مقالات
حضارة الفقراء والرخاء الاقتصادي
بقلم المستشار محمد الجندي
لا شك أن التقدم العلمي والتكنولوجي أحدث طفرة اقتصادية وعلمية كبيرة في العالم، بعد أن أصبحت التقنية الحديثة التي استغلتها بعض الدول خير استغلال مادة أساسية في تقدم وصناعة حضارتها، فالتقدم التقنى التكنولوجى ساعد في ولادة حضارات وأمم، ربما لم يكن لها أى دور أو قيمة في العصور الوسطى، أو ليس لها وجود على خريطة العالم في مرحلة ما قبل التاريخ، وهذا الذى خلق هذا الفرق الشاسع الموجود الآن بين الحضارات القديمة والحديثة في المجالات كافة، فالفرق بين البلدان الفقيرة والغنية ﻻ ﯾعود إلى تارﯾخ حضاراتها، فمصر والهند لهما حضارات تفوق عمرها 2000 عام، ولا تزال تعاني من الفقر، وعلى الجانب الآخر نجد دولاً مثل كندا واستراليا ونيوزﯾلندا لم يكن لها وجود أو اسم بارز على خريطة العالم قبل150عاماً، على رغم ذلك يوجد الآن دول متطورة وغنية أصبحت الآن مقصداً للهجرة من بلاد افريقيا وآسيا للتمتع بالرخاء الاقتصادى الموجود بها.
أن فقر أو غنى الدول ليس بكثرة مواردها الطبيعية المتوفرة، فاليابان مثلاً مساحتها محدودة و80 في المئة من أراضيها عبارة عن جبال غير صالحة للزراعة أو حتى للرعي، ومع ذلك تمثل ثاني أقوى دولة في الاقتصاد العالمي، فاليابان عبارة عن مصنع كبير عائم، ﯾستورد المواد الخام ﻹنتاج مواد مصنعة، لتقوم بتصديرها إلى كل أقطار العالم. مثال آخر إذا نظرنا إلى سوﯾسرا نرى أنها تنتج أفضل شوكوﻻ في العالم، على رغم عدم زراعتها للكاكاو، فضلاً عن أن مساحتها الصغيرة ﻻ تسمح لها بالزراعة أو بتربية المواشي ﻷكثر من أربعة أشهر في السنة، إﻻ أنها تنتج أهم منتجات الحليب وأغزرها في العالم، وعلى رغم كونها بلداً صغيراً لكن صورة اﻷمن والنظام والعمل التي اعتادت عليه شعوبها، جعلتها تمتلك أقوى خزانة في العالم.
لم يجد خبراء اقتصاد ومديرون فى البلاد الغنية، من خلال علاقاتهم مع زملائهم في البلدان الفقيرة، فروقاً تميزهم عن غيرهم، سواء من الناحية العقلية أو من ناحية الإمكانات، فاللون والعرق ليس لهما أي تأثير على إبداع أو تفوق أي إنسان على الإطلاق، ومع ذلك قد نرى المهاجرين المصنفين كسالى في بلدانهم اﻷصلية، وفي اللحظة نفسها، قد نجدهم القوة المنتجة في أوروبا وأميركا مثلاً، إذن أﯾن ﯾكمن الفرق؟
هل السلوك المتشكل والمرسخ عبر سنين من التربية والثقافة هو السبب الرئيس في عدم تفاعل المهاجرين العرب والأفارقة مع أوطانهم الأصلية خلافاً لما نراه في الشعوب المتقدمة؟
إذا نظرنا سريعاً إلى تحليل سلوك الناس في الدول المتقدمة نجد أن الغالبية ﯾتبعون المبادئ الآتية في حياتهم: «الأخلاق كمبدأ أساس، اﻻستقامة، المسؤولية، احترام القانون والنظام، احترام حقوق باقي المواطنين، حب العمل، حب اﻻستثمار واﻻدخار، السعي للتفوق وإنجاز أعمال خارقة»… هذه المبادئ الثمانية تكاد تكون مفقودة في البلدان الفقيرة ولا يطبقها سوى قلة قليلة من الناس في حياتهم اليومية،
فالفقر هنا ليس المقصود به نقصاً في الموارد، أو بسبب كون الطبيعة قاسية لدينا، ولكن هو عيب سلوكي وأخلاقي ناتج عن عجز شعوبنا فى التأقلم وعدم تعلم المبادئ اﻷساسية التي جعلت وأدت بتطبيقها إلى تطور المجتمعات الأخرى وتقدمها.