قراءة في كتاب: “الوراقة في منطقة نجد”
الرياض – واس :
إعداد: مسعود المسردي
أنجز الباحث الدكتور: الوليد بن عبدالرحمن آل فريان، كتاباً يؤرخ لمهنة “الوراقة” في بلادنا منذ القرن التاسع وحتى القرن الرابع عشر الهجري بعنوان: “الوراقة في منطقة نجد”.
وجاء هذا العمل الصادر من “دارة الملك عبدالعزيز” في 237 صفحة مقسمة على ثلاثة فصول عن معنى الوراقة وأقسامها وفضلها وعناية العلماء بها، ثم عن أدوات الوراقة من أوراق وأحبار وأقلام، مع إلماحة عن الوراقين منذ القرن التاسع وحتى القرن الرابع عشر الهجري، بالإضافة إلى إيراد نماذج مصورة لبعض المخطوطات المنسوخة من قبل “الوراقين” في نجد.
واستهل الباحث كتابه بتعريف “الوراقة”، مبيناً المقصود بها الاشتغال بالنسخ في الورق وخاصة نسخ الكتب العلمية، سواء كانت تجارية أو تعليمية أو خيرية، مبيناً أن الوراقة في البلاد السعودية وفي منطقة نجد على وجه خاص تتمتع بتاريخ عريق ورصيد كبير يشهدان بما كانت عليه من رواج وازدهار، وما كان عليه أهلها من عناية واهتمام بالعلم والتعليم منذ عصور بعيدة، مما يدع الحاجة ماسة إلى بيان جهود علماء أهل هذه البلاد في نشر العلم وخدمته، ومعرفة أحوال “الوراقين”، والاستفادة من نتاجهم في تحقيق التراث الإسلامي، وإبطال مزاعم من يقول: إن هذه المنطقة لم تعرف العلم والتعليم إلا في عصور متأخرة.
وأوضح أن جمعاً كبيراً من العلماء اشتغل “بالوراقة”، واتخذها مهنة وصناعة حتى عرف بالوراق؛ لكثرة ممارسته لهذا العمل من أجل نشر العلم، والمحافظة على الكتب من الاندثار، ونفي الأغاليط وتصرفات النساخ من غير ذوي الأمانة والديانة، ثم من أجل الاستغناء عن الوظائف والتعفف عن الوقوف بأبواب ذوي الأموال.
وسرد الباحث اسم 25 وراقاً ممن وقف عليهم من “أهل نجد” منذ القرن التاسع حتى الحادي عشر الهجري، ذاكراً أنه لم يبق من كتبهم إلا القليل ومنهم: عبدالله بن شفيع، وحسن بن علي بن بسام الذي كتب كتباً كثيرة وكان فائق الخط، ومحمد بن فضل بن شمس، وعبدالله بن محمد بن غانم الذي نسخ “شرح منتهى الإيرادات للنجار”، وزامل بن موسى بن سلطان، ومحمد بن خلف ناسخ كتاب: “الشفاء” للقاضي عياض، ومحمد بن عبدالله بن سلطان الذي نسخ “مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي” وغيرهم.
وجاء في الكتاب أن نشاط الوراقين في (نجد) اتّسع في القرن الثاني عشر الهجري؛ نظراً لازدياد عدد العلماء وكثرة المتعلمين ومنهم: فوزان بن محمد بن بريد الذي نسخ كتباً في (الحساب)، وعبدالرحمن بن شعيب الذي نسخ مخطوطة: “سيرة ابن هشام”، وحسن أبا حسين الذي ذكر عنه أنه نسخ كتباً كثيرة وكان خطه جميلاً ومتقناً، وأحمد القصير، وأحمد المنقور وقد وجدت كتباً كثيرة بخطه، وعجلان الحيدري، ومحمد بن حسن بن عفالق، وعبدالرحمن السحيمي كاتب المصاحف المشهور في بلدة “أشيقر”، ودخيل الله الأحسائي وهو ممن عرف بكثرة النسخ، ومن الكتب التي نسخها: “شرح الإقناع للبهوتي”، و “التصريح للأزهري”، و “العلو للذهبي”، وغيرها.
وفي القرن الثالث عشر الهجري برز حميدان بن تركي، وإبراهيم اليوسف، ومحمد بن عبدالوهاب العالم المعروف الذي نسخ مخطوطة: “زاد المعاد لابن القيم”، و “صحيح البخاري”، وغيرها، و محمد بن عبدالرحمن بن عفات ناسخ “ألفية ابن مالك”، ومرشد بن يحيى بن مانع، وأحمد بن سالم بن خضر، وعبدالله بن درويش، وعبدالله بن محمد بن عيسى من “أهل القويعية”، وكان خطه في غاية الحسن، ونسّاخون آخرون كثر حفل بذكرهم الكتاب.
أما في القرن الرابع عشر الهجري فقد اتسعت (الوراقة) في “نجد” اتساعاً كبيراً؛ بسبب كثرة المتعلمين، و وفرة وسائل الكتابة، وتوجه البلاد نحو الوحدة والاستقرار، ولم يكن وصول الكتب المطبوعة من البلدان المجاورة في مستهل ذلك القرن حائلاً بين طلاب العلم والكتابة؛ إلا أن اكتمال وحدة البلاد، وكثرة المطابع في البلاد الإسلامية، وتوافر الكتب المطبوعة، ثم وصول آلات الطباعة بعد ذلك أدت كلها إلى اضمحلال (الوراقة اليدوية)، ومع ذلك فقد كان هناك وراقون يشتغلون “بالوراقة اليدوية”، وتجلت فيهم مهارة الكتابة، والصبر على النسخ، وإيثار العلم، والحرص على سلامة المنسوخ من الغلط والتحريف. ومن أولئك على سبيل المثال: حمد بن عتيق، و عبدالرحمن بن مقيم، و خلف بن هدهود، و عبدالله بن عائض الذي نسخ كتباً كثيرة وكان يتعيّش بالنسخ، و محمد بن فنتوخ، و محمد الصقعبي، و سليمان الدامغ الذي نسخ شرح مخطوطة: “البرهانية لابن سلوم”، و شكر بن حسين الذي نسخ العديد من المؤلفات منها: “المدهش لابن الجوزي”، و حمد بن فارس، و سعد بن حمد بن عتيق الذي أتم كتابة “تجريد التوحيد للمقريزي” سنة 1304هـ. وغيرهم.
يذكر أن العديد من الأبحاث المحكّمة تطرقت إلى مهنة “الوراقة” في (نجد) ومنها: “الوراقة والوراقون في نجد” الذي أعده منصور الرشيد ونشر في (مجلة مكتبة الملك فهد) في مجلدها السادس عام 1421هـ، و “عبدالله بن إبراهيم الربيعي – أنموذجاً من نماذج التوثيق النجدي”، الذي أعده راشد بن سعد القحطاني، ونشر في العدد السادس من (مجلة الدرعية) عام 1420هـ.