اسلاميات

المقصد من قوله صلى الله عليه وسلم ” تماسوا تراحموا “

 

بقلم – د . سامح أبو طالب:

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعد…

فقد انقطع الناس عن المساجد فترة تزيد عن سبعين يوما ؛ بسبب وباء كورونا الذي اجتاح العالم كله ، فتغيرت حركة العالم كله ، وأخذ الناس في إعادة حساباتهم ، وعلموا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ، فمنهم تآئب متضرع ، ومنهم لاه غرته آماله ، ومنهم مستغل لظروف الناس وحاجاتهم ، و…إلخ .

إلى أن أكرمنا الله بفضله وتم فتح المساجد في بعض الدول منها – المملكة العربية السعودية – حفظها الله تعالى ، وتسارع الناس إلى المساجد في غاية النظام والمحافظة على سلامة النفس والغير ، متخذين الإجراءات الوقائية ، ومن هذه الإجراءات: التباعد في الصلاة بين المصلي والآخر ما لا يقل عن مترين ، فغابت بذلك الروح عند كثير من المصلين ، بالرغم من شغف القلوب وتهافتها لبيوت الله تعالى ، وهنا أخذت أتساءل : لماذا غابت الروح  أثناء الصلاة ، ولم تكن كسابق عهدها ؟

فكانت النتيجة بعد تتبع النصوص ، ومقاصد الشريعة من صلاة الجماعة ، أن الإسلام دعا أفراده لإقامة الصلاة وهم مجتمعون متراصون متزاحمون ، الكتف في الكتف ، والرجل في الرجل ، وذلك لمقاصد شرعية منها: تآلف القلوب ، والتراحم ، وإظهار ما خص الله به هذه الأمة من الوقوف صفا واحدا كالملائكة ….

فروى الطبراني من طريق سريج بن يونس ، عن علي رضي الله عنه ، قالَ:قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم :” استووا تستوي قلوبكم ولا تختلفوا ، وتماسوا تراحموا ” . قالَ : سريج : ( تماسوا ) – يعني : ازدحموا في الصلاة . وقال غيره : ( تماسوا ) : تواصلوا . واعلم أن الصفوف في الصلاة مما خص الله به هذه الأمة وشرفها به ؛ فإنهم أشبهوا بذلك صفوف الملائكة في السماء ، كما أخبر الله عنهم أنهم بقوله: ( وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ ) [ الصافات : 165 ] ، وأقسم بالصافات صفا ، وهم الملائكة . وفي صحيح مسلم عن حذيفة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قالَ : ” فضلنا على الناس بثلاث : جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة… ” وروى أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” رصوا صفوفكم وقاربوا بينها وحاذوا بالأعناق ، فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الحذف ” أي : أولاد الغنم ، والخلل :هو ما يكون بين الاثنين من الاتساع عند عدم التراص .

ومن هنا تستطيع أن تقف على جمال الشريعة ومقاصدها ، وحبها للتماسك والحدة ، وأن رحمة الله تتنزل على المعتصمين بحبله المتمسكين بشعائره ، وإذا كان هذا ما تدعو إليه الشريعة وتقصده في صلاة الجماعة ، فمن باب أولى أن يقف المسلم بجوار أخيه المسلم في كل محنه وكروبه ؛ لتتنزل علينا الرحمات وتتآلف القلوب .

رفع الله عنا هذا الوباء ، وجمع قلوب المسلمين على كلمة سواء .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى