سويفت نيوز_الخبر
قدمت الكاتبة الأميركية هاربر لي رواية وحيدة هي «مقتل طائر مغرد» في 1960 وحققت فور صدورها نجاحاً مبهراً نالت على إثره في العام التالي جائزة «البوليتزر» أرقى جائزة أدبية أمريكية، وترجمت إلى مختلف لغات العالم، وقفزت نسبة المبيعات إلى أكثر من 3 ملايين نسخة، وتناولها النقاد والمهتمون بالفحص والتحليل والدرس، وتحولت تلك الرواية إلى مشروع فيلم سينمائي قام ببطولته النجم جريجوري بيك، وحصد الفيلم ثلاثاً من جوائز الأوسكار، وأصبحت الرواية علامة بارزة في الأدب الأميركي الحديث.
من الطبيعي أن يحفز النجاح الكبير الروائية إلى كتابة المزيد من الروايات، واستنهاض الموهبة للبذل والعطاء، لكن من غير الطبيعي – وهو ما حدث فعلاً – أن تتخذ هاربر لي قراراً شخصياً بالابتعاد عن الأضواء، والتوقف عن الكتابة الإبداعية واللجوء إلى الظل، ما شكّل صدمة للمهتمين والمعجبين، وأثيرت الكثير من الشائعات عن موهبة الكاتبة، واستخلص النقاد من حوار صحافي وحيد أجرته الروائية أن أسباب توقفها الحقيقية تعود إلى «مفهومها الصارم تجاه الكتابة، التي تراها عملية نظام ذاتي ينبغي التمرس عليه، وخوفها الشديد من عدم القدرة على تجاوز روايتها، ما يعني أنها شديدة الحساسية تجاه عملية الكتابة، وإزاء عالمها الخاص».
استذكر ما سبق وأنا أشاهد لقاء تلفزيونياً أجرته أخيراً الكاتبة السعودية الدكتورة رجاء الصانع، صاحبة الرواية الشهيرة والوحيدة «بنات الرياض»، الصادرة في 2005 وحققت شهرة عالمية، وترجمت إلى مختلف لغات العالم، وسجلت رقماً فلكياً في نسبة المبيعات، وقبولاً عند عامة القراء، وهو ما لم تكن الصانع تتوقعه أو تحلم به، فانطلقت متجاوزة سابقيها من كتاب الرواية في السعودية وهي في سن صغيرة فور صدور الطبعة الأولى من الكتاب.
ماذا لو فعلت الصانع مثلما فعلت هاربر لي، وتوقفت كلياً عن الكتابة الإبداعية؟ وأعلنت أنها تعتزل احتراماً لما حققته «بنات الرياض»، ولحساسيتها الصارمة تجاه الكتابة، وأن خوفاً ينتابها في عدم تجاوز شهرة الرواية وصيتها الذي وصل إلى شعوب العالم المختلفة، وأنها تكتفي بعملها كطبيبة في عيادة الأسنان ومعالجة المرضى وممارسة العمل الخيري، من المؤكد أن قيامها بهذه المبادرة ليس بالأمر السهل على ذاتها وعلى ذوات الآخرين المتربصين بعملها القادم، وتعريته بالربط بين أدائها السابق وأدائها اللاحق، لكنها ستسجل موقفها هذا في تاريخ الثقافة العربية.
كنت أنتظر حقاً أن تقول رجاء ذلك في لقائها، لكنها وبعد مضي تسعة أعوام على ظهور الرواية تؤكد الصانع في اللقاء ذاته أنها بصدد طباعة عمل روائي جديد، وأنها تبحث عن ناشر عربي، وتراهن على استمرار نجاحها وشهرتها كروائية موهوبة، وتقول: «إن روايتي الجديدة هويتها مختلفة تماماً، وهي صادرة عن رجاء الصانع وليست صادرة عن كاتبة بنات الرياض».
ترى ماذا لو جاء العمل مخيبا للآمال؟ والتهبت ألسنة الساخطين والمتربصين بها، وتحول النقد إلى أداة لاغتيال موهبة رجاء، وشلّ قدرتها على الإبداع؟ كيف ستتخلص الكاتبة من ذلك الهجوم؟ وهل سيبقى عندها مزيد من النفس الإبداعي في الصمود والمقاومة؟.
لن نتيقن من الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها إلا بعد صدور الرواية الثانية وتحليلها.