ثقافة
سقاني الشعر كأسك.. عنتره= شعر: محمد خضر الشريف
(سقاني الشعر كأسك عنترة)
شعر: محمد خضر الشريف
============
{ مجاراة لقصيدة الشاعر مصطفى الجزار، التي استوحاها من سيرة البطل“عنترة بن شداد” }
مقدمة//
ليس كأبي الفوارس عنترة بن شداد مثيل في شجاعته وكرمه ونبل أخلاقه وعفاف أدبه وقلما يجتمع للفارس المغوار مثل هذه الخلال النبيلة والصفات الجميلة..
عن نفسي أتحدث كأن عنترة هو من سقاني الشعر من كؤوسه فصب في قريحتي وحي كلماته وجميل عباراته..
وقد أحببت هذا الرجل عندما سمعت ذات يوم من أستاذنا الكبير الدكتور علي الجندي وهو يدرس لنا الأدب الجاهلي يشيد بعنترة وينقل لنا عن الاولين أن رسول الانسانية اعجب به وتمنى أن يراه قائلا ما وصف لي أحد فاحببت أن أراه سوى عنترة.. والعهدة في الحديث عليه..
عشت معلقته شغوفا بها شغوفا بحياة عنترة وقصص معاركه وحبه السامي لابن عمه عبلة بن مالك وأنا أضمنها كتابي ” ابن العم في تاريخ الشعراء العشاق”، فألفيته كريما حليما شجاعا صبورا عفيف النفس..
أما عفته فنبأتنا عنها أبياته إذ يقول:
وأغض طرفي مابدت لي جارتي // حتى يواري جارتي مثواها
وهذا منتهى العفة في غض النظر الذي نادى به الإسلام كخلق إنساني عام
والعفة ديدنه حتى في الحرب مخبرا عن نفسه مخاطبا محبوته ابنة عمه عبلة بقوله:
يخبرك من شهد الوقيعة أنني //أغشى الوغى وأعف عند المغنمِ
فأرى مغانم لو أشاء حويتها//فيعيدني عنها الحيا وتكرّمي
وهو نفسه يقول في معرض الشجاعة لعدوه الذي هحم على قبيلته في غيابه واستاق عبلة أسيرة فجاء وحده بعد أن عجزت بنو عبس عن الدفاع وانفضح أمرهم فقال لغريمه الذي عايره بأنه عبد:
أنا العبد الذي نبئتَ عنه// وقد عاينتني فدع السماعا
حصاني كانَ دلاّل المنايا // فخاض غُبارها وشَرى وباعا
وسَيفي كان في الهيْجا طَبيباً // يداوي رأسَ من يشكو الصداع
ولبيس أدل على شجاعته من ذيك الأبيات التي شدا بها القاصي والداني التي سجلتها لنا معلقته حيث قال فيها:
ولقد شفا نفسي وأبرأ سقمها / قيل الفوارس ويك عنتر أقدم
لما رأيتُ القوم أقبل جمعهم/ يتذامرونَ كررتُ غيرَ مذممِ
يدعون عنتر والرماح كأنها/ أشطان بئرٍ في لبانِ الأدهمِ
مازالتُ أرميهم بثغرةِ نحره/ ولبانه حتى تسربل بالدمِ
فازور من وقع القنا بلبانهِ/ وشكى إليّ بعبرةً وتحمحمِ
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى/ ولكان لو علمَ الكلامَ مكلمي.
وهو سمح العشرة إلا إذا ظلم واقرأ له قوله:
أثني عليّ بما علمت فإنني//سمح مخالطتي إذا لم أظلمِ
فإذا ظلمت فإن ظلمي باسلٌ //مر مذاقته كطعم العلقمِ
وهو الذي يعبر عن كرمه بقوله:
لِيَ النُفـــــوسُ وَلِلطَـيرِ اللُحــومُ وَلِلـ ـوَحشِ العِـــظامُ وَلِلخَــيّالَةِ السَـــلَبُ
هذا عنترة في نبل أخلاقه وكريم شمائله وشجاعته المفرطة التي استهوتني فكنت ومازلت أقرأه شعرا ونثرا ولا يفوتني الفيلم الذي تم تسجيده سينمائيا وقد حضرت عروضه الأولى في بداية السبعينات الميلادية وما زلت أحرص على رؤيته إن حل ضيفا على قناة لو تكرر مائة مرة لإعجابي بهذا البطل المغوار..
عارض عنترة كثيرون من المعاصرين ولم يستهوني منهم سوى الشاعر المصري مصطفى الجزار الذي قال قصيدته ( كفكف دموعك وانسحب ياعنترة) وهي من بحر الكامل روي الراء المفتوحة المنهية بهاء السكت الساكنة، فأبدع فيها إيما إبداع وأسقط ما يريد أن يقوله عن الأمة النائمة وهو يقعد مقارنة بين حال عنترة وحال الأمة يستلهم من بعض كلماته ومواقفه الكثير في أبيات شعره فجاءت القصيدة رائعة جميلة، ومع حبي الأول لعنترة وإعجابي بمجاراة قصيدة الجزار نظمت تلك الأبيات التي جمعت بين عيشي أفياء عنترة وإسقاط الواقع المر على حياة خلت من عناترة الأمة التي أصباها سبات عميق ورضيت بذلك كل الرضا فخرجت مني تلك الأبيات التي عنونت لها بعوان: (سقاني الشعر كأسك عنترة)، وجاءت على النحو التالي:
القصيدة//
==============
شعر: محمد خضر الشريف
==============
ولقد سقاني الشعر كأسك..عنتره/
ثملٌ بنظمك في الفيافي الموغره
فالشعرُ محرابُ السجال مَفَاخِرا/
والسيفُ ميدانٌ وأنت القسوره
أخلاق نبلك والعفافُ يزينها/
وشجاعةُ الشجعان مثل غضنفره
أغفو على نسمات نظمك شاعرا/
وتهزني صيحاتُ:”ويحك عنتره”
“قيلَ الفوارس” مطلقينَ نداءهم/
الليثُ جاء.. فللأعادي المقبره
شطآن نبلٍ في نحور جوادكم/
والسيفُ يقطر بالدماء مبعثره!!
شهد الوقيعةَ سيفكُم وحصانكم/
النظمُ أنبأ وجدنا.. ما أشعره !
**********************
راحَ الزمانُ بصوته وصهيله/
حتى حصانكَ لم يعد ذا مقدره
قد كان بالأمس العدوُ يهابنا /
في عصرنا صار الفرارُ مفخره
القومُ غطوا في عميقٍ سباتهم/
شدوا “اللحاف”َ مشخرينَ كأحمِره
أما القضية قد شروها خلسة/
بدراهمَ الزيف.. تساوي أبعره
صدِأ السلاح بريقُه في غِمده/
والقابضون عليه باعوا الأعيره
كسروا الرماحَ نصالهَا وسهامهَا/
حتى العِصِيّ حطَّمتها المعصره
وسيوفهم سُلّتْ لنحر نحورنا/
ورماحهم أيضا وهذي”مسخره”
أقلامهم تلك التي قد سطَّرت/
بمدادها نظم القوافيَ حاسره
كتبت على أفق السماء حروفها/
وحيَ الإله بحبر عطر المحبره
سكبوا المداد وكسروا أقلامهم/
والنوم أصبح همهم ما أسكره !
*******************
“عبْس” أناخت بالخيام نياقها /
أفراس مجدك ذُبّحتْ في المجزره
و”عُبَيْلُ” حبك وهي ابنة مالك/
من أجلها خضت الحروب الغابره
كم غَمرةٍ قد جُزتها بشجاعة /
ولأجل “عَبْلٍ” قد عبرتْ القنطره
جار الزمانُ عليها جَورةَ ظالم/
ساد السوادُ بوجهها ما أغبره !
بعد الجمالِ والدلالِ ومجدها/
باعت ثيابَ العز حتى الأسوره
********************
وبنيّ عُرْبك شانهم في أرضهم/
كيدُ الأعادي في الليالي المقمره
هذي العراق تشرذمت وتناحرت/
والشام راح ضياؤها ما أخثره !
القدس تبكي أسرها.. وضجيجُها/
يعلو.. مآذنُ نورها مستعمره
أقطار شتى في بلادك أمتي/
ألما شديدا تكتوي ما أعسره !
****************
“شيبوب” قام للرجال محفزا /
لما رأى الأقوام صاروا مَعْيَره
يبكون ليلا، والنهار بِطُولِه /
أين الشجاعُ والخطوبُ مزمجره
وكلامهم في قولهم أو فعلهم/
أهاتُ زفرٍ قد علَتْها الثرثره
بحَّ النداءُ بصوته وبخيله /
الجبنُ شينٌ يارجالُ لنقهره
ياأمتي هل فارسٌ أن ينبري/
ليعيدَ مجدا ضيَّعته الحنجره
لن تسمعوا لأبي الفوارس صولة/
مات الجوادُ ومات قبلُ عنتره!!
———————-
شرح صور/
-صخرة عنترة التي كان يجلس إليها ويربط فرسه الأبجر عندها وهي تقع ف عين الجواء بالرياض بالسعودية
-لقطة لقاء عنترة وأخيه شيبوب بعد غياب عنترة فترة ظنوه أنه مات غريقا في رمال الربع الخالي