المعادلة التي تسعى إليها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط
إبراهيم بن سعد آل مرعي *
لنعد بالذاكرة إلى 2 أغسطس 1990م عندما أوعزت السفيرة الأميركية في بغداد إلى الرئيس صدام حسين بأن الولايات المتحدة لن تتدخل في حال احتل العراق دولة الكويت الشقيقة، فارتكب صدام حسين أكبر غلطة في تاريخ العالم العربي الحديث.
وفي 19 مارس 2003م احتلت الولايات المتحدة العراق وحلت جيشه ومكنت إيران من مفاصل الدولة.
وفي 15 مارس 2011م، خرجت قيادة الأسطول الخامس من البحرين بحجة إجراء مناورة في بحر العرب، وفي ذات اليوم حوصرت مؤسسات الدولة من قبل الميليشيات البحرينية التابعة لإيران تمهيداً للانقلاب على نظام الحكم وتغييره وتسليم البحرين إلى إيران.
وفي 21 سبتمبر 2014م انقلبت الميليشيات الحوثية على الشعب اليمني وعلى الشرعية اليمنية وقامت الأمم المتحدة الموجهة من قبل الولايات المتحدة بتقنين وتشريع هذا الانقلاب من خلال ممثلها جمال بن عمر.
وفي مصر كانت الاستراتيجية الأميركية تقضي بدعم تنظيم الإخوان المسلمين وهذه الاستراتيجية تستند على رؤية قُدمت للإدارة الأميركية بأن دعم الإخوان يُعد خيارا جيدا لتسهيل عملية السيطرة على منطقة الشرق الأوسط من خلال ولاية فقيه سنية في الدول العربية مقرها القاهرة وولاية فقيه شيعية مركزها طهران.
وفي سورية، التخاذل والتواطؤ الأميركي سمح للنظام السوري ولاحقاً لموسكو بسحق 400 ألف مواطن سوري وتهجير 12 مليونا وتدمير البنية التحتية لدولة عربية.
وفي يناير 2016م، وفي جلسة استماع دورية لإحدى لجان الكونغرس، اتهمت فيها المملكة العربية السعودية بأنها منبع الفكر الإرهابي في العالم.
وفي 19 فبراير 2016م قررت المملكة العربية السعودية وقف مساعداتها للبنان نظراً لسيطرة ما يسمى بـ”حزب الله” الإرهابي على مفاصل الدولة، وبعد هذا القرار ب 24 ساعة أعلنت الولايات المتحدة مساعدة الجيش اللبناني.
وفي 25 فبراير 2016م أوصى البرلمان الأوروبي بعدم تسليح المملكة بزعم استخدام القوة المفرطة في اليمن وقتل المدنيين (وإن كانت هذه التوصية غير ملزمة قانونياً لدول الاتحاد).
وبالأمس 3 يونيو 2016م تساوي الأمم المتحدة دول التحالف العربي والإسلامي في اليمن التي تستند على قرار مجلس الأمن 2216 بالانقلابيين بإدراجهم ضمن القائمة السوداء بحجة قتل المدنيين والأطفال، وللعلم فإن الأمم المتحدة لا تمتلك أي فريق تحقيق على الأراضي اليمنية ونسيت الأمم المتحدة أن تخاذلها عن القيام بواجباتها الدولية بمعيار واحد ودقيق كان سبباً رئيسياً في قتل الأطفال والمدنيين ليس في اليمن وحدها وإنما في كافة الدول العربية وفي مقدمتها سورية والعراق.
وفي لقاء مطول للرئيس أوباما (مارس 2016م) مع مجلة اتلاتنتيك الأميركية الأسبوعية وضح عقيدته التي سُميت ( OPAMA DOCTRINE) ومن أهم ما ورد في هذه العقيدة أن على الدول العربية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية قبول تقاسم النفوذ في المنطقة مع إيران.
الولايات المتحدة والدول التي شاركت في صياغة الاتفاق النووي مع إيران تسعى لتنفيذ الجزء الخاص بها في الاتفاق النووي لطمأنة إيران من خلال السماح لها بالتمدد في المنطقة على حساب الأمن القومي العربي (ومع كل هذه الضمانات ستمتلك إيران السلاح النووي).
تنظر الولايات المتحد الأميركية بأن (امتلاك إيران للسلاح النووي يهدد إسرائيل ولكن السماح لها بالتمدد على حساب الدول العربية يديم الصراع الفارسي العربي ويحفظ أمن إسرائيل).
العلاقات الإسرائيلية الإيرانية ممتازة وتمر بأفضل حالاتها في 2016م ومع ذلك ترى إسرائيل أن السلاح النووي خط أحمر لا يمكن السماح لإيران بامتلاكه ولا لأي دولة في المنطقة.
إبقاء المنطقة في حالة (صراع مقبول ومحدود) لا تتجاوز حدوده المنطقة الجغرافية للدول العربية بحيث لا يمتد لإسرائيل ولا لأوروبا هو هدف إستراتيجي للولايات المتحدة الأميركية في السنين المقبلة.
هذا الصراع سيسمح باستمرار حالة اللاسيطرة للطرفين (الفارسي والعربي) مع إعطاء أفضلية للهيمنة الإسرائيلية في المنطقة، وترى الولايات المتحدة الأميركية أن الصراع السني الشيعي أداة من أدوات الصراع العربي الفارسي الذي يجب استخدامه بشكل مثالي وهي تغذيه في العراق وسورية ولبنان واليمن.
هذا الصراع سيسمح باستمرار مبيعات السلاح الأميركية (غير المؤثرة في موازين القوى) في التدفق على منطقة الشرق الأوسط وخصوصاً على دول الخليج، والعكس صحيح، فمبيعات السلاح ستسمح باستمرار الصراع (المقبول والمحدود) ضمن المنطقة الجغرافية للدول العربية.
رغم ذلك استطاعت دول الخليج بقيادة المملكة ومن خلال قوات درع الجزيرة إحباط انقلاب البحرين، وتمكنت المملكة ودولة الإمارات الشقيقة من مساعدة مصر على حفظ أمنها واستقرارها وإفشال الاستراتيجية الأميركية فيها، وفي اليمن منعت عاصفة الحزم تنفيذ التوجيه الأممي بقيادة أميركا بسيطرة إيرانية كلية على اليمن.
البعض قد يتساءل، أليست الولايات المتحدة داعمة لدول التحالف في اليمن استخباريا ولوجستياً وفي الحصار البحري المفروض على الانقلابيين، نقول، بلى، ولكن بهدف مختلف (تقاسم النفوذ مع إيران) وهي الخطة الأميركية الثانية (PLAN B) بعد أن فشل مشروعها في سيطرة إيرانية تامة على اليمن (PLAN A).
الملاحظ أن الأحداث متسارعة جداً، والفترة الزمنية التي تفصل استهداف الدول العربية متقاربة لا يتجاوز 2-3 سنوات وهذا التقارب الزمني في استهداف الدول العربية يشير إلى أن استراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة شاملة ومتزامنة في كافة الدول وليست استراتيجيات منفصلة.
في ظل هذه المعطيات، وبالعودة إلى السرد التاريخي في بداية المقال الذي أراه ضرورياً لربط الأحداث ببعضها جغرافياً وسياسياً وعسكرياً وأمنياً، ولمعرفة الهدف النهائي للولايات المتحدة الأميركية من هذه الاستراتيجية بعيدة المدى، وأقول وبوضوح ان الهدف النهائي هو( المملكة العربية السعودية) ولماذا المملكة؟.
