سعاد الحميضي.. أول سيدة أعمال كويتية
بقلم – د. عبدالله المدني:
تعد الراحلة سعاد الحميضي أول سيدة كويتية في تاريخ بلدها المعاصر تمارس التجارة والاستثمار والتملك العقاري، وتخوض عوالم المصارف والصناعة وتأسيس الشركات المتنوعة داخل الكويت وخارجها، فحق لها أن تلقب بـ «سفيرة سيدات الأعمال الكويتيات»، وإحدى النساء الرائدات في نهضة الكويت الاقتصادية، وحق لها أن تحل في مراتب متقدمة لسنوات عدة ضمن أقوى السيدات في العالم العربي بحسب مجلة «فوربس الشرق الأوسط»، وأن تكرم في عام 2007 خلال فعاليات منتدى المرأة العربية والمستقبل بدبي.
ومما يحسب لها، ويعد دليلاً على شجاعتها وجرأتها، أنها بدأت مسيرتها في العمل الحر في وقت كانت فيه نظرة المجتمع لمن يقدمن على ذلك مستنكرة، لكنها قبلت التحدي مستعينة بعد الله عز وجل بثقتها بنفسها وقدراتها ودعم أسرتها التي تعتبر من الأسر الكويتية المعروفة ذات الباع الطويل في مجال التجارة والأعمال منذ زمن الرعيل الأول من الآباء والأجداد، ممن خاضوا عباب البحار والمحيطات إلى بلاد الهند والسند وموانئ عدن وشرق أفريقيا بحثاً عن لقمة العيش.
وطبقاً لما ورد في موقع تاريخ الكويت الإلكتروني، فإن آل الحميضي هم من الحماضا من النواصر من بني الحارث الحيط من بني عمرو من بني تميم، الذين كانوا قديماً في بلدة القصب النجدية، قبل أن يخرجوا منها بحثاً عن الرزق، فاستقر قسم منهم في بريدة، وقسم آخر في عنيزة، وقسم ثالث فضل أن يرحل إلى الكويت ويستقر في منطقة «الجبلة» من العاصمة، علماً أن التواصل بين آل الحميضي في الكويت وأبناء عمومتهم في نجد ما زال قائماً.
والفرع الأخير هو الفرع الذي تنتمي إليها عائلة سعاد الحميضي، والذي قدم للكويت رجالات، بعضهم امتهن التجارة من خلال محال بقيصرية التجار لبيع السكر والشاي والبن والأرز والأقمشة، وبعضهم الآخر أسس مكاتب تجارية للاستيراد والتصدير في كراتشي وبومباي وعدن وزنجبار، والبعض الثالث عمل في مسك الدفاتر والسجلات المالية لحكام الكويت منذ عهد الشيخ مبارك الصباح، وحتى عهد الشيخ عبد الله السالم الصباح، وقسم رابع انخرط في بناء الدولة الحديثة من خلال عضويته في مجلس الشورى القديم والمجلس التأسيسي ثم مجلس الأمة والمجالس البلدية أو من خلال تولي الحقائب الوزارية والمناصب الإدارية والدبلوماسية، حتى قيل إن عائلة الحميضي هي أشهر العائلات الكويتية وأكثرها تولياً للمناصب.
وفي كل الأعمال التي تولاها أبناء العائلة في مختلف المواقع عُرف عنهم الأمانة والنزاهة والالتزام والوطنية.
