بقلم – سلمان بن محمد العُمري:
الشعارات البراقة، والدعايات المزيفة التي كانت تطلقها الدول العظمى، أو الدول المتحضرة كما يسميها بعض المفتونين بها، انكشف زيفها، وانزاح الستار عن غطائها؛ لتظهر الحقيقة المُرة التي صدمت بها شعوبها قبل أي مجتمع آخر. تلك الشعارات المزيفة التي كانت تطلَق بين الفينة والأخرى عن حقوق الإنسان، وتعدى ذلك إلى تدخُّلها في الشؤون الداخلية للبلدان، وكأنها حامية الحمى الذي ليس له مثيل في تعاملها مع الإنسان!
تلك الدول وجمعياتها ومنظماتها التي كانت تطعن في أنظمة المملكة العربية السعودية، وفي سياستها، تكشفت حقيقتها عند حدوث «أزمة كورونا»؛ فهي من أولى الدول التي تخلت عن أبنائها، بل تجردت من إنسانيتها، وبانت على حقيقتها المادية، وأن مصالحها الاقتصادية أهم وأسمى من الإنسان ذاته.
والمملكة العربية السعودية أثبتت أفعالاً وأقوالاً نهجها الثابت والمتميز في صيانة كرامة الإنسان، وحفظ حقوقه. وحينما تقوم بذلك فهي تنطلق من رواسخ شرعية ثابتة، والتزامها بحماية وتعزيز حقوق الإنسان؛ لأنه المحور والأساس في الحياة، وهو العمود الفقري لسياسة التطوير الشامل التي تتبناها الدولة.
وحكومة خادم الحرمين الشريفين منذ تأسيسها تؤكد على الدوام أن كرامة الإنسان وحقوقه أمر لا يقبل المساومة؛ فهو حق أصيل، قد كفله الله سبحانه للبشرية، ولا يمكن أن يُتنازَل عنه. وهذه الحقوق لطالما أُهدرت في عهود طويلة على مَرّ التاريخ الإنساني، ولا يزال هذا الإهدار يتجسد في صور متعددة في عصرنا الحاضر. وما موقف بعض الدول من مواطنيها عند حلول جائحة فيروس كورونا إلا تأكيد للنهج اللا إنساني الذي تدعيه تلك الدول المتشدقة بحقوق الإنسان، وتتدخَّل في كل شاردة وواردة باسم حقوق الإنسان في البلدان الأخرى. وعلى الرغم من ذلك، ومهما كان الأمر، فلسنا مجتمعًا ملائكيًّا خاليًا من الأخطاء والتصرفات. ومن ذلك الأخطاء التي يرتكبها البعض من سلوكيات مشينة، وبلطجة سامجة نتنة، تتمثل في عدم احترام الآخرين وإنسانيتهم.
في كتابي المعنون بـ«حقوق الإنسان في الإسلام.. المجتمع السعودي (أنموذجا)» أكدت أهمية ترسيخ مجموعة من المفاهيم في المجتمع السعودي على مستوى الأفراد والمؤسسات التربوية والاجتماعية، وفي مقدمتها التشديد على حرمة الحياة الإنسانية عامة، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، وذلك بتعظيم الحياة الإنسانية، وحفظها، وحرمة القتل، وحفظ حياة وحقوق غير المسلمين، والتشديد على منع العنف والاعتداء الجسدي والمعنوي. وطالبت بفرض العدالة الاجتماعية، ومحاربة الفساد بأنواعه، والظلم، وإصدار قوانين لحفظ حياة غير المسلمين، وقوانين للتعايش السلمي مع المختلفين في المذاهب والأديان، وقوانين صارمة لمن يثبت عليه التجسس والتحسس على عورات الناس وبيوتهم، وقوانين صارمة للطعن في الأنساب والأحساب والأشكال والألوان، وقوانين صارمة لحفظ حقوق النساء في جميع الاتجاهات، وبخاصة الأرامل والمطلقات؛ إذ أكدت صفحات الدراسة إنسانية المرأة وكرامتها، وتقرير أهليتها الاجتماعية، الاقتصادية والعلمية، واستصدار قوانين صارمة لحفظ حقوق العمل والعمال.
وأكدت توصيات الدراسة حرمة الحياة الخاصة للإنسان في محيط مسكنه وأسراره؛ فلا يحق لأحد كائنًا مَن كان أن يتجسس ويتتبَّع سقطاته إلا إذا ظهر أنه أخلَّ بالنظام العام، وأن الطعن في الأفراد بأشكالهم أو ألوانهم أو أنسابهم أو ألقابهم مرض عضال، لا يكون إلا في المجتمعات المختلفة؛ فهذه العصبيات لا تأتي بخير لأحد؛ تجلب الإثم، وتوغر الصدور، وتسبِّب الفُرقة بين الإخوة، وتفتِّت الوحدة الوطنية.
وتضمنت صفحات الكتاب تقريرًا للحقوق الاقتصادية، كحق الملكية وفق مصلحة الفرد والجماعة، وحق العمل والعمال، وحق الحصول، والحق في أجر عادل ومنصف، والحق في الراحة والحصول على إجازة، وأهمية رعاية الحقوق على الأمن والاستقرار والمواطنة الصالحة؛ فلقد بات واضحًا – من خلال التجارب التاريخية – أن النظم السياسية تفشل حين تهمَّش فيها الحقوق ذات المضمون الاجتماعي، مثل: العدالة الاجتماعية والعدالة بين البشر والحرية المنظمة.
وهذا الكتاب عبارة عن مشاركة لتعزيز ثقافة الحقوق في مجتمعنا السعودي خاصة، وفي المجتمعات الإسلامية عامة، وفق ما جاءت به الشريعة الإسلامية. وهو محاولة أيضًا لتشجيع ثقافة احترام حقوق الغير بين أفراد المجتمع ومؤسساته التربوية والاجتماعية؛ فالسلوك التربوي الحميد ينطلق حينما نؤمن جميعًا بحقوق الآخرين. وهذا لا يتأتى إلا بنشر مثل تلك الثقافات التي يجب أن تكون هاجسًا لنا وللمؤسسة التربوية التي تنطلق من المدرسة، ومن المؤسسة الاجتماعية، وعلى رأسها البيت السعودي (الأسرة السعودية)؛ فهذه الحقوق يجب تعزيزها في أنفسنا أولاً؛ لأنها جزءٌ من احترامنا لأنفسنا؛ وعليه فيجب أن نشجِّع أولادنا، ونغرس فيهم قيمة حقوق الغير مع جميع البشر، سواء على المستوى القريب أو البعيد.
ولا شك أن تعزيز الثقافة الحقوقية في مجتمعنا لا يتم إلا بترسيخ ثقافة حقوق الإنسان؛ ليعلم كل أحد منا ما له وما عليه، سواء كان والدًا أو ابنًا أو زوجًا أو زوجة؛ فهذا من شأنه أن يشكِّل مناخًا صحيًّا لاحترام حقوق الإنسان. كما أن تعليم حقوق الإنسان يتطلب قبل تعليمه تهيئة مناخ وبيئة تعزز هذه الثقافة، وتحترمها؛ فالتربية على حقوق الإنسان سبيلٌ يتعلم من خلالها الناس حقوقهم وحقوق الآخرين ضمن إطار من التعلُّم، يقوم على المشاركة والتفاعل. كما أن هذا الكتاب مشاركة أيضًا لتمكين الناس ومساعدتهم على اكتساب المعارف والمهارات التي تجعلهم قادرين على السيطرة على حياتهم، وتكوين المواقف من القضايا المعاصرة، بما تعززه من ملكات التفكير النقدي والتحليل المنطقي. فتأسيس بيئة تحترم حقوق الإنسان يتطلب مناخًا تُحترم فيه هذه الحقوق، وتُعزَّز فيه قيم الحوار والاختلاف والتسامح واحترام الغير عبر تعزيز شبكة العلاقات بين الأطراف المعنية في هذه البيئة على أساس التشارك والاحترام المتبادل وتقبُّل الآخر. فلا يمكن أن نعلم حقوق الإنسان في بيئة يسودها العنف والإذلال، أو التحيز والتمييز؛ فالبيئة التي يسودها الخوف والضعف، التي يحجم فيها المدرسون أو الطلاب من الشكوى أو الجهر بالسلبيات، تثبِّط مراعاة حقوق الإنسان، ولا تشجع عليها. كما أن الكتاب محاولة للتدريب على الفاعلية والمشاركة في الحياة العامة التي تنطلق من ردهات المجتمع والمدرسة؛ ليسهم الناس في المعرفة والمشاركة، واتخاذ القرارات المتعلقة بشأنهم، وهو ما يوجِد علاقة إيجابية بين أفراد المجتمع ومؤسساته كافة. وهذه العلاقة تجمعهم تحت مظلة الحقوق وتطبيقاتها في مجتمعنا السعودي، بل في المجتمعات الإسلامية، ثم هم مسؤولون عن صيانتها والحفاظ عليها بدلاً من الجهل الكبير بمثل هذه الحقوق.
إنَّ أي مجتمع يتجاهل قضية الحقوق وتطبيقاتها سنرى فيه الظلم والجهالة والتخلف، بل الفقر والفوضى، وستكثر الأخطاء، سواء كانت بقصد أو بغير قصد.