مقالات

بين الوصاية والإنفلات

بقلم – محمد البكر :

تعرف المجتمعات الناضجة كيف توازن بين حرية الفرد ومتطلبات الجماعة ، ولأننا نزعم بأننا مجتمع ناضج ، فإننا نواجه تحديات على طرفي النقيض . فمن جهة ، كنا نعاني فيما مضى من سنوات ، من فئة كانت تمارس الوصاية على الآخرين بحجة حماية القيم والعادات ، وكانت تفرض رؤيتها كقالب واحد يجب أن يلتزم به الجميع . فتعترض على سبيل المثال ، على فعاليات ثقافية وترفيهية مرخَّصة فقط لأنها لا تتوافق مع أذواقهم أو قناعاتهم ، متجاهلين أن التنوع والتجديد جزء من حياة أي مجتمع متطور . هذه الوصاية ربما كانت بنوايا حسنة لكنها في الواقع قيدت الإبداع وحدت من حرية التعبير وزرعت الخوف من الاختلاف وقسمت المجتمع ، وضيقت التصرفات الفردية رغم مشروعيتها .
ومن جهة أخرى ، نعيش اليوم مع فئة تسيء فهم المرونة ورفض الوصاية ومنع التشدد والتطرف ، فتمارسها ، بلا وعي ولا احترام للقوانين أو القيم الاجتماعية . مثل قيام بعض الفتيات المبالغة في لباسهن ومكياجهن وتصرفاتهن ، بطريقة تتعارض مع العادات والتقاليد ، ناهيك عن ممارسات بعض الشباب في قيادة سياراتهم والتضييق على الناس وتعريضهم للخطر ، معتبرين ذلك ممارسة لحرياتهم .
في الحقيقة تلك الممارسات تثير الجدل وتسبب احتكاكات في المجتمع . هذه السلوكيات الخاطئة تحول حرية الفرد من حقّ مشروع إلى تصرفات استفزازية تؤذي الآخرين ويعاقب عليها القانون .
الحرية ليست وصاية تُفرض ، ولا فوضى تُمارس . الحرية مسؤولية قبل أن تكون حقاً ، يجب أن تحترم القوانين وتحمي حقوق الآخرين . المجتمعات التي تزدهر هي التي توازن بين حماية قيمها وحريات أفرادها ، فتضمن بيئة آمنة ومفتوحة للجميع دون قيود جائرة أو تجاوزات مدمرة . ليست هناك حرية مطلقة . فحتى في المجتمعات الغربية المتحررة ، توجد حدود لا يمكن تجاوزها . فمصلحة المجتمع وعامة الناس تأتـي قبل حرية الفرد .
ووعي الإنسان واحترامه للآخر ، هو المفتاح الرئيس لتحقيق المعادلة الصعبة . خاصة إذا كنا نبحث عن مجتمع متسامح ، يحترم حرية الشخص دون أن ينحرف إلى وصاية مفرطة أو فوضى غير منضبطة .

حرية الإنسان تنتهي عندما تبدأ حرية غيره . وإلا فإنها تعتبر تعدياً على حقوق الآخرين ، وتحدياً للمجتمع ومكوناته .

ولكم تحياتي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى