قصص ومواقف إنسانية لرجال الأمن في خدمة الحجاج

بقلم – يوسف البيشي:
حين تتقاطع الروح مع الجسد في دروب الطاعة، وحين تمتزج دموع الشوق بخطى القلوب المهاجرة إلى الله، تتجلَّى صورة الأمن في أبهى معانيها. هنا، في مكَّة المكرَّمة، حيث تتنزَّل السكينة على ضيوف الرَّحمن، تتشابك خيوط النور مع جهود جبَّارة نسجها رجال الأمن بحياكة متقنة، جعلت من شعيرة الحجِّ لوحةً من الطمأنينة والاحتساب، وحكاية إيمان واحتراس، تروى كلَّ عام على لسان العالم بأسره.
في موسمٍ تتوجَّه فيه الأنظار إلى أطهر البقاع، كان الأمن السعودي يقف، كما عهده التاريخ، سيفًا مشرعًا في وجه كلِّ مَن تسوِّل له نفسه أنْ يعبث بقدسيَّة المكان أو سلامة الزمان. مئات الآلاف من رجال الأمن، من مختلف القطاعات، ينسجون خريطة حماية خفيَّة وعلنيَّة، لا تخطئها عين الحاج ولا قلبه، إذ يشعر بها قبل أنْ يراها، ويوقن بوجودها دون أنْ تعكر عليه صفو العبادة.
تبدأ القصة منذ لحظة إعلان الاستعدادات، مرورًا بوصول أول فوج من الحجَّاج، إلى حين مغادرة آخر حاجٍّ. طيرانٌ آمن، حدودٌ محميَّة، موانئ تستقبل بالأذرع المفتوحة وقلوبٍ يقظة. وفي قلب مكَّة والمدينة والمشاعر المقدَّسة، تتحوَّل الشوارع إلى شرايين نابضة بالحياة، يقودها رجال الأمن بإيقاع منضبط، وعينٍ لا تنام.
أمن الدولة بأفرعها قوات الطوارئ الخاصَّة والمباحث العامَّة وقوات الأمن الخاصة وطيران الأمن، وأيضًا قوات أمن الحجِّ والعُمرة، وحرس الحدود، ووزارة الدفاع والحرس الوطني، والدفاع المدني، وغيرها من القطاعات العسكريَّة والقطاعات الصحيَّة، والذكاء الاصطناعيِّ المرتبط بغرف العمليات.. كل ذلك لم يكن إلَّا شبكة أمان متكاملة، توزَّعت بين الطرقات والمخيَّمات والحرم الشَّريف، وعلى امتداد صعيد عرفات ومنى ومزدلفة.
أليست مهمَّة رجال الأمن مجرَّد ضبط النظام، بل كانت مهمتهم إنسانيَّة قبل أنْ تكون وظيفيَّة. كم من رجل أمن حمل حاجًّا أنهكته الشمس، وكم من يدٍ ساعدت عجوزًا على عبور الطريق، وكم من نظرة حانية بدَّدت وحشة الغربة عن قلب حاجٍّ جاء من أقصى الأرض.
الابتسامة كانت سلاحًا، والحضور الهادئ كان رسالة، والنظام المتزن كان عهدًا لا يُخلُّ. لم تكن القبعات العسكريَّة تعني السلطة فحسب، بل كانت عنوانًا للرَّحمة، وشعارًا للإخلاص.
وفي موسمٍ يلتقي فيه الملايين في زمان ومكان محدود، كانت التكنولوجيا حاضرة بتوقيع سعودي. كاميرات ذكيَّة، وطائرات درون، وتطبيقات ميدانيَّة، وأنظمة تتبع إلكترونيٍّ، كلها ساهمت في رسم خريطة حركة آمنة، وتوقُّعات دقيقة، واستجابات سريعة. الأمن السيبراني كان حارسًا للبيانات، كما كان الميدان حارسًا للأرواح.
في قصة الحجِّ، هناك دعاء يرتفع من شفاه الملايين، وهناك قلب ينبض في كل رجل أمن، وهناك دولة، اسمها المملكة العربيَّة السعوديَّة، جعلت من ‘أمن الحج’ رسالةً إيمانيةً بقدر ما هي مسؤولية وطنية.
هي قصة إيمان واحتراس، يتعلَّم منها العالم كيف يكون الجمع بين القدسيَّة والاحتراف، بين الخشوع والانضباط، بين الروح والإدارة. وفي كل عام، تعاد كتابة هذا الفصل المضيء من تاريخ الأمة، على أرضٍ جعل الله فيها الأمان مقرًا، والسلام عنوانًا. لعكس صورة جميلة لعفوية وكرم المواطن السعودي و”غريزة” خدمته لضيوف الرحمن.




