المملكة في زمن كورونا
لعقود كثيرة سيتذكر سكان العالم تفاصيل 2020 الذي انقضى قبل أيام، وستُوثَّق صفحات التاريخ العالمي لهذا العام بالكثير والكثير من المجلدات التي ترصد قصص حكايات أكبر أزمة صحية شهدتها الكرة الأرضية في العصر الحديث، انعزل فيها البشر عن بعضهم، وتباعدوا طوعًا، وغطوا أنصاف وجوههم بسواتر طبية، وتوقفوا عن مصافحة بعضهم، واكتفوا بالإشارات عن بُعد، وتوقفت عجلة الاقتصاد، وتناسى الجميع عالم السياسة، ووجهوا بوصلة اهتماماتهم صوب منظمة الصحة العالمية، ينتظرون منها اعتماد لقاح يخلص العالم من الوباء.
محليًّا، لم يختلف المشهد في السعودية عنه في المشهد الدولي. المواطنون والمقيمون ودّعوا العام 2020 ولا يتمنون أن يتكرر بشكل أو بآخر؛ فهو العام الذي تكررت فيها عبارتا “حمدًا لله على السلامة.. وأحسن الله عزاءكم” ملايين المرات بيننا، في مشاهد تبعث على الحزن والقلق من المستقبل؛ وهو ما جعل ذكريات العام مؤلمة، وأحكامه قاسية.
ورغم كثرة الآلام إلا أن العام ذاته كشف عن معدن الحكومة السعودية، التي ضربت أروع الأمثال في التضحية والإيثار، عندما بادرت بتخفيف تداعيات الجائحة وتأثيراتها عن المتضررين منها، وضخت الميزانيات، ووفرت أفضل العلاجات لجميع المرضى، لا فرق بين مواطن ومقيم، وبين وافد نظامي وآخر غير نظامي؛ الكل سواسية في تأمين العلاج، حتى يمنَّ الله عليهم بالشفاء.
في العام نفسه أيضًا كانت السعودية تحت المراقبة الحثيثة من المنظمات الدولية، التي أبدت اندهاشها من تعامل ولاة أمرنا مع الجائحة، وتفانيهم في التصدي لها بكل ضراوة وحزم، همهم الأول والأخير الإنسان ولا شيء غيره، عندها أقرت الدنيا بأن السعودية تفوقت “حبًّا” لشعبها، وانتصرت “إنسانيًّا” على الجميع، بما فيها دول العالم الأول، التي تدعي الحضارة، وتتشدق بالإنسانية.
ما حققته السعودية في زمن كورونا من إنجازات شيء لا مثيل له، وربما هو الشيء الإيجابي الوحيد الذي شهده عام 2020 الذي أرسى دعائم مملكة الإنسانية، وأثبت لمن يهمه الأمر أن السعودية دولة “استثنائية” في كل شيء، وأن التقدم والتطور الذي تتباهى به دول العالم المتقدم لا فائدة منه إذا لم يكن هناك تطور إنساني يواكب الأزمات، وإحساس واقعي بآلام الآخرين، والمبادرة بمساعدتهم. وهذا ما أكدته السعودية على أرض الواقع في العام الماضي.
لستُ حزينًا أو مستاء مما شهده عام 2020 من أحداث؛ فهذا هو قدر الله وقضاؤه في عباده، ونحن نؤمن بالقضاء والقدر، ونؤمن أيضًا بأنه من رحم الأزمات والمعضلات تتولد الحلول.. فقبل أن ينتهي العام لاحت في الأفق ملامح الانفراجة بوصول لقاح كورونا إلى أراضي السعودية، التي لم تتردد في أن تجعله مجانًا لمن يريد، ودعت الجميع إلى تلقيه لأنه آمن وفعال، في مشهد يعزز ما جُبلت عليه حكومتنا الرشيدة من تقديم التضحيات من أجل الإنسان.