محليات

بناء السفن البحرية من الإسطوانات إلى الترسانات

بقلم – دكتور مهندس عبد الرزاق المدني:

إستكمالاً لما بدأناه ومن منطلق الحرص على نشر الثقافة البحريه من خلال مقال أسبوعي يساعد القاريء على اكتساب ثقافة بحرية تتعلق بالنقل البحري لما له من أهمية كبرى وخاصة بالنسبة لمملكتنا الحبيبة التي حباها الله بإطلالة بحرية تربو على ٢٨٠٠ كم على ساحل البحر الأحمر وساحل الخليج العربي.

أحواض بناء السفن (١)

في العصور القديمة كانت القوارب والسفن الصغيرة تبنى وترمم على الشواطئ مباشرةً ، وتدفع إلى البحر دفعاً بعد أن تصبح جاهزة، وتطورت هذه الصناعة مع ازدياد حجم السفن وأوزانها سعى بُنائها إلى وضع أعمدة أسطوانية تحتها لتسهيل دفعها إلى الماء. واستُغِلّ المد والجزر في المناطق البحرية التي يرتفع فيها المد بضعة أمتار لهذه الغاية، وخاصة في دول الشمال البحرية وكذلك مصبات الأنهار في بعض الحالات، وقد تُميّل السفينة على أحد جانبيها للعناية بالجانب الآخر وصيانته.
ومع تطور بناء السفن وزيادة أحجامها استخدمت المزالق والأسرّة (القزقات) ثم المنصات المعدنية الثابتة التي تمتد مائلة من اليابسة إلى داخل الماء، وتطورت الطرق لإستقبال السفن على المنصات مع تطور المضخات والضواغط وأجهزة الرفع والوسائط الكهربائية والميكانيكية والإلكترونية، فتنوعت أحواض بناء وصيانة السفن وزاد الطلب علىها فقاموا المتخصيين بدراسة تطويرها بدقة أكثر، لأنها تحتاج إلى تجهيزات خاصة ويراعى في اختيار أماكن تواجدها طبيعة جغرافية جيولوجية وهدرولوجية كالموانئ ويجب أن تكون في مناطق مائية جيدة مناسبة لرفع السفن وإنزالها بين اليابسة والماء، وتسمح أعماقها بالعمل بكل حرية، وفقاً لحجمها وأنواعها، ويسمح انحدار قيعانها واتساع مجالها البري للعمل والحماية من العواصف والأنواء والتأثيرات الأخرى.

ويتم بناء حوض بناء السفن (shipyard ) أو Drydocks أو مايعرف بالترسانة البحرية، وفي الأغلب يكون بالقرب من البحر وذلك لتسهيل نقل المواد الخام من الميناء وسهولة إنزال السفن للبحر بعد بنائها، كما أنّ هذه الترسانة تستخدم كمركز لصيانة وإصلاح السفن والكشف الدوري لها

وهناك أنواع منها وأهمها الأحواض الثابته وهي منشآت ثابتة تبنى على الساحل بحيث تدخل فيها السفن من جهة البحر ويغلق عليها ثم يفرغ منها الماء ويتم الإصلاح ومن ثم بعد الإكتمال يتم تعبئه المياه مره أخرى وتخرج السفينة للبحر
والنوع الآخر الأحواض المتحركة فتكون بالقرب من الشواطئ القريبة من الموانئ لتكون في مأمن من العواصف والأمواج العالية وهذه تنزل إلى أسفل السفينة وترفعها إلى فوق سطح الماء ويتم إصلاحها وبعد الإصلاح ينزل الحوض إلى مستوى البحر وتخرج السفينة منه وثم يعود الى مكانه مره أخرى
ويجب توفر الشروط الفنية والملاحية الدقيقه وتحت إشراف ممارسين ذوو خبره عاليه لبناء وإصلاح السفن من مختلف الأنواع وتمكين هذه السفن من النزول إلى البحر، أو استقبال السفن القادمة لصيانتها.
ويعدّ بناء السفن من الصناعات التي تدر أموالا طائلة على الدول ذو الحظ الوافر اقتصادياً، فالدول التي لديها هذه الأحواض تعد من أغنى الدول عالمياً، مثل كوريا الجنوبيّة والصين، والبابان وغيرها من الدول وتبنى هذه السفن حسب نوع نشاطها والغرض منها فيختلف شكل السفن التي تبنى لتلبية هذه الحاجات، فهناك أنواع مختلفة من السفن (كما ذكرنا في مقالة سابقة) مثل سفن للبضائع العامة، وسفن للركاب، وسفن الحاويات العملاقة، وناقلات النفط والغاز وناقلات الصب والحبوب وغيرها
وفهناك العديد من أحواض بناء السفن في شتى أنحاء العالم وأوروبا تعتبر من أقدم الدول لبناء السفن حيث تعتبر فنلندا أحد الدول التي تتميّز ببناء السفن الخاصّة بالركاب وفيها أنشئت أكبر سفن الركاب (Cruises )في العالم أيضاً أهمّها سفينة حرية البحار M/S Freedom of the Seas، والتي قد انتهى العمل بها في منتصف العام 2006م، وهي من السفن غير حكومية والتي تم تسلمها للشركة المالكة في العام 2008م، ومن ثم سفينة واحة البحار M/S Oasis of the Seas والتي قد أنهي بناؤها في العام 2009م، ومن ثم سفينة جاذبية البحار M/S Allure of the Seas، التي قد اكتمل بناؤها في العام 2010م .

ووصل طول هذه السفن إلى مئات الأمتار وتتكون من عشرات الأدوار وتحمل ركاب يصل عددهم إلى ٧ آلاف راكب حيث أنها تعتبر مدينة عائمة ويتوفر عليها جميع الإحتياجات ( سنتكلم عنها بالتفصيل في مقالة لاحقة)

وتعتبر اليابان من أكبر الدول في بناء السفن المختلفة الأحجام والأنواع وخاصة ناقلات النفط العملاقة التي زاد الإختيج لها بعد حرب ٦ أتوبر لما سببته من قفزة تاريخية لسعر النفط ونقله وتخزينه
ويعود لليابان الفضل لإنتاج نصف عدد السفن العالمية عبر العقود السابقة وتتميّز هذه السفن باحتوائها على أحدث الأجهزة والتقنيات التكنولوجية، بالإضافة إلى ضخامة حجمها كناقلات النفط العملاقة، وقد تطورت كثيراً وبسرعة فائقه كما أن اليابان يُصدِر حوالي ٦٠٪؜ من إنتاجها من السفن إلى السوق العالميّة، وتملك أكثر من ألفي حوض جاف لبناء السفن موزعة على عدة مدن، منها أكثر من خمسين حوضاً مُخصصة لصناعة السفن العملاقة، وتعدُّ يوكوهاما، وأوزاكا، وكوبي من المدن الكبيرة لبناء السفن حيث نجد فيها مصانع المعدات والآليات وجميع متطلبات ذلك وكذلك ورش بناء وصيانة وإصلاح وتأهيل جميع أنواع السفن والوحدات البحريّة

وتُعتبر الصين وكوريا الجنوبية المنافستين الأقوى لليابان في مجال هذه الصناعة، حيث قامت الصين بزيادة حجم إنتاجها خلال الأعوام القليلة الماضية، وحصلت عام 2010م على نسبة تفوق ٤٣٪؜ بالمئة من إجمالي إنتاج السوق العالمية في صناعة السفن، وهناك أكثر من خمس شركات صينيّة كبيره لبناء السفن، بينما ظلت كوريا الجنوبيّة لسنوات طويلة تتناوب مع اليابان على المرتبة الأولى لبناء السفن
يتبع …٢

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى