“كتاب الرياض” يناقش “الفكر العربي وتحديات الراهن”
الرياض – سويفت نيوز:
شدد المفكر المغربي الدكتور محمد نور الدين آفاية، على أن الحديث عن الفكر العربي يجب ألا يختزل في الإنتاج النظري أو الأيديولوجي، مؤكدًا: أرى شخصيًّا أن الفكر العربي يشمل كل مجالات التعبير والكتابة والإبداع التي يقوم بها كل متخصص في مجاله، وفي حقله الخاص، فالشعراء مفكرون، والروائيون مفكرون، والسينمائيون مفكرون.
جاء ذلك في ندوة “الفكر العربي وتحديات الراهن” المنعقدة ضمن البرنامج الثقافي لمعرض الرياض الدولي للكتاب 2024، الذي تنظمه هيئة الأدب والنشر والترجمة تحت شعار “الرياض تقرأ”.
وقال آفاية: “الفكر العام العربي إذا أردنا أن نعطيه بعده الحقيقي، علينا أن ننتبه إلى أن له تأثيرًا كبيرًا في النفوس وفي المتخيل وفي الوجدان وفي الناس”، مجددًا التأكيد على أن الفكر العربي هو جميع الحقول المختلفة التي يتوافر فيها شرط عامل الإبداعية والتجاوز والخروج عن المألوف إذا صح التعبير، مشددًا على أهمية الفنان في القدرة على الإبداع والتأثير في المتلقين، سواء كانوا جمهورًا متخصصًا أو غير ذلك.
وقال الفيلسوف والباحث والكاتب والأكاديمي الموريتاني الدكتور عبدالله السيد ولد أباه: “عندما نتحدث عن الفكر العربي هناك أسئلة جوهرية تطرح، مثل: ما خصوصية هذا الفكر؟ ما اهتمامات هذا الفكر؟ ما مرجعياته؟ ما مقوماته النظرية؟ إلى آخره، إجمالًا يمكن أن نقول إن الفكر العربي هو هذه الحركة الثقافية الواسعة التي برزت في إطار سؤال الإصلاح والنهوض والتحديث، وهي الأسئلة الجوهرية الكبرى التي شغلت النخب الثقافية العربية من القرن التاسع عشر وطيلة القرن العشرين”.
وأضاف: “الفكر العربي هو هذا الجانب الفكري من الثقافة العربية الذي اهتم بأسئلة الإصلاح والتحديث والنهضة والتجديد لمختلف تيارات هذا الفكر واتجاهاته، وهي متعددة ومتنوعة”.
وتداخل الدكتور محمد نور الدين، معتبرًا أن الحديث عن صيغة الفكر العربي هو حديث إشكالي ومتشابك وواسع جدًّا، متسائلًا: هل هذا الفكر الذي لدينا عربي؟ بماذا يتميز؟ ما مقوماته؟ من أين ينطلق؟ هل حديثنا عن الفكر العربي مرتبط بماضيه أم بالماضي القريب، أم بالفكر العربي في الزمن الراهن؟”.
وتابع قائلًا: “هناك ساحات عربية منتجة لهذا الفكر، وهناك ساحات عربية تساهم بقسط أقل في حركية هذا الفكر إلى آخره”، وتساءل: “ما المبررات التي تسعفنا في نعت الفكر الذي ننتجه عندنا بأنه عربي؟ هل لأن ما ينتجه نيتشه يكتبه بالعربية؟ وهل المثقفون العرب والمفكرون العرب الذين لا يكتبون بالعربية ينتمون إلى هذا الفكر أم أن لنا معالجة خاصة بهم؟”.
ورأى الدكتور عبد الله السيد، أن هناك إنتاجًا فكريًّا مكتوبًا بلغات أجنبية كتبه عرب، مضيفًا: “ومن منظور اهتمامات المجتمع العربي يكفي أن نشير إلى أنه لا أحد يجهل مكانة محمد أركون مثلًا اليوم في حركة الفكر العربي، وهو الذي كتب كل ما كتب باللغة الفرنسية، وهناك أمثلة أخرى”.
وتابع: “الفكر العربي هو أساسًا الذي كتب بلغة عربية، ومنظور الأسئلة والإشكالات والقضايا المطروحة على العرب وعلى المجتمعات العربية وعلى النخب الثقافية العربية”، مستدركًا: “لكن هذا لا يعني أن هذا الفكر لم يتفاعل مع نوعين من الخطابات، الخطاب الاستشراقي الذي كتبه غربيون ولكنه يتعلق بقضايا إما في تاريخ الثقافة العربية أو تاريخ المجتمعات العربية أو قضايا الفكر العربي إجمالًا، أو حتى الكتاب الذين ينتمون إلى بلدان عربية ولكنهم كتبوا بلغات أجنبية، وهؤلاء أحيانًا يكون تأثيرهم قويًّا وواسعًا في حركية الفكر العربي، حتى لو لم يكتبوا باللغة العربية”.
واستطرد قائلًا: “في اعتقادي أن هذين الخطابين، الخطاب الأوروبي الاستشراقي، والخطاب الفكري العربي المكتوب بلغة غير عربية، يندرجان في نطاق إشكاليات وأسئلة الفكر العربي”.
وإجابة عن سؤال حول معاناة الفكر العربي من الانحسار؛ أوضح الدكتور محمد نور الدين، أن هناك أكثر من وجه لتناول هذه القضية والأزمة، مضيفًا: “بدءًا من خمسينيات القرن الماضي إلى اليوم أنتج المثقفون العرب والمفكرون العرب متونًا ونصوصًا ومشروعات تستحق كثيرًا من التقدير بالنسبة لمن يقوم بالتأريخ للأفكار، هناك مفكرون كبار أنتجهم المجتمع العربي وبعض البلدان العربية، ومن الصعب جدًّا أن ننكر أو أن ننفي عنهم الصفة الإبداعية في مجالهم الفكري”.
وتابع: “حينما نتحدث عن انحسار الفكر العربي هل الأمر يتعلق بحقول بعينها؟ مثلًا حينما نتكلم عن الفكر الأدبي، هناك غزارة وغنى كبير على مستوى الفكر الأدبي العربي، وإذا جئنا إلى الفكر الفلسفي العربي قد نجده تيارات ومدارس واجتهادات، إذن الأمر نسبي حسب المجالات والحقول، ولذلك أنا في ظني أن هذا الذي نسميه الفكر العربي في الأربعين والخمسين سنة الأخيرة أنتج فكرًا يستحق كثيرًا من الاحترام”.
يذكر أن معرض الرياض الدولي للكتاب يعمل على توفير البيئة الحاضنة والداعمة للإبداع الثقافي، وتقديم منصة دولية متكاملة للمثقفين والأدباء والمفكرين والمبدعين، ويتيح لزواره من عشّاق القراءة والكتاب والمعرفة، لقاء عدد من أبرز الكُتّاب والمبدعين والأدباء والمثقفين ضمن تجربة ثقافية ومعرفية فريدة ومتكاملة.