إجتماعيهصحةعاممحلياتمقالات

هل نفهم الدرس..؟

عبدالله بن محمد بن سليمان اللحيدان *

إن من أقوى ما يرسخ في ذاكرة الإنسان من الدروس تلك التي تمر عليه عبر تجربة شخصية ليكون أحد الفاعلين فيها ، وإن من أصعب ما يفجع منها هو تجاهل مخرجات التجربة والعمل عكس ما توجبه نتائجها ، أقول هذا وأنا أستحضر ما نشاهده من تصرفات البعض السلبية مع ما يصدر من توجيهات للتعامل الحكيم مع وباء فيروس كورونا أعاذنا الله منه جميعاً ، وأكثر ما يزعج هو تهاون من قدم من بلد موبوء ليستكمل جولاته وصولاته بتوزيع الوباء إهداء لا مشكور على الأقارب والأباعد .
ألا فلنتق الله في أنفسنا ولنأخذ حذرنا بلا رهاب ولا ارتعاب ، ولا استهتار ولا إهمال ، فقد حثَّ نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمته عَلَى التَّحَرُّزِ مِنَ الْأَمْرَاضِ ، وَأَرْشَدَهُمْ لِمُجَانَبَةِ الْمُصَابِينَ بِهَا، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال للرَّجُلَ الْمَجْذُومَ وقد حضر لمبايعته قَالَ : إنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ: “وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الْأَسَدِ”، ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا، وَإِذَا وَقَعَ بِأرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا” رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ، وَنَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُوْرَدَ مُمَرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ. منعاَ لِسُرْعَةِ انْتِشَارِ الْعَدْوَى بَيْنَهَما، وليس لأن العدوى هي السبب في المرض فكما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاعدوى ولا طيرة ، فإذن ديننا دين يراعي جانب التحرز في مثل هذه االشأن وكذلك في شؤون أخرى كما في الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: “أَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ بِاللَّيْلِ إِذَا رَقَدْتُمْ، وَغَلِّقُوا الْأَبْوَابَ، وَأَوْكُوا الْأَسْقِيَةَ، وَخَمِّرُوا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ -وَأَحْسَبُهُ قَالَ: وَلَوْ بِعُودٍ تَعْرِضُهُ عَلَيْهِ” وكما أمر المسلم إِذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ أَنْ يَغْسِلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الْإِناءِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ ، ونهى عن الاستنجاء باليمين ، وعن قضاء الحاجة في الأنهر والطرق والظلال ، وغير ذلك من التوجيهات التي فيها
حماية للنَّاسِ مِنْ الْأَوْبِئَةِ بالتَّحَرُّزِ مِنَ التَّعَرُّضِ لَهَا. وإذ التجارب حية يرى الجميع فيها موجبات التحرز الشرعية التي قامت عليها توجيهات ولاة أمرنا – حفظهم الله ورعاهم – فلماذا التخاذل وعدم الامتثال ، بل وهنا الطامة الكبرى لماذا الانقياد للمخذلين المشككين في جدوى الالتزام بالتحرزات ؟ لماذا الانسياق وراء رسائلهم المشبوهة والظرف عصيبٌ والمَسؤُولِيَّةُ عَظِيمَةٌ، والرقِيب أَمِينٌ (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ، كِرَامًا كَاتِبِينَ، يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) ؟ لماذا تتبع مجازفات خطرها على الكل ؟ لماذا لا يعو الدرس ويمتثلوا الأمر كما امتثل الصحابي لتوجيه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أليس كافٍ لفهم الدرس التباين بين نتائج أعمال من بادر وسارع في إجراء التحرز – كولاة أمرنا بفطنتهم وفقهم الله وشكر لهم – وبين من تخاذل وتكاسل كدول كبرى فكان الوبال عليهم عظيم .
إن التحرز سبب كبير لصد الشرور ، وهي أساس في الوقاية قبل العلاج وتأتي في المقدمة عنه ، والْأَخْذَ بِالْحَيْطَةِ وَالْحَذَرِ مَنْهَجٌ شَرْعِيٌّ ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ) ، ولذلك فهو لا ينافي التوكل فالتوكل على الله إيمان بالغيب مع استنفاد الوسائل المشروعة وإمام المتوكلين نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسيرته جلية محفوظة؛ قد بذل الأسباب مع توكله على الله جل وعلا فقد اختفى في الغار عن الكفار، وظاهَرَ في بعض غزواته بين درعين ، وقال: “من يحرسنا الليلة” ، وقال لصاحب الناقة “أعقلها وتوكل” وتعاطى الدواء صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وشرعه لأمته ، فَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَتِ الأَعْرَابُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا نَتَدَاوَى؟ قَالَ: (نَعَمْ، يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً، إِلَّا دَاءً وَاحِدًا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُوَ؟ قَالَ: الْهَرَمُ).رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ .
نتوكل ونتحرز ، ونحن على ثقة بقول ربنا ( وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) وبقول نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ” واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو اجتمعت الأمة على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، وإن اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك” فالأمور بيدالله الحكيم الخبير، ولن تفارق نفس الدنيا حتى تستكمل رزقها وأجلها، والله جل في علاه يقول: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) -رواه الترمذي وصححه الأألباني- .
نتوكل ونعمل ، فنطمئن بسكينة قلب بفضل الله (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) وكيف لا نعمل بالأسباب ونلتزم بالتحرز ، والذكر حرز والدعاء عبادة (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ) .
إننا بفضل الله واعون للدرس ، فوجب على من يعيش معنا في هذه البلاد المباركة أن يعيه ، وإننا بفضل الله واثقون بربنا ثم بولاتنا ، تحيط بنا عناية ربانية تحمينا من حيث ندري أم لا ندري ، ثم بتوفيقه يرعانا وعى ولاتنا بمسؤلياتهم العظمى فغدت توجيهاتهم وجهودهم تسير في مصلحة سلامتنا في هذه الظروف الصعبة كما في السابق ، فاللهم أدم علينا نعمتك ظاهرة وباطنة وأرزقنا شكرها، واحفظ ووفق ولاتنا لما تحبه وترضاه واحمنا جميعاً ياربنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن .

 

*المدير العام السابق لفرع وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بالمنطقة الشرقية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى