مكتبة المسجد الحرام إرثٌ وإثراء معرفي وثقافي على مر العصور
مكة المكرمة – واس :
تحرص رئاسة الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي على التنظيم الإداري المتميز والارتقاء بمستوى الخدمات، والحرص على الجودة في الأداء، والانتقاء الدقيق للكتب وتوفيرها في مكتبات الحرم المكي الشريف، وإقامة اللقاءات والندوات العلمية والثقافية، كما أنها تسعى لتصل إلى الريادة عالميًا في مجال المكتبات والبحث العلمي وإثراء المعرفة بمختلف الوسائل لا سيما التقنية الحديثة منها، وإبراز الصورة المشرقة لرسالة الحرمين الشريفين.
وتعد مكتبة الحرم المكي الشريف من أقدم وأهم المكتبات بالعالم الإسلامي، ويعود ذلك إلى جذورها العريقة الممتدة عبر التاريخ، ففي عام (161 هـ) أمر الخليفة العباسي محمد المهدي ببناء قبتين في صحن المطاف إحداهما للسقاية والرفادة، والأخرى لحفظ المخطوطات، وذلك لكثرة حلقات العلم والدروس التي كانت وما زالت تقام في المسجد الحرام، وسميت (قبة بيت المحفوظات)؛ لحفظ المصاحف وبعض الكتب الدينية وبها كانت بداية نواة المكتبة.
وتميزت مكة المكرمة بنشاط علمي وثقافي كبير عبر العصور لا سيما بين أروقة المسجد الحرام، حتى أضحت مركزًا علميًا معرفيًا ثقافيًا عالميًا بارزًا، حتى جاء العهد السعودي المبارك بدعم منقطع النظير، الذي آمن بضرورة تنمية روافد العلم والمعرفة، فأمر الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيب الله ثراه – في عام (1357 هـ) بتسمية المكتبة باسمها الحالي “مكتبة الحرم المكي الشريف”، وسار على نهجه أبناؤه الملوك من بعده، الذين واصلوا في تنمية وتطوير هذا الصرح العريق، وصولًا إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- حيث توالت الإنجازات والتطورات الملموسة بين أروقة (مكتبة الحرم المكي الشريف)، وانتقلت من داخل المسجد الحرام إلى خارجه في عدد من المواقع حتى استقرت الآن بمبناها في “بطحاء قريش”، لخدمة الحجاج والعمّار والزوّار والباحثين وطلبة العلم.
وتشتمل مكتبة الحرم المكي الشريف على عدد من الإدارات ومنها “إدارة الخدمات المكتبية” التي تعمل على تهيئة المكان بشكل مستمر لتوفير البيئة المكتبية المطلوبة، ومنها الحرص على تنظيم أرفف القاعة بشكل مستمر، والتأكد من التنظيم المفهرس للكتب بين الأرفف بطريقة صحيحة، حيث تحتوي على مختلف فروع العلم وصنوف المعرفة لتمكين الباحثين والمطالعين وطلبة العلم من الوصول إليها والاستفادة منها بأرقى وسيلة ممكنة، وتوفر الإدارة أجهزة البحث السريع، وكذلك آلات التصوير الجزئي، كما تضم قاعة الشيخ ناصر الراشد للاطلاع والقراءة، وتضم أكثر من (70.000 ) عنوان مختلف، منها: اللغة العربية، والشريعة، والسيرة النبوية، والعلوم الاجتماعية، والعلوم التطبيقية، والعلوم البحتة وغيرها.
وتصدر “إدارة الصحف والدوريات” صحفًا ومجلات بشكل دوري ومستمر بأعداد متتالية، وتحتوي الإدارة على قاعة “الشيخ سليمان بن عبيد” وتضم في طياتها ثروة من المطبوعات الدورية من مجلات وصحف محلية وعربية وإسلامية، منها ما توقف عن الصدور ومنها ما زال مستمرًا ومنها النادر، حيث تتميز الإدارة بأنها شاملة ومتنوعة، فبها ما هو مختص بالأخبار ونقل الحدث، أو في الشريعة، واللغة، والطب، والثقافة العامة وغيرها، حيث يعد مخزونها من العلوم والمعارف وسيلة لنشر الإنتاج الفكري والاستفادة منه، ونجد بها كذلك المجلات الإعلامية والمجلات العلمية المحكمة القديمة والحديثة، وتعد “إدارة الصحف والدوريات” بمحتواها مرجعًا لبعض الأحداث التاريخية.
ويبلغ عدد الصحف السعودية الموجودة في المكتبة (42) صحيفة، بمعدل (160300) عدد ورقي، و(4572) مجلدًا، و(64) فيلمًا “ميكروفيلم” للصحف القديمة، وتضم الإدارة عددًا من المجلات (السعودية – العربية – الإسلامية) بلغت ( 1193)عنوانًا، بمعدل (13964مجلدًا)، وعملت الإدارة على الأرشفة الرقمية لـ (360) عملية أرشفة للدوريات، وبلغت الأرشفة الرقمية للصحف أكثر من (13500) عملية أرشفة، سعيًا من الإدارة لتحويل جميع محتواها إلى رقمي وإتاحته للجميع بأسهل طريقة ممكنة، إضافة إلى توفير ركن خاص بلغة برايل، مختلف العناوين ومتنوع في مضمونه ليضفي للباحثين بلغة برايل معرفة ومعلومات متنوعة ويقدم خدماته لهم بأفضل السبل والطرق الممكنة.
وتضم “إدارة الترميم والتجليد” وحدة التجليد، ووحدة التعقيم، ووحدة الترميم، حيث تقوم على صيانة الكتب والصحف والدوريات والمخطوطات ومختلف محتويات المكتبة وتعقيمها وترميمها وتجليدها؛ للمحافظة الدائمة عليها، كما أن الإدارة مزودة بأحدث الأجهزة لا سيما في عملية التعقيم، فهناك جهاز خاص يعمل على طبقة الأوزون، وتعمل أيضًا على تغليف الكتب المهداة من المكتبة.
وتحتوي “إدارة المكتبات الخاصة والإهداء”: على العديد من المكتبات الخاصة، حيث بلغ عددها : (٥٥ مكتبة)، من أبرزها “مكتبة الشيخ عبدالله بن حميد، ومكتبة الشيخ عبدالله آل الشيخ، ومكتبة الشيخ سليمان بن عبيد، ومكتبة الشيخ عبدالرحيم بن صديق، ومكتبة، والشيخ: محمد رزيق، ومكتبة الشيخ عبدالله المنيع، ومكتبة الشيخ صالح المحسن، ومكتبة الشيخ عبدالكريم النملة”.
وتقدم إدارة الترجمة بالمكتبة أهم الإصدارات الجديدة إصدارات في اللغات والترجمة.
وتُعنى “إدارة المكتبة الرقمية الذكية” بتقديم ودعم جميع الوسائل التقنية الحديثة في صناعة عالم المكتبات بوسائطها المختلفة المرئية أو المسموعة أو المكتوبة، ودعم التحول الرقمي لمكتبات الحرم المكي الشريف.
وتضم المكتبة “مركزًا للمخطوطات” الذي يعد بأنه البذرة والنواة التي انطلق من صرح مكتبة الحرم المكي الشريف، والمخطوطة هي كل ما كتب بخط اليد على ورق أو جلد وغيرها قبل عصر الطباعة، ويعنى المركز بحفظها والاهتمام بها والحرص على اقتناء الثمين منها، ويضم آلاف المخطوطات الأصلية والمصورة.
ويشتمل المركز على قسم المخطوطات، وقسم الكتب النادرة والطبعات القديمة، وقسم الميكروفيلم.
ويحتفظ المركز بـ (7849) مخطوطة أصلية، و(372 ) مخطوطة غير عربية، وأكثر من (2756 ) مخطوطة مصورة، و(554) مجلدًا للفهارس، و(31476) مخطوطة رقمية، و(105) مخطوطات تم إعادة ترميمها بدارة الملك عبدالعزيز، إضافة إلى قرابة (8000) كتاب ما بين نادر وطبعات قديمة.
كما تحتوي المكتبة على أقدم مخطوطة وهي (فوائد البزاز) “الغيلانيات في أجزاء الحديث” لمؤلفه: محمد بن عبدالله بن إبراهيم الشافعي المتوفى سنة 354هـ وتاريخ نسخه سنة 494هـ، والنسخة الوحيدة في العالم من: (مسند الموطأ) لمؤلفه عبدالرحمن بن عبدالله بن محمد الغافقي المتوفى سنة 381هـ وتاريخ نسخه سنة 693هـ، والنسخة الوحيدة الكاملة في العالم من(مجمع البحرين في زوائد المعجبين) لمؤلفه نجم علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي المتوفى سنة 807هـ وتاريخ نسخة سنة 857هـ ونسخة نادرة من (الفروسية والمناصب الحربية) لمؤلفه نجم الدين حسن الرماح المتوفى سنة780هـ وتاريخ نسخه في القرن الثامن الهجري.
وتضم المكتبة عددًا من الأقسام المختلفة ومنها: قسم المخطوطات، والدوريات، وقاعات المطالعة، وقسم التجليد، وقسم التصوير الميكروفيلمي، وقسم الفهرسة، والتصنيف، وقسم المكتبات الخاصة، وقسم للأشخاص ذوي الإعاقة، وقسم النوادر، وجناح الحرمين الشريفين، وقسم الإهداء والتبادل، وتقديم مقتنيات المكتبة للمطالعين بواسطة الحاسب الآلي.
وتقدم المكتبة عددًا من المبادرات التطويرية ومنها “البوابة الرقمية للمكتبة” التي تهدف إلى إدارة وتنظيم أوعية المعلومات والتكامل مع الفهرس العربي الموحد، وتطوير نظم المكتبة مفتوحة المصدر وإتاحتها للمستفيد، وجهاز الترفيف والجرد الرقمي RFID، كما تهدف إلى تنظيم وتطوير إدارة الأصول المعلوماتية وجردها وقراءتها على الأرفف بصورة رقمية، ومنصة مداد السحابية (بوابة البحث) والتي من شأنها تمكين المستفيدين والوصول والحصول والإتاحة لجميع البيانات والمعلومات بالمكتبة وإتاحتها، ومن تلك المبادرات المستودع الرئيسي الذي من خلاله يتم الوصول الحر للمعلومات وإدارة وحفظ الأصول الرقمية وفقًا لأعلى المعايير الدولية، وأخيرًا مبادرة البوابة الرقمية للمكتبة والتي تمكن المستفيدين من الوصول الافتراضي لجميع الخدمات المعلوماتية.
وأوضح معالي رئيس الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي، الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس، أن القيادة الرشيدة – حفظها الله – أولت مكتبة المسجد الحرام العريقة جلَّ اهتمامها، في إطار تعزيز الرؤية المباركة 2030 ودعم عملية الرقمنة للمكتبة، وإنشاء المنصات والتطبيقات الذكية بعدة لغات، مؤكدًا رقي وسمو محتويات المكتبة كمعلَم حضاري علمي ديني، كونها أُنشئت منذ أكثر من 12 قرنًا، والاستفادة من التقانة الحديثة لعرض المحتويات بطرق عرضٍ وأساليب رقمية مبتكرة، لإبراز قيمتها الحضارية، من خلال استثمار التقنيات والروبوتات الذكية في خدمات المكتبة، ورقمنة محتوياتها، لتواكب رؤية المملكة – 2030، مؤكدًا ضرورة الحرص على تجليد الكتب النادرة، والصحف، والدوريات، ورقمنتها، لتواكب متطلبات العصر ووسائل تخزين المعلومات الرقمية.
وتسعى الرئاسة لتعزيز التجربة الإثرائية الإيمانية لقاصدي المسجد الحرام، كونه منبرًا للوسطية والاعتدال، ورافدًا ينهل منه المهتمون بالحرمين الشريفين إيمانيًا ومعرفيًا وتاريخيًا، وتعد أكبر علمية وثقافية، ومن أهم الوجهات في السياحة المعلوماتية وتجربة ذكية عالمية، وتمثل رؤية المملكة 2030 في الإثراء المعرفي والثقافي لخدمة قاصدي الحرمين الشريفين.