محمد بن سلمان… والانطلاق إلى الأمام
بقلم – عبد النبي الشعلة:
تابعت، مثل الملايين غيري، المقابلة التلفزيونية الشيقة التي أجريت قبل بضعة أيام مع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود، ولي عهد المملكة العربية السعودية الشقيقة، وإنني مثل الملايين غيري أيضًا، لا نؤمن أبدًا بنظرية المؤامرة، لكننا لا يمكن أن ننكر وجود شيء مهول اسمه مصالح الدول الكبرى؛ هذه المصالح يحميها ويسهر على حراستها سدنة أشداء متغولون، وفي حال منطقتنا فإن أهداف هذه الدول تتقاطع وتتلاقى مع أهداف قوى التوسع والسيطرة، وتيارات التطرف والتعصب والتخلف والإرهاب، وأعداء النجاح والتقدم، ولذا فإن كل هذه الأطراف تسعى متعاونة أو متفرقة، للتصدي واستهداف كل ما يهدد، وكل من يهدد مصالحها وأطماعها في هذه المنطقة.
من هذه الحقيقة الثابتة تتكشف بكل وضوح الغايات والنوايا الحقيقية الكامنة وراء استهداف ولي العهد السعودي، الشاب الطموح الأمير محمد بن سلمان، الذي أصبح وجوده وطموحه ونجاحه أمورا تهدد وتتعارض مع مصالح هذه الأطراف وأهدافها.
محمد بن سلمان فور توليه ولاية العهد، أثبت أنه قائد جسور، وانه رجل المسافات، يحمل رؤية ومشروعا، وقد دخل في سباق مع الزمن من أجل تحقيقه، وأرسى منذ البداية برنامج عمل طموحا متكاملا للتحول وخلق مصادر أخرى للدخل سعيًا لضمان مستقبل أفضل لشعبه ووطنه، وانطلق بمشروعه بكل ثقة وصلابة وثبات، ضمن رؤية واضحة عرفت برؤية محمد بن سلمان، أو “رؤية 2030 للملكة العربية السعودية”؛ الهدف الأساس منها تحقيق اقتصاد أكثر قوة، وحياة أفضل لأشقائنا السعوديين بما يفضي إلى تحقيق التقدم والرخاء والاستقرار لهم بشكل خاص ولشعوب المنطقة بوجه عام، وهذا ما لا يرضي المتربصين الذين تقتضي مصالحهم وأهدافهم أن نبقى مهددين مفككين متأخرين متناحرين مشدودين إلى الوراء، مشغولين بالماضي، غافلين ولاهين عن التطلع إلى المستقبل.
إن ثقة وطموح محمد بن سلمان تمتد في الواقع إلى أبعد من ذلك، إلى رؤية أعمق وأطول مدى، لتصل إلى “رؤية 2040” بعد أن تستكمل الرؤية الأولى تحقيق أهدافها.
والآن وبعد مضي خمس سنوات من إطلاقها، فقد أثبتت رؤية 2030 نجاحها وجدواها، وتقترب من تحقيق أهدافها رغم التحديات التي واجهتها والظروف الاقتصادية العالمية الصعبة الناتجة عن جائحة كورونا وتدني أسعار النفط وغيرها من العوامل.
لقد اجتاز الأمير محمد بن سلمان الكثير من المعوقات، وتغلب على جملة من التحديات والصعوبات، ولم يلتفت إلى محاولات إجهاض طموحاته ومساعيه، ولا إلى التهديد والابتزاز، ولم يعرف الخوف؛ فالخوف “ليس في القاموس السعودي” كما قال في المقابلة.
وكانت من بين أبرز التحديات التي واجهها الأمير محمد بن سلمان وتغلب عليها؛ كيفية التخلص من أعباء وقيود ما سمي بـ “الصحوة” والتي هي في الحقيقة “غفوة”، إلى جانب الحاجة إلى تأسيس بنية تحتية تمكينية، وبناء الهياكل المؤسسية والتشريعية، ووضع السياسات والآليات التي تؤدي إلى ضمان متابعة التنفيذ والإنجاز.
