مقالات

زيارة الرئيس ترامب إلى الخليج .. شراكة استراتيجية ومواقف تاريخية

حمود بن علي الطوقي
كاتب عماني

تشهد منطقة الخليج العربي هذه الأيام زيارة لافتة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بدأت بالمملكة العربية السعودية، وتشمل كذلك دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر. وتُعد هذه الزيارة ذات أهمية خاصة، إذ تأتي في وقت بالغ الحساسية على المستويين الإقليمي والدولي، وتحظى بمتابعة إعلامية دقيقة، نظراً لتوقيتها ومضامينها السياسية والاقتصادية.

تندرج هذه الجولة ضمن جهود المملكة العربية السعودية ودول الخليج في تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، القائمة على المصالح المتبادلة، والاحترام المتبادل، والتنسيق المشترك في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية. وقد شهدت زيارة الرئيس ترامب توقيع عدد من الاتفاقيات التي تعزز التعاون في مجالات الدفاع، والتكنولوجيا، والطاقة، ما يعكس عمق العلاقة بين الجانبين.

وفي هذا السياق، تُعقد في الرياض القمة الخليجية الأمريكية بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والولايات المتحدة. وتشارك سلطنة عُمان في القمة بوفد رسمي برئاسة صاحب السمو السيد أسعد بن طارق آل سعيد، نائب رئيس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدولي والممثل الخاص لجلالة السلطان، نيابة عن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم – حفظه الله ورعاه.
وتابعنا كلمة سموه في إفتتاح اعمال هذه القمة حيث اكد أن العلاقات الخليجية الأمريكية هي علاقات استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى ترسيخ الأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة.
كما عبّر سموه عن قلق السلطنة العميق تجاه الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، مشيراً إلى أن ما يعانيه الشعب الفلسطيني هو نتيجة لعقود من الاحتلال غير القانوني، وأن عجز المجتمع الدولي عن تحقيق السلام العادل هو ما يغذي التوترات الإقليمية.
وأشاد سموه بالدور البنّاء للرئيس دونالد ترامب في دعم جهود إنهاء الصراع في اليمن وعودة الملاحة الآمنة في البحر الأحمر، معتبراً أن ذلك يمهد الطريق لتحقيق السلام الدائم والازدهار لهذا البلد العربي العريق.
وعن الملف النووي، أشار سموه إلى أن سلطنة عُمان ترى في الواقعية والاحترام المتبادل بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية فرصة واعدة للتوصل إلى اتفاق عملي ومستدام، يضمن أمن المنطقة ويعزز الاستقرار الدولي.
وفي ظل التطورات المتسارعة، يرى مراقبون أن زيارة ترامب لدول الخليج لا تقتصر على كونها جولة دبلوماسية روتينية، بل تُعد بمثابة رسم خارطة طريق جديدة للمنطقة، في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية بسبب العدوان الصهيوني الغاشم على غزة، وما أفرزه من تداعيات إنسانية وأمنية عميقة، دفعت العديد من دول المنطقة إلى إعادة تقييم أولوياتها وشراكاتها على الساحة الدولية.
وقد عبّرت دول مجلس التعاون الخليجي، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان عن إدانتها الشديدة للانتهاكات الإسرائيلية، وطالبت المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته، كما قدّمت دعماً إنسانياً متواصلاً للقطاع، وأكدت على ضرورة التوصل إلى حل سياسي شامل يعيد الحقوق إلى أصحابها، وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.

وبالعودة إلى الوراء، كنت شاهد عيان على أول زيارة للرئيس ترامب إلى المملكة في مايو 2017، حيث عُقدت ثلاث قمم تاريخية: القمة الأمريكية الخليجية، والقمة الأمريكية العربية، والقمة الأمريكية الإسلامية. وشكّلت تلك القمم لحظة فارقة في تاريخ العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم العربي والإسلامي، ورسّخت مبدأ الشراكة في مواجهة الإرهاب، والتطرف، والتدخلات الخارجية.

ومنذ ذلك التاريخ، ودول مجلس التعاون الخليجي تضع في الحسبان أن علاقتها مع الولايات المتحدة ليست مجرد تحالف سياسي، بل هي علاقة مصالح استراتيجية متبادلة، تستند إلى التفاهم، والاحترام، والسعي المشترك إلى الاستقرار والتنمية.

وفي ضوء التطورات الراهنة، تبدو زيارة ترامب الحالية محطة مهمة لإعادة التوازن، وتأكيد المواقف الأخلاقية، خاصة تجاه قضايا الأمة الكبرى، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، التي تبقى معياراً حقيقياً لصدقية المواقف الدولية، وحجر الزاوية في أمن واستقرار المنطقة بأكملها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى