الأمل

بقلم – حسين الغشيمي :
تتَوالَى الخيبَاتُ وَالصَّدمَاتُ، وَلَا مفَرَّ أَمَامَنَا سِوَى الوُقُوفِ والِاستِنَادِ علَى جِدَارِ الأَمَلِ.
فكُرهًا أَو طوعًا، عَلَيكَ أَن تغُوصَ وسَطَ الحُشُودِ لتَجِدَ لنَفسِكَ ملَاذًا آمِنًا، فلَا تغدُو تائِهًا تتَسَكَّعُ بينَ الأَرصِفَةِ والمَقَاهِي شَارِدًا
علَيكَ أَن تُقَاتِلَ وسَطَ هذَا العَالَمِ المُتَسَارِعِ الحَرَكَةِ لِتَصنَعَ لِنَفسِكَ مكَانًا يلِيقُ بِكَ، فَلَا تكتَرِث بِمَا يحدُثُ حَولَكَ.
لا الوَقتُ يُسعِفُكَ بِأَن تُفَكِّرَ، ولَا المَكَانُ يُشعِرُكَ بوُجُودِكَ فَأَنتَ من يصنَعُ هذَا الوُجُودَ وسَطَ الضَّجِيجِ المُتَعَالِي
فأَنتَ حبِيسُ الغِيَابِ الَّذِي يجعَلُكَ حُرًّا في تصَرُّفِكَ وتَفكِيرِكَ ، لِتَصنَعَ ما تَشَاءُ.
فأَنتَ منسِيٌّ، ولَكِنَّكَ حُرٌّ فِي كلَامِكَ .
فعِندَمَا تَمْشِي مُثقَلَ الخُطَى، خَائِرَ القُوَى، يُلفِتُ انتِبَاهَكَ رُكنٌ صغِيرٌ لِبَيعِ الكُتُبِ، كأَمرَأَةٌ فاتِنَةٌ يختَالُكَ الشُّعُورُ بالرِّضَا لكُلِّ شيءٍ كرَّستَهُ في حيَاتِكَ مِن أَجلِ لَحظَةٍ لَم تَعرِف ماهِيَّتَهَا، ولَم تَأتِ بعدُ فتُخَاطِبُ ذاتَكَ هل علَيَّ أَن أقتَنِعَ بمَا هُوَ آتٍ؟
يأْتِي الجَوَابُ سَرِيعًا
نعَم، رُبَّما ما يأْتِي مُتَأَخِّرًا هُوَ قدَرُنَا الَّذِي انتَظَرنَاهُ.
فلَا يَسَعُنَا الوَقتُ لِكَي نَحلُمَ، أَو نُحِبَّ. فنَظَلُّ مُنتَظِرِينَ المَصِيرَ الَّذِي قد يَأْتِي مُتَأَخِّرًا
ولَا نُرَاهِنُ علَى الحَظِّ؛ فهُوَ دائِمًا يُجَانِبُنَا، ويَسلُبُنَا أَجمَلَ لحَظَاتِ العُمرِ الَّتِي لم تتَحَقَّقْ فينفِخُهَا حتَّى تُصبِحَ أَحلَامًا مُستَحِيلَةَ التَّحقِيقِ .
أَحلَامُنَا لا تتَوَقَّفُ، كالقِطَارِ الَّذِي يمشِي بلا وِجْهَةٍ، وسَنَوَاتُ العُمرِ تتَسَاقَطُ كَأَورَاقِ الخَرِيفِ ،العُمرُ يتسَرَّبُ مِن بَينِ أَيدِينَا دُونَ أَن نُدرِكَ نشِيخُ، وتظهَرُ علَينَا تجَاعِيدُ الزَّمَنِ دُونَ أَن نَدرِي فنَسْتَفِيقُ علَى حُلْمٍ لم يُكتَب لنَا، فنَظَلُّ نُطَارِدُ المُستَقبلَ كأُغنيَةٍ حزِينَةٍ ،عندمَا نُعِيدُ سمَاعهَا مرَّاتٍ ومَرَّاتٍ، تفتَحُ فِي القَلْبِ نُدُوبًا كَثِيرَةً لَا تنتَهِي، وجُرُوحًا لَا تَندَمِلُ.
عليكَ أَن تُصَارِعَ تَقَلُّبَاتِ هذَا الزَّمَنِ المُخِيفِ المُلِيءِ بِالغَرَائِبِ. فلَا تَظَلَّ مُتوَجِّسًا لِمَا هُوَ قَادِم اصنَع طَرِيقَكَ بِنفسِكَ بِقَدْرِ مَا تمتَلِكُ من إِمكَانِيَّاتٍ. فالمِفتَاحُ هُوَ أَنتَ لَا تنتَظِر أَحَدًا.
علَيكَ أَن تقِفَ علَى قدَمَيكَ وتنظُرَ إِلَى الأُفُقِ دُونَ العَودَةِ إِلَى الخَلفِ
فالآتِي هوَ الأَجمَلُ لكَ، حتَّى وإِن جاءَ مُتَأَخِّرًا .
حسين الغشيمي
