بقلم – دكتور مهندس عبد الرزاق المدني:
منذ تخرجي من الأكاديمية العربية للنقل البحري بالإسكندرية عام ١٩٧٧ كأول مهندس بحري سعودي يتخرج منها وأنا أفكر في السفن البحرية وتطورها حيث عملت على أنواع وموديلات كثيرة منها.
في البداية عملت على سفن ركاب من الموديلات القديمة جداً حيث أنها بنيت في الخمسينات وتعمل لنقل الحجاج والمعتمرين ما بين ميناء جده الإسلامي بالمملكة العربية السعودية وميناء بور توفيق بالسويس بجمهورية مصر العربية وكانت محركات هذه الباخرة تعمل على توربينات بخارية ويمكن لنا تعريف السفينة البخارية أو الباخرة هي واسطة بحرية تطفو على سطح الماء و تعمل بالطاقة البخارية والبخار هو ماء في الحقيقة، يتحوّل إلى هذه الحالة بفعل الحرارة، وله طاقة كبيرة في توليد الحركة، تسير الباخرة بها وتزداد بمقدار ما ترتفع حرارة البخار وتزداد كميته وتصل درجة الحرارة أحياناً حسب حرارة الجو في غرفة المحركات إلى حوالي ٥٥ درجه مئوية
ومن ثم إنتقلت إلى سفن أحدث حيث كانت تعمل بمحركات الإحتراق الداخلي ثنائية ورباعية الأشواط وكانت تحمل البضائع من ميناء إسكندرية بمصر إلى أوروبا وكانت هذه السفن تعتمد على العاملين وليس هناك أي تحكم آلي للمعدات والمحركات لذا تجد أن أعداد العاملين عليها كبير .
وفي السبعينات بدأ التفكير بإدخال التحكم الآلي وبناء سفن أحدث ومتطوره والإستغناء عن بعض العاملين في المهن الغير مهمه وتطورت السفن سريعاً من حيث الحجم والسرعة والمحركات وتوفير الوقود
الذي يزيد مستويات تلوث الهواء في العالم. و طُرحت حلول لخفض انبعاثات السفن، بعضها يبدو كما لو كان مستوحى من أفلام الخيال العلمي ولقد قامت المنظمة البحرية العالمية IMO بإصدار عدة أنظمة وبروتوكولات للمحافظة على سلامة البحار والبيئه البحرية من التلوث الناتج عن هذه السفن .
وبالنظر إلى السفن الحديثة نجد أن معظمها يعمل على النظام الآلي والأتمته الحديثة كما أن عدد العاملين عليها إنخفض إلى أكثر من ٧٥٪ مما كانت عليه في أقل من ثلاثين سنه ومازالت المحاولات لتشغيل السفن عن بعد وبدون وجود أي شخص عليها مستمرة
ومنذ عشرات السنين خصصت بعض شركات بناء السفن وشركات مصنعي آلات الإحتراق الداخلي بالتعاون مع الهيئات وإتحادات مالكي السفن مراكز أبحاث للعمل على والتي تكاليفها باهضه ولكن تؤتي نتائج ممتازه حيث تم بناء بعض السفن الحديثة الضخمه ومازالت تجرى التجارب عليها من قبل عدة شركات مثل شركة “وارتسيلا” الفنلندية للطاقة والتكنولوجيا حيث كان أحد مهندسيها يوجه سفينة وهو في مدينة سان دياغو بولاية كاليفورنيا، من جهاز الكمبيوتر الخاص به حيث أنه أمسك ذراع تحكم، يشبه ذراع التحكم في ألعاب الفيديو، لتوجيه سفينة شحن ضخمة، تبعد عنه آلاف الأميال، قبالة ساحل اسكتلاندا وتتصل هذه الذراع مباشرة بالسفينة، عبر الأقمار الصناعية، لتتيح له التحكم عن بعد وبدقة شديدة في كل حركة من حركات السفينة. وكان يراقب بحرص السفينة الافتراضية التي تظهر أمامه على الشاشة وهي تغير إتجاهها وكان العمال المشرفون على الإختبار على متن السفينة يفحصون معداتهم، وقد شعروا بميل السفينة تحت أقدامهم، وتأرجحها صعوداً وهبوطاً.
كما أن هذه التجارب تجرى من قبل شركات أخرى على سفن مماثله وسوف نرى هذه السفن في المستقبل القريب بإذن الله
وستسهم هذه الأفكار الطموحة في معالجة أحد التحديات الكبري في القرن الحادي والعشرين، إذ زاد إرتباط دول العالم ببعضها وتشابكت مصالحها في ظل نمو التجارة العالمية، وأصبحنا نواجه جميعا مشكلة التغير المناخي الذي قد يغير أنماط الطقس ومستويات البحار، ويؤثر تأثيرا بالغا على حركة التجارة المتبادلة بينهم.
وسنجد أن هذه السفن غير محتاجه لقبطان يقودها أو إي بشر عليها إضافة أنه لايتحكم بها بشر، يوما ما، بل ستدار بأجهزة كمبيوتر من مراكز تبعد آلاف الأميال عنها.
ورغم أن بناء السفن البحرية تعد واحدة من أضخم الصناعات وأهمها، إلا إنها لم تشهد الكثير من التطورات التكنولوجية، مقارنة بغيرها من المجالات الأخرى
وللحديث بقيه….
زر الذهاب إلى الأعلى