سياحه وترفيه

تشانغ جي اجيه… أرض الأعمدة وطرق الغيوم

بقلم – وائل الدغفق
رحّال الخبر

في اللحظة التي غادرنا فيها بكين، أحسسنا كأننا نطوي صفحة من كتابٍ ضخمٍ مفعمٍ بتاريخ الإمبراطوريات وضجيج المدن، لنفتح صفحة جديدة مدهشة؛ صفحة تُكتب بحبر الطبيعة الخالصة، حيث تتوارى المدن خلف ستائر الغيم، وتقترب الجبال من حدود السماء.


اليوم الأول – 5 ديسمبر

ختام بكين… وبداية الحكاية

غادرنا العاصمة التي تنبض بتاريخ ألفي عام، وكل واحدٍ منا يحمل صورة أخيرة من شوارعها الشاسعة. شعرنا أن الرحلة تتحرر من زحمة الحضارات لتنطلق إلى عالمٍ آخر: عالمٌ تتكلم فيه الصخور، ويعلو صمت الجبال على صخب البشر.


اليوم الثاني – 6 ديسمبر

الطيران نحو مدينة الأساطير: Zhangjiajie

من مطار بكين داشينغ، وعلى متن رحلة Air China رقم CA8609 (14:15 – 16:50)، بدأنا الرحلة جنوبًا… نحو مدينةٍ لم يكن اسمها مجرد لفظ، بل بوّابة تُفضي إلى خيالٍ واسع.

هبطنا مع غروبٍ وردي يلامس قمم الجبال من بعيد. كان النسيم دافئًا، كأن المدينة تتنفس ترحيبًا بنا.
اتجهنا إلى فندق Best Western Plus، وفي مخيلة كل منا مشهد جبال الغد وهي تتسلل من بين الأهداب قبل النوم.


اليوم الثالث – 7 ديسمبر

Tianmen Mountain… الطريق إلى بوابة السماء

بعد إفطارٍ صيني بطابعٍ جبلي، اتجهنا نحو جبل تيانمن… الجبل الذي يقال إنّ بوابته تُطل على السماء نفسها.

بدأ الصعود من خلال كيبل كار يُعد من الأطول في العالم، يمتد لأكثر من 7 كيلومترات.
كان القطار الهوائي يشق سُحبًا كثيفة، ويرفعنا من عالمٍ إلى آخر، كأن الجبال تتوالى حولنا مثل لوحاتٍ مرسومة على الهواء.

وعند السفح، استقبلنا الطريق ذو الـ 99 منعطفًا، طريقٌ يختبر الشجاعة قبل أن يختبر العيون.
ثم صعدنا 999 درجة نحو بوابة السماء… كان صعودًا تتداخل فيه رهبة الارتفاع مع سحر المشهد، حتى بدا لنا أن الروح تتحرر خطوة بعد خطوة.

وسرنا على الجسر الزجاجي Sky Walk المعلّق على كتف الجبل. تحت أقدامنا هوّة، وفوق رؤوسنا سحبٌ تلامس الجباه.
كانت مرشدتنا لونا تُفسّر تضاريس المكان، بينما نحن نرى بعين اليقين عظمة الخالق التي تتجلى في شكل جبل ولون غيمة وارتقاء روح.

أنهينا اليوم في مطعمٍ للمسلمين من تشينغيانغ، ثم عدنا لليلٍ من تعبٍ جميل، ومبيتٍ جديد في Zhangjiajie.


اليوم الرابع – 8 ديسمبر

جبال يوانجياجيه… حيث الأعمدة تلمس حدود السماء

ذلك الصباح لم يكن عاديًا؛ فقد كان موعدًا مع واحد من أعجب مسارح الطبيعة على وجه الأرض.

بدأنا بـ Jinbian Brook، جدولٌ ينساب بين الغابات كأنّه مقطع من مخطوطة صينية قديمة.
كانت الإوزّات غائبة بفعل الشتاء، لكن الصخور احتفظت بدورها كمنحوتات طبيعية مذهلة.

ثم صعدنا أعلى مصعد مكشوف في العالم، Bailong Elevator، الذي ينتزعك من قاع الغابة إلى قمم الجبال في ثوانٍ… انتقالٌ يشبه الانتقال بين عالمين.

وفي الأعلى ظهرت قمم Tianzi Mountain، أو جبال فرشاة الخط.
كانت القمم حادّة، كأنها ريشة خطّاطٍ يكتب حروفًا عملاقة على صفحة السماء.

ثم دخلنا غابة الحجر Xihai Stone Forest، حيث الصخور تقف مثل حكماء صامتين منذ آلاف السنين.

اختتمنا اليوم بعشاءٍ حلال أعدّه مسلمو قومية الهوي، ثم عدنا للمبيت، محمّلين بانبهارٍ لا ينطفئ.


اليوم الخامس – 9 ديسمبر

Zhangjiajie Grand Canyon… الجسر الذي يعبر الفراغ

في هذا اليوم، كنا على موعد مع تجربةٍ لا تُنسى…
زيارة وادي تشانغجياجيه والمشي على أطول جسر زجاجي في العالم، الممتد لـ400 متر، والمكوّن من 99 لوحًا زجاجيًا مُدعّمًا بثلاث طبقات.

كان الجسر معلّقًا فوق فراغٍ سحيق بعمق 300 متر؛ المشي عليه لم يكن مجرد عبور، بل مواجهة مع الذات.
ومن بيننا من قفز قفزته الأشهر (الجنبي) نحو عمق الوادي… مغامرةٌ لا تحدث إلا مرة، لكنها تبقى للأبد.

ركبنا الـ زيبلنق، وسلكنا مسارات التزحلق، واستقللنا القوارب والمصاعد صعودًا وهبوطًا، كأننا نعيد اكتشاف الوادي بكل وسيلةٍ أتاحتها الطبيعة والإنسان.

وكانت الخلاصة… أن يد الله ترتّب الجبال، ثم يُكمل الإنسان دور الحكاية.


اليوم السادس – 10 ديسمبر

الرحيل فجرًا… والقطار يقودنا إلى الجنوب

في السابعة صباحًا، حملتنا حقائبنا نحو محطة القطار السريع.
استقللنا القطار G3967 من Zhangjiajie إلى Guilin (07:17 – 14:13).

ومن نافذة المقعد، كانت الصين تمرّ مثل فيلم طويل:
قرى هادئة، حقولٌ خضراء، جبالٌ تتابعنا بنظراتها الأخيرة، أنهارٌ تجري، وضبابٌ يسافر موازيًا لنا كعادته القديمة.

وبهذا اليوم، أسدلنا الستار على مرحلة تشانغجياجيه…
مرحلة لم تكن مجرد محطة، بل درسًا في جمال الأرض ومعجزة الطبيعة وصمت الجبال.


ختام المرحلة الثانية

تشانغجياجيه لم تكن مدينة…
كانت مرآةً تعكس قدرة الله في خلق الجمال، وكتابًا يعيد تشكيل نظرتنا إلى العالم.

نختم هذه المرحلة من رحلات “رحّال الخبر” على أمل اللقاء بكم في الفصل القادم، في ربوع جويلين
حيث ينتظرنا نهرٌ آخر، وجبلٌ آخر، وحكاية تُكتب من جديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى