الزراعة الحراجية في تونس.. حل مستدام في وجه التصحر وتدهور الموارد الطبيعية

تونس – واس :
يُعد التوجه نحو الزراعة الحراجية في تونس حلًا ناجعًا في مقاومة عدة ظواهر طبيعية كالتصحر والانجراف وتآكل الغطاء الغابي.
فالزراعة الحراجية هي نظام زراعي متكامل يدمج الأشجار الغابية والشجيرات ضمن الإنتاج الزراعي التقليدي (محاصيل أو تربية ماشية) على قطعة الأرض ذاتها، مما يخلق تنوعًا بيولوجيًا وتكاملًا وظيفيًا بين مكوّنات المنظومة.
فجذور الأشجار ضمن الزراعة الحراجية تثبت التربة وتحميها من الانجراف لأنها تشكل مصدات للرياح، وأوراقها المتساقطة تتحول إلى سماد طبيعي، وظلالها تقلل من تبخر المياه وتحافظ على الرطوبة، ما يجعل الأرض أكثر قدرة على مواجهة الجفاف.
في هذا الإطار، أفاد الباحث في علوم الغابات بمعهد الغابات والمراعي بمحافظة طبرقة فؤاد الحسناوي، أن نظام الزراعة الحراجية يُصنَّف ضمن المنظومات المتكاملة التي تحاكي في بنيتها ووظائفها المنظومات البيئية الطبيعية، حيث تقوم على المزج المدروس بين الأشجار والمحاصيل الزراعية وتربية الحيوانات في فضاء واحد، مما يخلق توازنًا بيئيًا ويعزز تنوعًا حيويًا غنيًا.
هذا النموذج لا يقتصر على إنتاج الغذاء أو الخشب فحسب، بل أسهم أيضًا في عدة مناطق تونسية في إعادة إحياء التربة، والحد من انجرافها، وتنظيم المياه، وامتصاص الكربون، وهو ما انعكس مباشرة على تحسين معيشة الإنسان وتوفير بيئة طبيعية للحيوانات والطيور والكائنات الدقيقة.
ويؤكّد الباحث أن الزراعة الحراجية بهذا المفهوم مثلت جسرًا بين احتياجات الإنسان الاقتصادية والمعيشية ومتطلبات الحفاظ على النظم البيئية الطبيعية وصون خدماتها الحيوية على المدى الطويل.
ويجمع الخبراء في مجال الزراعة الحراجية في تونس أن هذا النوع من الزراعات يمثل نموذجًا فلاحيًا مستدامًا تم تبنيه في تونس ودمجه في المستغلات الزراعية، الأمر الذي أسهم في بناء علاقة تصالحية بين المزارعين والرعاة والنظام البيئي في مناطقهم عبر إدماج تربية الحيوانات بطريقة تخلق تفاعلات مفيدة بيئيًا واقتصاديًا.
ومن بين النقاط الإيجابية للزراعة الحراجية، كما يبرزها المؤيدون في تونس، أنها تقلل الاعتماد على النفط والأسمدة الكيميائية والمبيدات الحشرية، وتزيد من قدرة التربة على الصمود أمام الظروف المناخية القاسية، سواء كانت أمطارًا شتوية غزيرة أو موجات جفاف في الربيع والصيف. كما تساعد على تخزين كميات أكبر من الكربون في التربة، مما يجعلها أداة فعّالة في مواجهة التغير المناخي.
إن الزراعة الحراجية تتجاوز فكرة إثراء الأرض بالأشجار والمحاصيل معًا، فهي نظام متكامل يبعث الحياة في الأرض ويمنح الفلاحين فرصة لتجديد حياتهم وأملهم، حيث تمنح الزراعة الحراجية الفلاحين فرصًا لتنويع مصادر دخلهم عبر إنتاج الخشب والفواكه والأعلاف أو النباتات العطرية، إلى جانب المحاصيل التقليدية. وهذا التنوع يقلل المخاطر الزراعية ويحمي سبل العيش، مما يحد من نزوح السكان نحو المدن.
وفي هذا السياق، أفاد أستاذ علم الاجتماع حسان بوري، أن الزراعة الحراجية اليوم تُعدّ من الحلول الفعالة في تونس التي تسهم بدورها في تحسين ظروف العيش في المناطق الريفية، مما أسهم في الحد من دوافع الهجرة نحو المدن أو الخارج، مشيرًا إلى أنها نموذج يضع الإنسان في قلب المنظومة البيئية، ويدعوه ليكون شريكًا فاعلًا في إعادة التوازن بين الطبيعة والتنمية.