من أبرز شخصيات الأسرة: محمد صالح العيسى الحميضي (كان مسؤولاً عن مسك الدفاتر والسجلات المالية لحكام الكويت)؛ وصالح محمد صالح العيسى الحميضي (من أصحاب المحال التجارية بقيصرية التجار، وورث عن أبيه مسؤولية مسك الدفاتر والسجلات المالية لحكام الكويت؛ وأحمد صالح محمد صالح العيسى الحميضي المتوفى عام 1962 (من التجار المستوردين من الهند، وعضو مجلس الشورى عام 1921، وعضو المجلس التشريعي من عام 1921 إلى 1939، ومن مؤسسي المدرسة الأحمدية وكبار المتبرعين لها، ومدير عام بلدية الكويت سنة 1946)؛ ومحمد صالح أحمد محمد صالح العيسى الحميضي (عضو لجنة منح الجنسية عام 1963، وعضو المجلس البلدي سنتي 1964 و1966)، ويوسف صالح محمد صالح العيسى الحميضي المتوفى عام 1992 (كان مسؤولاً عن مسك الدفاتر في دكان والده، ومختصاً بكتابة الرسائل إلى تجار نجد والعراق والهند، وعضواً في المجلس التأسيسي عام 1938 والمجلس التشريعي الثاني عام 1939، كما كان عضواً في المجلس البلدي الأول عام 1932 والمجلس البلدي الثاني عام 1934 ومجلس بلدي عام 1937، وعضواً دائماً في لجنة حل المنازعات بين التجار، ورئيساً لأول شركة لاستيراد الأقمشة خلال الحرب العالمية الثانية، وعضواً في مجالس الأوقاف الأول والثاني والثالث ما بين عامي 1949 و1954، وعضواً في مجلس المعرف في تشكيله الأول من 1936 – 1947 وتشكيله الثاني من 1947 إلى 1951، وتشكيله السادس من 1960 إلى 1961)؛ ويعقوب يوسف صالح محمد صالح العيسى الحميضي (رئيس تحرير جريدة الفجر من 1953 إلى 1955، وعضو المجلس التأسيسي من 1962 إلى 1963، وعضو مجلس الأمة من 1963 إلى 1967، وعضو لجنة تنقيح الدستور في 1980، وعضو مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار سنة 1986)؛ وبدر مشاري أحمد محمد صالح محمد صالح العيسى الحميضي (عمل معيداً بجامعة الكويت من 1972 إلى 1974، ثم خبيراً اقتصادياً في الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية من 1974 إلى 1978، ثم عضواً في مجلس إدارة برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية في عام 1981، وفي عام 1986 صار مديراً للصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، فعضواً بمجلس أمناء المعهد العربي للتخطيط، فنائباً لمحافظ دولة الكويت في البنك الدولي، ونائباً لمحافظ الكويت في الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، كما تولى ما بين عامي 2003 و2007 حقيبة الشؤون الاجتماعية والعمل وحقيبة المالية وحقيبة النفط على التوالي)؛ وسعود عبد العزيز عبد الله المحمد الحميضي (عمل في التجارة بالكويت وبومباي وكراتشي حتى عام 1967، وشغل في عام 1968 منصب وزير مفوض بوزارة الخارجية قبل أن يعين سفيراً لبلاده في تونس فبنغلاديش فتركيا فبلغاريا).
أما لجهة مصاهرات آل الحميضي فقد تصاهروا مع العديد من العائلات الكويتية مثل الزبن والغنيم والغانم والساير والعجيل والمضف والبرجس والطريجي والفارس والعمر، لكن مصاهرتها الأبرز كانت مع عائلة السديراوي.
فزوجة عبد الله سالم عبد الله السديراوي هي السيدة نورة يوسف الحميضي (أول كويتية تحصل على ليسانس آداب/ تخصص علم اجتماع من جامعة القاهرة سنة 1960)، وزوجة أخيه محمد سالم عبد الله سالم السديراوي هي منيرة جاسم السديراوي، ووالدة سعاد الحميضي هي شيخة المحمد السديراوي، ناهيك عن أنّ السيدة تماضر عبد العزيز محمد سالم السديراوي الوكيلة السابقة لوزارة التربية والتعليم متزوجة بعبد الله مشاري الحميضي، وفهد محمد سالم عبد الله السديراوي متزوج بشريفة يوسف الحميضي.
بالعودة إلى سعاد الحميضي، فقد ولدت في «فريج عباس» بمنطقة الجبلة (القبلة) في عام 1939، ابنة ووريثة وحيدة لوالدها حمد صالح محمد صالح العيسى الحميضي، والتحقت بالكتاتيب التقليدية، حيث درست القرآن ومبادئ القراءة والكتابة على يد المطوعة سبيكة دخيل ناصر العنجري (سبيكة الزعابي)، قبل أن تنتقل إلى المدرسة الشرقية ومن ثم إلى المدرسة الجبلية، التي تتلمذت فيها على يد الأستاذة سارة صالح راشد التوحيد، وأخريات من الجنسيتين الكويتية والفلسطينية.
وبعد أن أنهت المرحلة الثانوية بثانوية البنات التحقت بجامعة الكويت، لكن جامعتها الحقيقية التي تعلمت فيها علوم الإدارة والتجارة والاستثمار، كانت رفقتها وملازمتها لوالدها في اجتماعاته ورحلاته التجارية منذ سنواتها المبكرة.
يُعتبر والدها، الذي توفي في ديسمبر 1963، من رجالات الكويت المعروفين، حيث سار على درب إخوته في العمل التجاري والاقتصادي والبلدي والتشريعي.
فبعد تخرجه في مدرسة الإرسالية الأمريكية بالكويت سنة 1914 تولى إدارة المجلس البلدي الرابع عام 1940، كما كان عضواً في ثلاثة مجالس بلدية متتالية حتى عام 1946، ليتولى بعد ذلك رئاسة مجلس إدارة الخطوط الجوية عبر البلاد العربية، وعضوية الهيئة التنظيمية في المجلس الأعلى لشؤون البلاد من عام 1959 إلى 1962، قبل مشاركته في هيئة التنظيم لإعداد مشروع قانون الانتخاب للمجلس التأسيسي بعد استقلال الكويت.
