وادي الريان في مصر.. شاهد تاريخي على مستوطنات بشرية مصرية قديمة

القاهرة – واس :
تكشف محمية وادي الريان، إحدى أكبر المحميات الطبيعية في جمهورية مصر العربية، عن ثراء بيئي وجيولوجي، جعل منها نموذجًا بارزًا للتنوع الطبيعي والتوازن البيئي في قلب الصحراء الغربية لمصر.
وتقع المحمية في محافظة الفيوم على بُعد نحو 76 كيلومترًا جنوب غربي القاهرة، وتُمثل بوابة رئيسة للصحراء الغربية، إذ شكّلت عبر قرون طويلة ممرًا تاريخيًا لعبور القوافل بين وادي النيل والواحات القريبة منه، ولا تزال أرضها تحتفظ بشواهد لمستوطنات بشرية تعود إلى العصور السابقة.
وأفادت عدد من المصادر بأن تسمية “الريان” تُنسب إلى ملك يُدعى الريان بن الوليد، الذي عاش في المنطقة، واعتمد على العيون الطبيعية في توفير المياه.
وقال دكتور التاريخ بجامعة القاهرة علي محمد خلف في تصريح خاص لوكالة الأنباء السعودية: “إن تسمية “وادي الريان” تحمل دلالة لغوية لا تنطبق على الطبيعة الجغرافية للمكان”، موضحًا أن المنطقة تُعد منخفضًا مغلقًا من جميع الجهات ولا تُصنّف واديًا بالمعنى الجغرافي المتعارف عليه، كما أن لفظ «الريان» يُشير إلى الامتلاء بالمياه، في حين أن المنطقة ذات طبيعة صحراوية جافة، لافتًا إلى أن هذه التسمية يُرجّح أنها جاءت على سبيل التضاد.
بينما أفاد مواطن مقيم بمنطقة وادي الريان في محافظة الفيوم خلف عبدالمعطي عبدالرحمن، أن المنطقة تمثل مصدر رزق للعديد من الأهالي من خلال الأنشطة المرتبطة بالسياحة البيئية والحرف المحلية، مؤكدًا أهمية الحفاظ على الموارد الطبيعية بالتوازي مع دعم سبل التنمية المستدامة للسكان المحليين.
ويمتاز وادي الريان بكونه منخفضًا واسعًا من تكوينات الحجر الجيري الإيوسيني، إذ يبلغ متوسط انخفاضه عن مستوى سطح البحر نحو 43 مترًا، فيما تصل أدنى نقاطه إلى قرابة 64 مترًا تحت مستوى سطح البحر حيث دفعت هذه الطبيعة الجغرافية، منذ سبعينيات القرن الماضي، إلى توجيه جزء من مياه الصرف الزراعي بمحافظة الفيوم إلى الوادي؛ بهدف تخفيف الضغط عن بحيرة قارون وخفض منسوب المياه الجوفية، وهو ما أسفر عن تكوين بحيرتين اصطناعيتين متصلتين بمنطقة الشلالات الشهيرة في المنطقة إذ تبلغ مساحة البحيرة العليا نحو 53 كيلومترًا مربعًا، بينما تمتد البحيرة السفلى على مساحة تقارب 115 كيلومترًا مربعًا، ويستقبل الوادي سنويًا نحو 250 مليون متر مكعب من مياه الصرف، أي ما يعادل ثلث الصرف لكمية المياه بالمحافظة.
وأحدثت البحيرتان تحولات ملحوظة في النظام البيئي، حيث ظهرت أنواع جديدة من النباتات والحيوانات، وانتقلت إلى المنطقة أنواع متعددة من الكائنات الحية، ويقطن المحمية أكثر من 24 نوعًا من الثدييات، من أبرزها الغزال الأبيض والغزال المصري وثعلب الفنك، إضافة إلى 14 نوعًا من الزواحف، وحوالي 164 نوعًا من الطيور المقيمة والمهاجرة، بما في ذلك الصقر الحر والفلامنغو والبلشون الأبيض والنوارس وفراخ الماء، فضلًا عن 29 نوعًا من الأسماك، كما تضم المحمية نحو 38 نوعًا نباتيًا يمثل تنوعًا نباتيًا صحراويًا، مثل العاقول والأثل والغردق.
وتتسم المحمية ببيئة صحراوية متكاملة تضم كثبانًا رملية وعيونًا طبيعية، وقد أحصى العاملون بالمحمية نحو 35 نوعًا نباتيًا حتى عام 1998، كما تحتضن المنطقة ثروة أحفورية عالمية نادرة، خاصة في وادي الحيتان، حيث تنتشر متحجرات لأسماك وثدييات بحرية كانت تعيش في المنطقة عندما كانت مغمورة بمياه البحر قبل نحو 30 إلى 40 مليون سنة، ومن أشهرها أحافير النيوموليت المستديرة التي يُطلق عليها السكان المحليون “قروش الملائكة”، إلى جانب متحجرات القواقع وقنافذ البحر وأسماك القرش.
وتضم محمية وادي الريان عددًا من المناطق الطبيعية المميزة، لكل منها خصائصها البيئية والسياحية؛ إذ تُعد البحيرة العليا من أبرز هذه المناطق، وتبلغ مساحتها نحو 5090 هكتارًا، بنسبة ملوحة تُقدّر بنحو 1.5 جرام لكل لتر، وبأقصى عمق يصل إلى 22 مترًا، فيما تبلغ مساحة البحيرة السفلى قرابة 6200 هكتار، وتتميز بنسبة ملوحة أعلى نسبيًا تصل إلى 2.8 جرام لكل لتر، وبأقصى عمق يبلغ نحو 34 مترًا.
وتقع بين البحيرتين منطقة الشلالات، التي يصل فرق المنسوب فيها إلى نحو 20 مترًا، وتُعد من أكثر مناطق المحمية جذبًا للزوار، لما تتميز به من كثافة سمكية، فضلًا عن كونها مركزًا للأنشطة الترفيهية والسياحية، مثل الرياضات البحرية وركوب الخيل والجمال وغيرها من الأنشطة البيئية المفتوحة.
كما تضم المحمية منطقة عيون الريان، الواقعة جنوب غربي البحيرة السفلى التي تتكون من كثبان رملية كثيفة ومتحركة، وتبرز كذلك منطقة جبل الريان، المعروفة باسم «مناقير الريان»، التي تتميز بتنوع الطيور والحفريات البحرية ذات الأهمية العلمية، إلى جانب منطقة جبل المدورة القريبة من البحيرة السفلى، بوصفها من المعالم الجيولوجية البارزة في المحمية، وتتكامل هذه المناطق مع بحيرات الريان، التي تمثل بيئة طبيعية هادئة ونقية، خالية من مصادر التلوث.
تتمثل منطقة جبل الريان في تلك المنطقة الجبلية المحيطة بمنطقة عين الريان، ويطلق عليها (مناقير الريان) لاتخاذ الجبل شكل المنقار وتحيط تلك المناقير بالمنطقة الشمالية الجنوبية وكذلك المنطقة الجنوبية الغربية لمنطقة عيون الريان الطبيعية وتحتوي المنطقة على الحفريات البحرية وبعض الآثار، ويوجد بالمنطقة أنواع مختلفة من الطيور، مثل صقر شاهين والصقر الحر.