المملكة العربية السعودية هي التي تقود العالم العربي والإسلامي وترفض التطبيع مع إسرائيل إلا وفق المبادرة العربية التي تبنتها قمة بيروت، ووفق مبدأ الأرض مقابل السلام.
الولايات المتحدة وإسرائيل تريدان الوصول بالعالم العربي إلى وضع سياسي واقتصادي وعسكري ميئوس منه يسمح لها بإخضاع هذه الدول للمعادلة الجديدة.
المعادلة السابقة (الأرض مقابل السلام) وتسعى الولايات المتحدة لتحقيق المعادلة الجديدة (أمن الدول العربية مقابل الاعتراف والتطبيع الرسمي مع إسرائيل)، وترى الولايات المتحدة أنها لا تستطيع تحقيق هذه المعادلة دون إخضاع المملكة العربية السعودية، بإنهاكها بالصراع العربي الفارسي، واستخدام كافة الأدوات المتاحة ومن أهمها الطائفية، والتنظيمات الإرهابية والمتطرفة، وضغوطات المؤسسات الدولية الحقوقية.
الثقل الإسلامي والاقتصادي للمملكة العربية السعودية جعل منها هدفاً صعباً لا يمكن استهدافه مباشرة إلا بعد تكسير أجنحته بزعزعة أمن واستقرار الدول العربية وتمكين إيران من المنطقة.
ما هي الخيارات المتاحة أمام المملكة العربية السعودية لمواجهة هذه التهديدات المتصاعدة إقليميا ودولياً؟.
أكرم الله بلاد الحرمين بملك صالح عادل حازم ولا نزكيه على الله، وبولي عهد وولي ولي العهد مدركين للمخاطر والتحديات، متسلحين بطموح الشباب وبالحس الوطني والأمني وقبل ذلك متمسكين بكتاب الله وسنة نبيه، مدعومين بشعب واع ومحب لوطنه وأمته، معززين بوقفة الأشقاء في دول الخليج وفي العالم العربي وفي معظم العالم الإسلامي، إذاً فما هي الخطوات المطلوبة؟
1- تحويل رؤية 2030 إلى استراتيجية أمن وطني شاملة قابلة للقياس والتقويم والتطوير والتعديل.
2- إعطاء الأولوية القصوى لتطوير الصناعات العسكرية، فلا أرى ما هو أهم في رؤية 2030 من تطوير الصناعات العسكرية وكلنا نعلم وندرك أنه لا يمكن لأي دولة في العالم أن تحفظ أمنها الوطني، وتتخذ قراراتها السيادية دون أي ضغوطات ما لم تكن مصنعة لسلاحها وذخيرتها وقطع الغيار.
3- تعزيز وتقوية الجبهة الداخلية وتذليل أي عقبة تقف أمام تحقيق هذه الغاية.
4- مواجهة الحملة الدولية الشرسة التي تُشن على المملكة من قبل المؤسسات الدولية ووسائل الإعلام الغربية والشرقية.
5-التعامل بصرامة وحزم في مؤسسات التعليم، ونشر الوسطية والاعتدال التي تمثل منهج الدولة منذ توحيدها وحتى الآن.
6- الاستمرار بالتمسك والحفاظ على دعم وأمن استقرار مصر الشقيقة.
7- التمسك بالقرار 2216 وعدم الرضوخ لأي ضغوطات دولية فيما يخص الملف اليمني مهما كلف الثمن.
7- الارتقاء بمجلس التعاون إلى اتحاد خليجي ولو كان بمن حضر.
8- تفعيل دور القوة الناعمة للدولة وهي كثيرة والاستفادة من الطاقات المهدرة.
9- إجراء تغيير جوهري على أنظمة وإجراءات عمل سفارات خادم الحرمين ومنحها المساحة اللازمة من الحرية للمناورة لشرح والدفاع عن مواقف المملكة وتنفيذ خطوات دبلوماسية استباقية ضمن الإطار العام لسياسة الدولة.
- نقلا عن” الرياض”