التطوع لخدمة ضيوف الرحمن .. شرف المكان والزمان
مكة المكرمة – واس :
يتسابق المتطوعون هذه الأيام لخدمة ضيوف الرحمن القادمين من مختلف البلدان؛ متطوعون تفرقهم التخصصات، ويجمعهم حب العطاء ومساعدة حجاج بيت الله الحرام، ويتنافسون أيهم يخدم ضيف الرحمن أولًا.
يروي المتطوع وضاح اليماني طالب الخدمات الطبية الطارئة قصته مع التطوع، وكيف أثر ذلك في حياته، فقد بدأ مجال التطوع مع هيئة الهلال الأحمر السعودي في عام 2021م؛ للاستفادة والاستزادة من التجارب التي يمر بها بما ينعكس على خبرته العلمية والعملية، ومع تعاقب الشهور والأيام وجد نفسه تعلّق كثيرًا بمجال التطوع لا يرى نفسه دونه.
وفي إحدى المرات وأثناء وجود المتطوع وضاح مع فريق تطوعي من “هيئة الهلال الأحمر”، في المسجد الحرام، وتحديدًا في صحن المطاف، سقط رجل، فهبّ الفريق التطوعي لإنقاذه فورًا، وكان الرجل لا يتنفس ولا يوجد له نبض، وبعد تقديم الإسعافات الأولية المتبعة في مثل هذه الحالات، تم نقل المريض إلى مركز صحي رقم 3 داخل الحرم.
يقول وضاح: “في تلك اللحظات الصعبة نشعر حقيقة بقيمة التطوع وأهميته في إنقاذ حياة الآخرين خصوصًا في مجالنا، وفي الوقت نفسه حينما نرى دموع عائلة المريض، وتعلقهم ببارقة الأمل المتمثلة فينا، نشعر بعبء كبير ومسؤولية جسيمة ملقاة على عاتقنا، ولذلك نسابق الزمن حتى نقدم كل ما تعلمناه لإنقاذ حياته، والحمد لله أسهمت الإسعافات الأولية التي أجريناها في إنقاذ حياته، بعد أن أكمل تلقي العلاج في المركز الصحي”.
وها هي المتطوعة مع هيئة الهلال الأحمر السعودي فاطمة المخلافي، عشقت التطوع ومارسته في المرحلة المتوسطة بشكله البسيط المتمثل في توزيع وجبات وتقديم خدمات إرشادية لضيوف الرحمن، وعندما كبرت ورغم تخصصها في الفيزياء؛ إلا أن شغف فاطمة بالتطوع كان كبيرًا، فتسلّحت بالعلم والمعرفة، وأخذت دورات متخصصة في مجالات الإسعافات الأولية؛ رغبة منها في خدمة حجاج بيت الله الحرام.
وتستذكر فاطمة قصة عائلة إندونيسية، كانت تعاني ابنتها من علامات الجلطة، وعلى الرغم من حاجز اللغة؛ لكون العائلة الإندونيسية لا تتكلم العربية ولا الإنجليزية، إلا أن فاطمة شخّصت حالتها، وقررت هي وزميلها المتطوع الصحي، نقل المريضة بأسرع وقت.
تقول فاطمة: “كنت أعيش لحظات صعبة، بين منظر الأهل والبكاء وقلقهم على ابنتهم، و بين رغبتي الملحة في مساعدتهم وإجراء الإسعافات الأولية لابنتهم، ومن ثم نقلها لأقرب مركز، فكنت أنا وزميلي نسارع الخطى لنقلها، لم يكن يشغل بالي حينها أي أمر، ماعدا الوصول في أسرع وقت، وإنقاذ الحاجة الإندونيسية، والحمد لله، وصلنا في الوقت المناسب، وبعد أن منّ الله عليها بالشفاء، شكرتني أمها بكلام لم أفهم معناه، لكن ملامح وجهها وسعادتها الكبيرة، كانت كفيلة بتوصيل رسالة عميقة مفادها، أنني كنت وزميلي بفضل من الله سببًا في إنقاذ حياة ابنتها”.
ومنذ تطوّع فاطمة وهي تقضي أيام العيد في الميدان، تخدم ضيوف الرحمن في كل مكان، تضحي بوقتها مع عائلتها، وتبذل الغالي والنفيس؛ لمساعدة أكبر عدد من حجاج بيت الله الحرام الذين يكونون في أمسّ الحاجة لذلك، لا تريد ولا تبتغي إلا الأجر والمثوبة من عند المولى عز وجل، وأن تقدم رسالة نبيلة للمجتمع، رسالة نابعة من ديننا الإسلامي مصداق لقوله عليه الصلاة والسلام: “والله في عون العبد ما كان العبدُ في عون أخيه”.
وها هو المتطوع في مستشفى أجياد للطوارئ سمير بن سباح يرى في التطوع سعادة لا حد لها، ورغم إصابته بكورونا سابقًا وقت تفشي الجائحة بسبب تطوعه، إلا أنه كان يعد الساعات حتى يعود لممارسة عمله التطوعي، وهذا ما حصل بفضل الله، فالتطوع رسالة إنسانية عظيمة ذات دلالات عميقة يحثنا عليه ديننا الإسلامي.
ويستشهد المتطوع سمير في هذا السياق بقصة واجهته في عيد الفطر المبارك، حيث كان متوجهًا لصلاة العيد في المسجد الحرام، وبعد وصوله، وجد حاجًا من بنجلاديش كانت حالته صعبة، وكان الفريق الطبي الذي يتابع الحالة قد قدم الإسعافات الأولية، لكن حالته تستدعي نقله إلى العناية المركزة في أحد المستشفيات القريبة في أسرع وقت؛ فبادر المتطوع سمير بشكل عاجل للتواصل مع الجهات المعنية لتنسيق نقل المريض، وهذا ما تحقق، وظل المتطوع سمير يتردد على المستشفى لزيارة المريض مرارًا وتكرارًا، ولم يهدأ له بال، إلا بعد أن اطمأن على سلامة المريض وخرج متعافيًا.
هذه الأعمال الجليلة التي يقدمها المتطوعون وضاح وفاطمة وسمير جعلت المرضى من ضيوف الرحمن الذين منّ الله عليهم بالشفاء؛ يلهجون بدعاء المولى أن يجزيهم خير الجزاء، وأن يفتح لهم أبواب خير ورزق لم تكن في حسبانهم، أرزاق جاءتهم بعد مدة من حيث لا يعلمون.