سياحة وطيران

المملكة تعيد هندسة السياحة

 ضيافة برؤية استثمارية تبني المستقبل

بقلم – مازن مكارم :

مدير ومستشار تسويق إستراتيجي في قطاعي العقار والضيافة

تشهد المملكة العربية السعودية اليوم تحولًا نوعيًا في قطاع السياحة والضيافة، لا على مستوى التوسع العمراني أو زيادة عدد الزوار فحسب، بل على مستوى أعمق يمس جوهر الرؤية الإقتصادية للمملكة. لم يعد يُنظر إلى السياحة كقطاع ترفيهي تكميلي، بل كصناعة متكاملة تحمل في طياتها فرصًا إستثمارية، وأبعادًا ثقافية، ورسالة إستراتيجية تترجم طموح المملكة في أن تكون من بين أبرز الوجهات السياحية العالمية.

تسعى رؤية المملكة  2030 إلى رفع مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي من 3% إلى أكثر من 10% بحلول عام 2030. وفي عام 2024، تجاوز عدد الزوار المحليين والدوليين حاجز 150 مليون سائح. إلى جانب ذلك، تهدف المملكة إلى خلق أكثر من 1.6 مليون وظيفة سياحية، بدعم من مشاريع ضخمة يقودها صندوق الإستثمارات العامة، ومنظومة متكاملة من التشريعات، والبنية التحتية، والتحفيزات الإستثمارية.

لكن الأرقام وحدها لا تكفي لتفسير التحول الإستراتيجي، فالتجربة السعودية تقوم على تغيير المفهوم نفسه، من تقديم الخدمة إلى تصميم التجربة، من تشغيل الفنادق والمنتجعات إلى بناء هوية إستراتيجية، من الترويج للوجهات السياحية داخل المملكة إلى تصدير نموذج ضيافة متكامل يستند إلى القيم السعودية ويُدار بمعايير عالمية.

وفي هذا السياق، يشكل منتجع شادن في العلا نموذجًا حيًا لهذا التحول. المنتجع لا يُقدم إقامة فاخرة فحسب، بل يصوغ سردية سياحية ترتكز على إحترام الأرض، تفعيل الثقافة، وتعظيم أثر التجربة الإقتصادية والإجتماعية. منتجع شادن ليس مشروعًا سياحياً فقط، بل إنعكاس لفكر ورؤية جديدة في تصميم الضيافة التي  تُعبّر من خلاله المملكة العربية السعودية عن موقعها القيادي في إعادة تشكيل مستقبل السياحة الإقليمية.

وتنسحب هذه الفلسفة على مشاريع البحر الأحمر، وأمالا، ونيوم، والقدية. فهذه الوجهات لم تُطوّر لتكون محاكاة للمدن العالمية، بل لتكون تجارب سعودية مستقلة تُوظف المكان، وتستثمر الإنسان، وتربط الزائر بمحيطه الطبيعي والثقافي ضمن منظومة إقتصادية عابرة للقطاعات.

إن ما يُميز التجربة السعودية في السياحة هو الربط الذكي بين الرؤية الاقتصادية والإرث الثقافي، بين الطموح الرقمي والبصمة المجتمعية، بين الإستدامة والفرص. وهذا ما يجعل الإستثمار في هذا القطاع ليس مجرد خيار مالي، بل قرار استراتيجي مبني على فهم عميق للسوق، ووضوح في الرؤية، وقيادة تُؤمن بأن الضيافة أداة تأثير، وليست مجرد خدمة.

أما في النهاية، يسعدني أن أسلط الضوء على التحول الذي تقوده المملكة العربية السعودية في قطاع السياحة يتجاوز الأرقام والمشاريع، ويصل إلى إعادة تعريف الضيافة كمسار إقتصادي متكامل يربط بين النمو والإستثمار، وبين الإنسان والمكان.


إن المملكة لا تبني فنادق… بل تعيد صياغة علاقة الزائر أو السائح بالمكان عبر تجربة سعودية متفردة.
ولا تسوّق وجهات… بل تُصدر فلسفة جديدة لقطاع الضيافة تحمل توقيعها الخاص، وتُقدَّم للعالم بمعايير عالمية وعمق محلي.

وهذا ما يجعل الإستثمار في قطاع السياحة السعودي اليوم ليس مجازفة، بل خطوة محسوبة نحو إقتصاد المستقبل… إقتصاد تصنعه المملكة بمزيج من الفكر والرؤية والتنفيذ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى