أنحن سعداء؟
شكى الصحابة رضي الله عنهم
حالهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فقالوا ( أَلا تَسْتَنْصرُ لَنَا أَلا تَدْعُو لَنَا؟
فَقَالَ: قَد كَانَ مَنْ قَبْلكُمْ يؤْخَذُ الرَّجُلُ
فيُحْفَرُ لَهُ في الأَرْضِ فيجْعلُ فِيهَا، ثمَّ يُؤْتِى
بالْمِنْشارِ فَيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ
فيُجعلُ نصْفَيْن،
ويُمْشطُ بِأَمْشاطِ الْحديدِ
مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعظْمِهِ،
مَا يَصُدُّهُ ذلكَ عَنْ دِينِهِ،
واللَّه ليتِمنَّ اللَّهُ هَذا الأَمْر
حتَّى يسِير الرَّاكِبُ مِنْ صنْعاءَ
إِلَى حَضْرمْوتَ لاَ يخافُ إِلاَّ اللهَ
والذِّئْبَ عَلَى غنَمِهِ، ولكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ ) رواه البخاري.
وننظر هنا كيف صرف النبي صلى الله عليه وسلم
أنظار أصحابه لحال من سبقوهم وابتلوا بأشد مما وجدوا
لكنهم صبروا ،
فمقارنة الحالين تدفع بالأخف أن يحمد الله على أن خفف عنه ،
ثم إذا كان الأشد قد صبر واحتسب فالأخف من باب أولى ،
وفي المقارنات يتجلى الكثير من النعم
ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم
(انْظُرُوا إِلَى مَنْ هو أَسفَل مِنْكُمْ وَلا تَنْظُرُوا
إِلَى مَنْ هُوَ فَوقَكُم؛ فهُوَ أَجْدَرُ أَن لا تَزْدَرُوا
نعمةَ اللَّه عَلَيْكُمْ ) متفقٌ عليه ،
فهذه تربية عظيمة للتعامل مع ما يهبه الله لخلقه
من نعم الدنيا كل بحسبه ،
ولكي تتحسس ما أنت فيه من نعمة
تنظر إلى من فقدها فتزداد تمسكاً
بأسباب حفظها ومن شكر الله عليها وعدم ازدرائها ،
هكذا يعلم المرء حقيقة الحال التي هو عليها ،
وإذ قد يظن أنه في جحيم لا يطاق
إلا أنه مقارنة بمن حاله أسوأ
فهو على خير وفي خير ،
فكيف وهو لم تصبه لأواء موجعة
ولا أوصاب مفجعة ،
ومن هذا المبدأ العظيم لننظر لحالنا وحال سوانا ،
ليقرر العاقل منا فوراً بجواب إيجابي
: نعم إننا سعداء حتى مع وقوع هذه
البلوى بهذا الداء وتداعياته ،
فلو مررنا على حال العالم على عجالة
لرأينا العجب العجاب من حال غيرنا
ولحمدنا الله ليل نهار على ما نحن فيه
من نعم جالبة للسعادة مهما ضاق الحال مؤقتاً ،
فرئيس الدولة الأوربية ييئس مواطنيه
ويطلب منهم توديع أحبابهم ،
والآخر استخف وملأه بالأمر واستهجنوا بمتطلباته
فضربت الكارثة أطنابها في بلادهم ،
ومنهم من نكص على عقبيه عند طلب المواجهة والتدبير ،
ورأينا من انشغل عن متطلبات الأزمة
بما لا يناسب الوضع فأشغله الناس
بفاحعتهم على ألوف موتاهم والعياذ بالله ،
وها شاشة الأنباء وتقنيات التواصل تطلعنا
على مآسي أقوام عرفوا بالرقي التقني
إلا أنهم أمام الجائحة تكشفت حالهم عن ارتباك
شديد وفوضى عارمة ،
بل و شح في الأغذية والأدوية والأجهزة الطبية ،
وآخرون عن سوء تدبير حتى خرجت
شعوبهم للشوارع تمرداً على الحجر
من سوء ما بهم فقوبلوا من حماتهم بالجلد والغاز ،
ومنهم .. ومنهم .. ومنهم ..
وفي المقابل لدينا بفضل الله الصورة
مشرقة مشرفة ، والنعمة مشكورة فينا ،
نعيشها في بلادنا ببذل الأسباب المشروعة في حينها ،
فملك حازم يأمر بحنكة
و ولي عهد أمين يتابع بعزم ،
-حفظهما الله وأيدهما بتوفيقه-
حتى رأينا التعاون بين الوزارت متيناً معززا ،
والمجتمع بأجمعه قد أجمع على لزوم
الالتفاف حول قيادته بكل اقتدار ،
ولسان حاله يقول ( كلنا مسؤول ) ،
فغدت المسؤولية المشتركة عنواناً
تراه أفعالاً من صغير واعٍ قبل كبير راعٍ ،
مسؤولية مشتركة جعلتنا بفضل الله
نعيش كما نحن سعداء حقاً وصدقاً
وإن فقدنا ما فقدنا اضطراراً لا اختياراً ،
واحتسابا وصبراً لا انتكاساً وضجراً ،
ولسان حالنا مع ما نعيشه اليوم أمام ما نراه
لدى الغير أن نقول: الحمد لله الذي عافنا
وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلاً ،
أي والله إنا بفضل الله سعداء ،
لم نشكو نقصاً في دين ولا دنيا ،
أذاننا مرفوع ، وقرآننا متلو ،
وراتب معاشنا مدفوع ، وشأننا في علو .
لا نشكو نقصاً لا في تدفق الكهرباء ولا الماء
ولا الاتصال والانترنت ولا الغذاء ولا الدواء ،
فحالنا بفضل الله بأحسن حال
ولذلك : نعم نحن سعداء ،
ونحن السعداء بهذا الكم الذي نراه
من إقبال الناس على كل نشاط حيوي
ديني واجتماعي وخيري ومعرفي مسدد ،
ونحن بفضل الله السعداء وحال طلابنا بخير
ليفتح الله عليهم فتحاً بتوفيقه لولاة الأمر
أثابهم الله ومسؤولي التعليم بجاهزية مسبقة
وجدت لها تطويعاً للاستخدام عند هذا الطاريء
وكأننا قد مارسنا تدريبات عليها من قبل
ولم نكن كذلك ولكنه توفيق الله لولاتنا لبدايتنا
المبكرة للعمل في الخطة المباركة (رؤية المملكة )
ثم الوعي بالمسؤولية المشتركة
فهيأ الوزير ونفذ المسؤول وبذل المعلم والأستاذ
وتجاوب االطالب وساهم الأهل
ولينجح الجميع في إسعادنا ،
ونحن السعداء إذ تقر أعيننا وتهنأ نفوسنا
بما يزف إلينا من أنباء حفاظ كتاب الله
وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم في سائر
جمعيات تحفيظ القرآن المباركة وغيرها ،
إننا سعداء بفضل الله وقد هيأت كل أسرة
برنامجها لأداء الصلاة جماعة في بيتها
وانشغال أفرادها في برامج تفيدهم ،
نحن السعداء بفضل الله وإذ نرى ونلمس
قوافل المتعافين تخرج من المشافي والمحاجر الصحية ،
وكيف يتجاوب المحمومون في أداء اختبار التأكد
من سلامتهم أو توجههم من تلقاء أنفسهم
لاستضافتهم في دور الضيافة التي ارتقت
في خدماتها لمستوى العشرة نجوم
وليبقوا فيها محتسبين ممتثلين لتوجيه
النبي صلى الله عليه وسلم (لا يورد ممرض على مصح )،
فنسعد وهم سعداء بما لديهم
من كرم الضيافة واستشعار المسؤولية
وانتشار المشاعر الإيمانية بينهم ،
نعم إننا سعداء بولاتنا وعلمائنا،
بمسؤولينا ودعاتنا، بأناسنا بأحبابنا وجيراننا
ولحمتنا ومسؤوليتنا ،
إننا سعداء بمواقف رجال أعمالنا المشرفة ،
ومبادرات الشجعان الكرماء من صناعنا وتجارنا ،
سعداء بتحمل وزاراتنا المسؤولية واصطفافها جميعها
على خطوط المواجهة الأولى بجهود متكاملة متميزة ،
ولذلك فإننا سعداء بتعاون الجميع على البر والتقوى،
وكل ذلك بفضل الله علينا وهو القائل سبحانه
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ
وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ) فنسأله تعالى أن يديم علينا النعم
ويرزقنا شكرها ، وأن يكشف عنا السوء
ويرزقنا الاحتساب والصبر
ويحفظ لنا ديننا ودنيانا وولاتنا ومجتمعنا
بخير وسلامه وعافية ومعافاة
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وآله ومن والاه .
وكتبه عبدالله بن محمد بن سليمان اللحيدان
المدير العام السابق لفرع وزارة الشؤون الإسلامية
والدعوة والإرشاد بالمنطقة الشرقية