرد بديل للعدالة التقليدية، بل هي فلسفة ترتكز على إعادة بناء العلاقات بين الأفراد والمجتمع بعد وقوع الجريمة، استنادًا إلى أن الجريمة ليست مجرد انتهاك للقانون، بل هي أيضًا انتهاك للعلاقات الإنسانية. وهو ما يتطلب النظر في الأبعاد الإنسانية للجريمة وفهمًا أعمق للطبيعة الإنسانية التي تتحلى بالقدرة على الحب والتصالح. حيث تقدم العدالة التصالحية نموذجًا لإصلاح الضرر الذي لحق بالضحايا والمجرمين على حد سواء، من خلال تعزيز قدرة الجناة على التعلم من الأخطاء وتجاوزها بدلاً من مجرد معاقبتهم، ومن خلال تعزيز الحوار بين الضحايا والجناة، مما يسهم في خلق بيئة تُمكّن الضحايا من استعادة ثقتهم، وتساعد المجرمين على فهم عميق لتبعات أفعالهم، مما يصب في تعزيز تماسك المجتمع واستقراره.

جدير بالذكر أن المؤتمر يركز على استعراض تجربة مملكة البحرين كنموذج يحتذى به في تعزيز العدالة التصالحية، مع إبراز الجهود الوطنية التي أسهمت في تحقيق تحول نوعي في السياسة الجنائية. ومن أبرز هذه الجهود تطبيق التدابير البديلة التي ساعدت على تقليل معدلات الاكتظاظ في السجون وتحقيق التوازن بين العقوبة والإصلاح، بالإضافة إلى دور الوساطة الجنائية كآلية لحل النزاعات بشكل يعزز المصالحة بين الأطراف.

 
كما تُبرز جلسات المؤتمر أهمية إشراك المجتمع في دعم نظم العدالة الجنائية الحديثة، حيث يتم تسليط الضوء على دور المجتمع المدني في تعزيز نجاح التدابير البديلة فضلاً عن سبل تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية هذه النظم، مع التركيز على أهمية تأهيل الأفراد لفهم أهداف العدالة التصالحية وتطبيقها بفعالية.

ومن بين القضايا التي تحظى بنقاش واسع خلال المؤتمر، الدور الذي يمكن أن يلعبه القطاع الخاص في دعم تنفيذ العقوبات البديلة، من خلال توفير فرص عمل وبرامج تدريبية تسهم في إعادة دمج المحكوم عليهم في المجتمع بشكل فعّال ومستدام. كما يتم استعراض تجارب دولية حول كيفية تطبيق هذه النظم على فئات خاصة مثل الأطفال، النساء، وذوي الإعاقة.

ويأتي هذا الحدث العلمي ليمثل خطوة إضافية نحو تحقيق رؤية شاملة لإدارة العدالة الجنائية، ومنصة تؤكد أهمية التعاون الدولي وتكامل الأدوار بين الجهات القضائية والتشريعية والتنفيذية في مواجهة التحديات المرتبطة بتطور نظم العدالة، مع تعزيز تبادل التجارب والممارسات الناجحة، ومن شأن هذه الجهود أن تفتح آفاقاً جديدة نحو تطوير استراتيجيات فعّالة قادرة على تحقيق العدالة وتعزيز الاستقرار المجتمع، بما يرسخ مكانة مملكة البحرين كنموذج عالمي في تطوير نظم العدالة الحديثة، ويؤكد التزامها بمبادئ حقوق الإنسان والتنمية المستدامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى