سعد العبيد.. تجربة فريدة أسهمت في نهضة الحراك الفني والثقافي السعودي
الرياض – واس :
أثرت الذائقة الإبداعية للفنان سعد العبيد -رحمه الله- الممتدة لستة عقود، في نهضة الحركة السعودية التشكيلية، حملت في تفاصيلها ملامح من الحياة اليومية والاجتماعية والثقافية لتوثق التبدلات في الزمن والمكان، وتصبح شاهدًا عن تاريخ الثقافة السعودية.
وشكلت هذه التجربة تميزًا في حضوره في المشهد الفني الوطني وتأثيره في الحراك الثقافي، انفردت بخاصية الرسم بأربعة ألوان رئيسة “الأحمر والأزرق والأصفر والأبيض” مبتكرًا منها جميع الألوان، وكان سفيرًا للوطن في 90 معرضًا ومحفلًا حول العالم، وأنشأ صالة “الملتقى” للفنون التشكيلية، واقتنت أعماله العديد من الجهات .
وتحت سقف قصر الثقافة في الرياض، أقيمت واحدة من أبرز الفعاليات الفنية تزامنًا مع ذكرى الفنان الراحل سعد العبيد، بجهودٍ من هيئة الفنون البصرية بالتعاون مع معهد مسك للفنون، ليروي معرض “سيرة ومسيرة” أعمال الفنان العبيّد، وما قدمه طوال عقود في الساحة الفنية السعودية في رحلة إبداعية مليئة بالتحولات والأثر العميق في الفن التشكيلي.
ولد سعد العبيد في الرياض عام 1945، وبدأ مسيرته الفنية منذ سنواته المبكرة، وتمتع بحس فني مرهف دفعه لاحتراف الفن التشكيلي بعد أن تخرج من معهد إعداد المعلمين في 1962، ليبدأ مسيرته في مجال التعليم، حيث التحق بالتدريس في المدارس السعودية لمدة ثماني سنوات، لكنه لم يفقد شغفه بالفن الذي كان له مكانة خاصة في قلبه، وبتوجيه من عدد من معلميه في المعهد، انطلق في عالم الفن التشكيلي.
ولمع اسمه في جيل الرواد الذين أسهموا في تأسيس حركة الفن التشكيلي السعودي. منذ أول معارضه الشخصية في عام 1970، وواصل رحلته الإبداعية ليمثل بصمة كبيرة في الساحة الفنية المحلية والدولية.
وتميز عمله الفني، بالألوان الزاهية والتصاميم الجريئة، كان يعكس فهمه العميق للطبيعة والحياة الإنسانية، و لا تقتصر أعماله على مجرد رسوم أو لوحات، بل تجارب بصرية سردت أفكاره ومشاعره .
المعرض الذي استمر على مدى أسبوع سلط الضوء على رحلة حياة هذا الفنان من خلال 153 لوحة فنية أصلية، بالإضافة إلى 8 رسومات شهيرة مثّلت جزءًا من إرثه الفني الذي استمر لأكثر من 50 عامًا، بدأها في 1966 وامتدت حتى عام 2020.
وتوزّعت أعمال سعد العبيد بين مواضيع شتى، من الطبيعة الصحراوية إلى المشاهد الإنسانية، مرورًا بمظاهر الحياة اليومية التي شكلت جزءًا كبيرًا من أفكاره الفنية، إذ كان يحرص على نقل هذه المشاهد بكل ألوانها وروائحها، لينشئ مساحة يشعر فيها المشاهد بالتفاعل مع كل صورة ولوحة، واستطاع من خلال أعماله أن يعبّر عن التغيرات التي شهدها المجتمع السعودي خلال العقود الأخيرة، معبرًا عن الهوية السعودية بمزيج من الحداثة والتراث.
ويقدم المعرض فرصة للزوار لاستكشاف الاعمال الفنية التشكيلية لسعد العبيد عن كثب، ليس فقط من خلال الأعمال الفنية، ولكن أيضًا من خلال فيلم وثائقي يعرض للمرة الأولى، فيما يشمل المعرض جولات خاصة لكبار الشخصيات وحوارات مع الفنانين المقربين منه، مثل إبنه خالد سعد العبيد، إضافةً إلى ورش عمل فنية تسلط الضوء على تقنيات العبيد وأساليبه المبدعة.
لم يكن سعد العبيد مجرد فنان تشكيلي، بل كان معلمًا وراعيًا للعديد من المبدعين السعوديين، إذ أسهم في تهيئة بيئة تشجيعية للأجيال الجديدة من الفنانين عبر تنظيم المعارض ودعمه للفعاليات الفنية المحلية؛ وهو ما يقدّره الكثيرون اليوم في ساحة الفن السعودي.
معرض “سيرة ومسيرة” يمثل، بحد ذاته، شهادة على رحلة فنية مستمرة، امتدت لستة عقود، ولتظل أعماله حاضرة في قلوب الأجيال المقبلة، تؤكد أن الفن قادر على تجاوز الزمن ويخلد صاحبه في ذاكرة التاريخ.