مو ..داا..ريب
بقلم -د . عبدالعزيز آل حسن
رئيس لجنة البرامج والتدريب بجمعية المدربين السعوديين
لا تخلو حياة الكائنات من المحاولات سواء كانت فطرية أو مكتسبة . وتختلف تلك المحاولات في هدفها وكيفيتها ووسائل تحقيقها ، وسواء كانت المحاولات بدائية أو متوسطة أو متقدمة فالمحصلة النهائية هي محاولات تتطور لتصبح مهارات وخبرات تخرج من نمط التقليدية الى المتطورة والاحترافية بسبب كثرتها وتعدد أنواعها وأشكالها وأنماطها.
ويعيش الإنسان ككائن مميز عن بقية المخلوقات على هذه الأرض وفق تسخير إلهي تتوافق فيه كل عناصر البقاء والتعايش والاستمرار ، ويختلف الناس في تجاربهم ومحاولاتهم ، فمنهم من ينجح منذ المرحلة الأولية ومنهم من يحتاج الى عدة محاولات لتحقيق النجاح ، ويبرز من هولاء الناجحين في مجال عمله أو موهبته وهوايته من كان نجاحه مبني على الإعداد والتجهيز والحضور الجسدي والذهني والقراءة والإطلاع والممارسة والتجربة والمحاولة تلو المحاولة واضعاً نُصب عينيه عبارة ( لا تتصدر حتى تتمكن )
وتختلف الأعمال والأحوال والمجالات ومنها ( مجال التدريب ) الذي إنطلق منذ عشرات السنين في أغلب دول العالم ، وتعددت فيه الوسائل والاساليب والطرق والآليات وأصبح عدد المدربين في تزايد ، ويمكن الحصول على مسمى( مدرب ) بعد عشرة أيام أو ربما سبعة أو خمسة أو حتى ثلاثة أيام ، وأصبح عدد المدربين ربما أكثر من المتدربين ….
يقول أحد الزملاء في التدريب : بعدما حصلت على دورة إعداد المدربين في خمسة أيام وحصلت على شهادة ( معتمدة ) من مؤسسة نظامية ، التقيت بزميل لي في العمل وأخبرته عن الدورة التدريبية وروعة المدرب وجودة المحتوى وأنني استفدت كثيراً من هذه الدورة وكنت مبتسماً وأنا اخبره .. فقال لي : يعني انت الان ( مو..داا.. ريب ) ؟؟؟ استغربت من نطقه للكلمة !! فقلت له : نعم ( مدرب ) فقال لي : ( ماشاء الله عليكم .. صار عددكم كبير … وكل واحد اخذ له كلمتين في ثلاثة أيام قال أنا مدرب وينزل اسمه في الاعلانات ويكتب المدرب المحترف العالمي .. عجيب !!!؟؟ ) ثم سكت زميلي لينتظر مني تعليقاً… فبادرته بسؤال وقلت له : هل سبق لك وأن التحقت بدورة إعداد مدربين ؟ فضحك وقال : إيييه وصرت ( مو.. داا .. ريب ) لكنني صُدمت في أول دورة تدريبية والسبب أنني بحثت عن أي دورة لإعداد المدربين وبالصدفة وجدت إعلان مميز بالألوان ومكتوب في أعلى الإعلان ( المدرب الدولي المحترف فلان بن فلان ) فقلت : هذا هوه اللي أنا أدور عليه ، ثم تواصلت مع الأرقام الموجودة بالإعلان وسجلت اسمي وحولت لهم ( ربع راتبي ) ، ثم بعد أسبوعين بدأت الدورة وكنت مستعداً إستعداداً جيد ومعي عدة أوراق وقلم حتى أكتب كل شاردة ووارده وعندما دخلت القاعه لم أجد أحد سوى ستة أشخاص ..وسألتهم : هل هذا مكان إقامة دورة إعداد المدربين للمدرب فلان بن فلان ؟ قالوا نعم .. فجلست في الطاولة التي بجوارهم ثم دخل علينا المدرب الذي رأيت صورته بالإعلان وسلم علينا ورحب بنا وقال : أعذروني على التأخير لأنني كنت ملخبط في مكان إقامة الدورة وأول مرة أجي لهذاالمكان …..فقلت : حياك الله والحمد لله أنك وصلت .. ثم لاحظت أن المدرب قام بتشغيل جهازه الشخصي ( لاب توب ) وتم توصيله بجهاز العرض .. لكن ما أدهشني هو أن المدرب كان يغير في بعض عبارات الشرائح وكذلك يفتح ويغلق ملفات .. ثم نظر الينا وقال : ( معليش .. لو ننتظر قليلاً فيه شوية لخبطة بالعرض ) ، ثم أكمل ترتيبه لتلك الملفات … ونظرت الى ساعتي فوجدت الوقت تجاوز الساعه والنصف ولم نبدأ …. وقبل صلاة المغرب بقليل .. قام المدرب ورحب بنا وقال : معاكم المدرب الدولي فلان بن فلان واليوم هو بداية دورة إعداد المدربين التي سوف تؤهلكم لتصبحون في قافلة التدريب والمدربين .. وبدأ عرض الشرائح .. وقمت انا بتجهيز الورقة والقلم لكي أكتب ما سيقوله المدرب وليس موجود في الأوراق التي علمت فيما بعد أن اسمها ( دليل المشارك ) لكنني عندما فتحت ذلك الدليل وجدته نفس الشرائح التي موجودة أمامي … والطامة الكبرى أن المدرب يقرأ لنا ما هو مكتوب في تلك الشرائح ؟؟؟!!!! فقلت في نفسي : لماذا يرهق نفسه هذا المدرب بقراءة ماهو موجود في دليل المشارك وايضا نراه أمامنا في العرض ونستطيع قراءته ؟؟!!
مر اليوم الأول وقلت : لعل الغد أفضل .. وأتى اليوم الثاني وتأخر المدرب وقال عندما دخل القاعه ( المعذرة راحت عليه نومه ) !!! فاستغربت ما قاله !!! ثم بدأنا مثل الأمس يقرأ من الشرائح … ونظرت الى قلمي والاوراق التي معي ووجدت أنني لم أكتب شئ .. فنظرت للمدرب ورفعت يدي لكي أسأله .. فقال : ( تفضل هات ما عندك ) !! فقلت : لو سمحت هل الكلام الذي في الشرائح هو نفسه الذي موجود في دليل المشارك ؟ فقال : نعم .. فقلت له : اشكرك .. ثم أكمل ما كان يقرأه لنا .. نظرت الى المشاركين ووجدت أغلبهم مشغول بهاتفه أو واضع ذراعيه متشابكة على اسفل صدره ؟!!! . وشعرت أن الجو ممل وصوت المدرب مزعج أحيانا .. واخرى لا نسمعه جيداً … ثم انتهى اليوم الثاني .. وعند خروجي من القاعه .. توقفت قليلاً وهممت بالذهاب الى مسؤول المركز وأطلب منه إعادة ( ربع راتبي ) والانسحاب من الدورة … لكنني تراجعت وعدت الى منزلي .. وبدأ يخالطني شعور بعدم الذهاب في الغد الى الدورة فقد بقي ثلاثة ايام ولعلني أخصص يوم الغد للتفكير جيداً أذهب للدورة أو أتوجه للمركز المشرف عليها .. وبالفعل لم أذهب اليوم التالي .. لكنني بقيت في المنزل ولم أذهب الى الدورة ولا المركز ..
وفي اليوم الرابع ذهبت للدورة متأخر .. ووجدت المدرب يدخل معي في نفس التوقيت .. فقلت له : اعتذر لك أمس كنت غائب ولم استطع الحضور .. فقال : ( الأمر بسيط والشهادة راح تأخذها لا تشيل هم ) !!! أستوقفني كلام المدرب وعدم إكتراثه بما سيقدمه وأنما الاهتمام بالشهادة .. لم استطع التركيز في ذلك اليوم .. ثم رفعت يدي لكي أستاذن المدرب في المغادرة من القاعه .. فقال : ( لا مانع بس بكرة تعال بدري عشان تأخذ شهادتك ) !!!
وصلت اليوم التالي (الأخير ) ، قبل المغرب ووجدت المدرب يقول للمشاركين : أتمنى انكم استفدتم من هذه الدورة وراح نصلي المغرب ونسلمكم الشهادات !!! نظرت الى ذلك المدرب والى المشاركين .. ثم صلينا المغرب وبعد الصلاة كان مشرف المركز يقرأ اسماء المشاركين لاستلام شهاداتهم .. ثم سمعت اسمي وقمت للاستلام وصافحت المدرب وبجواره مشرف المركز .. ونظرت اليهما وقلت : ( الله يسامحكم ) واخذت شهادتي ووضعتها تحت ذراعي وخرجت من القاعه … وعدت الى البيت وأستلقيت على سريري ونظرت الى سقف غرفتي وقلت : مبروك يا…..صرت ( مو..داا.. ريب ) ثم بدأت بالضحك !!!
ضحكت على قراري الذي لم أكن واعياً فيه عندما لم أبحث عن اسم المدرب وشهرته وسيرته .. ضحكت على التقديم الهزيل والعرض البسيط ودليل المشارك ( نسخة العرض ) الذي تعاون فيه المدرب والمركز ليقدموه لنا ( بربع راتبي ) ..ضحكت من سذاجة بعض الناس الذين يقتنعون بشهادة من مصدر مهزوز ومحتوى ضعيف ومعلومة غير واضحة .!!! ضحكت من السماح لمثل هذا المدرب بتقديم برامج لإعداد الآخرين للتدريب دون أن يتم تقييمه واختباره لمعرفة مدى وقوة وضعف جاهزيته !! .. وتمنيت أن يكون هناك عدة متطلبات قبل السماح لأي مدرب أو مدربه بالاعلان أو وضع مسميات له أو السماح له بالتدريب حتى يحقق تلك المتطلبات …
سكت زميلي ونظر لي نظرة وقال : مبروك انك حصلت على دورة إعداد المدربين وأتمنى ( الا تتصدر حتى تتمكن ) فقلت له : هو ذاك .. فالتدريب أمانة ومهارة واحترافية وليس معلومة فقط ، ويجب على كل مدرب الا يقف في منصة التدريب الا ولديه الاستعداد المعرفي والمهاري لذلك ، فالتدريب أمانة سوف يُسأل عنها المدرب أمام الله أولاً ثم أمام نفسه والآخرين .
طيّب الله أوقاتكم