ومن جهة أخرى يُعد والدها في عداد رجال الكويت الذين نهضوا بالقطاع المصرفي، فقد شارك في عام 1960 في تأسيس ثاني أقدم مؤسسة مصرفية في البلاد (البنك التجاري الكويتي) مع خالد صالح الغنيم وشركة فهد وخالد الصبيح وشركة خليفة الغانم وسيد حميد وشركة عبد العزيز البحر وإخوانه ومرزوق جاسم المرزوق ويوسف الأحمد الغانم، بل كان أول رئيس للبنك.
بدأت سعاد الحميضي حياتها المهنية بالعمل في البنك التجاري الكويتي الذي أسسه والدها، وبعد أن أمضت في البنك عشر سنوات تعلمت فيها الكثير من خفايا العمل المصرفي، وتعرفت أثناءها إلى رجال أعمال ومستثمرين كثر، انتقلت لتحمل مسؤولية إدارة أعمال والدها وتجارته واستثماراته، لا سيما وأن والدها كان قد انتقل آنذاك إلى رحاب ربه.
برحيل والدها عام 1963، وهي في سن الرابعة والعشرين، شعرت بفراغ كبير، حيث فقدت بوفاته ليس الأب الذي كان معلمها ومرشدها فقط، بل أيضاً الصديق المؤنس الذي كان يحرص على وجودها في مكتبه وديوانيته، وكان يصطحبها في رحلاته إلى البر للقنص أو إلى البحر للحداق، أو للاصطياف في لبنان، فيسبغ على حياتها أجواء البهجة والطراوة بعيداً عن مناخات العمل الجافة.
تلك كانت الصدمة الأولى في حياتها، أما الثانية فقد حلت في عام 1969 بعد خمس سنوات من اقترانها بزوجها الأول مرزوق محمد الغانم الذي رحل، تاركاً لها مسؤولية ابن في الخامسة من عمره (طلال مرزوق محمد الغانم الذي توفي عام 2018 عن ستين عاماً بعد معاناة مع المرض) وابن أصغر (المرحوم صالح مرزوق محمد الغانم الذي توفي قبل طلال) وابنتين صغيرتين في أعوامهما الأولى (أبرار وريم)، ثم جاءت الصدمة الثالثة بفقدها والدتها التي كانت عوناً لها في تربية أبنائها ورعايتهم.
على أنه مقابل تلك الأحزان، شهدت حياة سعاد الحميضي نحو ربع قرن من الاستقرار والسعادة والدفء العائلي، وذلك بعد أن اقترنت بالشيخ جابر العلي السالم الصباح الذي رزق منها بابنه العاشر وهو الشيخ حمد جابر العلي السالم الذي دخل في ديسمبر 2020 أول تشكيلة وزارية في عهد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح كنائب لرئيس الوزراء ووزير للدفاع، علماً أنه تقلب قبل ذلك في مناصب إدارية ووزارية ودبلوماسية (كان باحثاً سياسياً بمكتب وزير الداخلية، وعمل بمكتب نائب رئيس مجلس الوزراء، وتولى منصب وكيل وزارة مساعد لشؤون التجهيز بوزارة الدفاع، ومنصب مدير مكتب ولي العهد الشيخ سعد العبد الله، وعين لفترة قصيرة وزيراً للإعلام، كما تولى منصب سفير لدى إيطاليا ثم لدى السعودية).
في تصريحاتها ومقابلاتها الصحفية أشادت سعاد الحميضي كثيراً بزوجها الشيخ جابر العلي السالم الصباح، وأرجعت له الفضل في صمودها ونجاحها، قائلة: «قضيت مع الشيخ جابر العلي، رحمه الله، 25 عاماً، وساعدني في العمل، وأرشدني إلى الطريق الصحيح، وكنت أستشيره ويستشيرني إلا في الأمور السياسية»، مضيفة: «إنه الشخص الذي كان له دور كبير في حياتي المهنية، ولولاه لما استمررت في عملي، وهو الذي شجعني، وكان دائماً يقول لي اعملي واذهبي ولا تهدئي في العمل»، (طبقاً لما نشرته القبس في 3/8/2017).