وقد استهدفت رؤية 2030 تطوير التعليم والارتقاء بمستواه في المملكة، وجعلته من أبرز أولوياتها، إدراكًا لحقيقة أن العلم هو أساس التقدم والازدهار، وهو أفضل سلاح لمحاربة التطرف والتخلف والتعصب، فوضع الأمير محمد بن سلمان سقفًا عاليًا لبلوغه، وهو أن يكون للمملكة 3 جامعات من أهم 200 جامعة في العالم، وأن تكون مصادر التعليم مفتوحة مع التركيز على خطط التدريب وتطوير المهارات.
ونجحت الرؤية في تحقيق السيطرة على معدلات البطالة التي كانت قبل ذلك تبلغ 14 % وكان الهدف خفضها إلى 11 % بنهاية هذا العام، وأكد الأمير بأنه سيتمكن من كسر هذا الحاجز في الموعد المحدد، ثم مواصلة خفضها للمعدل الطبيعي ما بين 7 % إلى 4 %، موضحا أن “مستهدفات قطاع السياحة تشمل 3 ملايين وظيفة جديدة حتى 2030”.
ولم تمنع الطبيعة الصحراوية الجرداء للملكة، وتواجد الربع الخالي فيها الأمير الطموح من تبني مبادرة “السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر”، ما أدى إلى ارتفاع الغطاء النباتي في السعودية خلال السنوات الأربع الماضية إلى نسبة 40 %، إيمانًا منه بأن الاهتمام بالبيئة له أثر مباشر على السياحة واستقطاب رؤوس الأموال.
ويدرك محمد بن سلمان أن الانفتاح هو مفتاح التقدم والتطور، وان الغلو والتطرف والتعصب هي عناوين الانغلاق والتخلف والتفرقة، وقد كان ولا يزال يزعج المناوئين غيرة محمد بن سلمان وحرصه على حقيقة وجوهر الدين الإسلامي الحنيف، وحمايته من تلاعب واستغلال تجار الدين من المتأسلمين، وسماسرة الشعارات الفضفاضة ودعاة التعصب والتفرقة والتخلف.
ولا يسع المجال هنا للتوقف عند جميع الأهداف والإنجازات التي حققتها الرؤية، وسنكتفي بما أوردنا وننتقل، ولضيق الحيز، إلى مجرد الإشارة والإشادة الخاطفة بالمساحة الواسعة في المقابلة التي تعرض فيها الأمير محمد بن سلمان إلى القضايا الإقليمية والسياسات الخارجية للمملكة والعلاقات مع إيران والولايات المتحدة، وقد جاء موقفه من هذه القضايا صادمًا لدعاة المواجهة والتأزيم في المنطقة، مع أن الأمير لم يغير مواقفه منها، بل أكدها، آخذاً في الاعتبار التحولات والتطورات والمستجدات التي شهدتها الساحة الإقليمية والدولية، والضغوط التي فرضتها جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي، والحاجة إلى التركيز والتفرغ لتوجيه كل الجهود لتنفيذ برامجه وخططه الإصلاحية والتنموية العملاقة والتي تستدعي تكييف وتطوير لهجة الخطاب السياسي، وإعادة التموضع الدبلوماسي، وضرورة توجيه إشارات ورسائل إيجابية مشجعة للأطراف الأخرى.
إن المعنيين والمهتمين بالسياسة يدركون أنها رمال متحركة لا تعرف التمترس ولا الجمود، فكان على الأمير أن يتحرك من هذه القاعدة وأن يتعاطى ويتفاعل مع هذه المستجدات والتحولات بأسلوب وطرح جديد، أثبت من خلاله أنه سياسي محنك أيضًا، يدرك أن الحصافة السياسية تتطلب إعادة قراءة المشهد السياسي برمته في هذه المرحلة، وفتح صفحات جديدة بمفردات جديدة لكي تستوعبها الحقبة الجديدة، وهو سلوك يقع في صلب العمل السياسي الحاذق ويدخل في طبيعته، من منطلق أن مثل هذه الصراعات ليس فيها قوي أو ضعيف، ولن يكون فيها منتصر ومهزوم في النهاية، وفي حالة استمرارها فإن جميع أطرافها خاسرون.
إن التاريخ سيسجل في صفحاته إشارة ورسالة ومبادرة السلام التي طرحها الأمير محمد بن سلمان في المقابلة التلفزيونية التي أجريت معه قبل بضعة أيام، وسيتذكر بكل تقدير يده الممدودة لتحقيق السلام والأمن والاستقرار في المنطقة.