والحقيقة أن ذلك الدور لم يكن غريباً على الشيخ جابر العلي، الابن الأصغر لحاكم الكويت الأسبق الشيخ علي السالم الصباح، وابن أخ أبي الاستقلال الشيخ عبد الله السالم الصباح، الذي عرف بالحكمة وبعد النظر وحب الحياة والفن والدفاع عن حقوق المرأة ومد يد العون، تشهد على ذلك سيرته في كل المناصب التي شغلها ابتداء من توليه رئاسة دائرة الكهرباء والماء (من 1952 إلى 1962)، ثم تعيينه في أول تشكيل وزاري بعد الاستقلال وزيراً للكهرباء والماء، فوزيراً للإرشاد والأنباء من 1963 إلى 1965، فنائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للإعلام من 1975 إلى 1981، وهو العام الذي عين فيه مستشاراً للأمير جابر الأحمد الجابر، علماً أنه توفي في مارس 1994م.
لم تكن سعاد الحميضي (أم طلال) تحب السياسة، على الرغم من أنها كانت متابعة جيدة لكافة التطورات السياسية في المنطقة ومجرياتها، نظراً لإيمانها بأن الاقتصاد والتجارة لا ينفكان عن السياسة، وقد تبوأت خلال مسيرتها المهنية مناصب قيادية في البنك التجاري الكويتي وبنك عودة اللبناني، كما كانت عضواً مؤسساً للبنك الأهلي الكويتي، ورئيساً لمجلس إدارة مؤسسة حمد الصالح الحميضي للتجارة والمقاولات، ورئيساً لمجلس إدارة شركة الأبرار للتجارة العامة والمقاولات، ومؤسساً للشركة التجارية العقارية ولشركة العقارات المتحدة ولشركة الصالحية العقارية، ومالكاً للعديد من الاستثمارات والعقارات في الكويت ولبنان ومصر ودبي وبعض البلدان الأوروبية.
في يوم الخميس الموافق للثالث من أغسطس 2017 غادرت أم طلال دنيانا عن عمر ناهز الثامنة والسبعين بعد مرض ألمّ بها وأدخلت على أثره المستشفى، فنعاها الديوان الأميري، حيث ووري جثمانها الثرى في اليوم التالي بمقبرة الصليبيخات بحضور عدد من الشيوخ والوزراء والنواب ورجال الأعمال.
لم يغب الجانب الإنساني في سيرة سعاد الحميضي، حيث أسهمت في بناء المساجد وتقديم المساعدات الخيرية، وغير ذلك مما لم تفصح عنه.
ففي الكويت مثلاً أقامت مركزاً صحياً بمنطقة الشويخ تحت اسم «مركز حمد الحميضي وشيخة السديراوي»، وفي لبنان قامت بترميم المسجد العمري في قلب بيروت على نفقتها فكرّمها رئيس وزراء لبنان الراحل رفيق الحريري بتقليدها «وشاح الأرز»، وفي لبنان أيضاً أسست مشروعاً تعليمياً وسكنياً لاستقبال نحو 3000 طالب من الأيتام من مختلف المناطق والأديان، فكرمها بابا الفاتيكان بوسام تقدير وكتاب شكر.
وفي مصر كرمتها السيدة الأولى السابقة سوزان مبارك خلال مؤتمر سيدات الأعمال العرب نظير مشاريعها الخيرية.
كما جرى تكريمها في الكويت من قبل رئيس مجلس الوزراء السابق الشيخ جابر المبارك الصباح عام 2012 لمشاركتها في فيلم «أزمة المناخ وحقيقة ما جرى»، وهو فيلم تلفزيوني وثائقي يستعرض آراء 34 شخصية سياسية واقتصادية من تلك التي عاصرت الأزمة المالية التي عصفت بالكويت سنة 1987 وسميت بأزمة سوق المناخ.
سجلت (أم طلال) اسمها في التاريخ العقاري للكويت بإبرامها أكبر صفقة عقارية. فحينما كانت ذات مرة في رحلة بحرية في البرتغال، عقدت صفقة بقيمة 40 مليون دينار كويتي عبر الهاتف المحمول، مع مواطنها رجل الأعمال سعود صاهود المطيري. وكان مضمون الصفقة مبادلة مجموعة من الأراضي الفضاء تملكها بمنطقة شرق (أمام مجمع بهبهاني وسينما الحمراء) بحصة 50% من سوق السالمية الجنوبي.
بعد وفاة والدها، وتزاحم الأعباء عليها، آثرت سعاد الحميضي، أن تتخلص من أعمال التجارة والمقاولات التي ورثتها من أبيها، مقابل التركيز على الاستثمار في الأسهم والعقارات والأراضي، ومواصلة العمل مع «بنك عودة» اللبناني الذي كان في الأساس شركة صرافة قبل أن يتشارك والدها والمصرفي اللبناني ريمون عودة في تحويلها إلى بنك بالمناصفة.