المجمع الفقهي الإسلامي يصدر قرارات وبيانات في عددٍ من القضايا والمستجدات في ختام دورته الـ 23
الرياض – واس :
اختَتمت أعمال الدورة الـ 23 للمجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي التي استمرت 3 أيام في الرياض، بمشاركة كبار علماء وفقهاء العالم الإسلامي، بإصدار عددٍ من البيانات والقرارات بخصوص مجموعة من القضايا والمستجدات بعد دراستها دراسةً وافيةً وشاملةً وتداول الرأي حولها وَفقًا لمنهجية علمية مُنضبطة على أيدي علماء وخبراء متخصِّصين في مختلف المجالات.
ورفع معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي نائب رئيس المجمع الفقهي الإسلامي الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، الشكر والتقدير لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين – حفظهما الله – على ما قدما ويقدمان للإسلام والمسلمين، مثمِّنًا الجهود التي بذلها مفتو الأمة الإسلامية وعلماؤها واللجنة العلمية والباحثون والخبراء، وما قدموه لإنجاح هذه الاجتماع الفقهي المهم.
وأصدر المجمع بيانًا بشأن “الحكمة في الدعوة إلى الله وتأليف القلوب”، مبيِّنًا أنَّ الحكمة في الدعوة إلى الله هي: “وضع الدعوة في موضعها، ودعوة كل أحد بحسب ما يليق بحاله ويناسبه، ويكون أقرب لحصول المقصود منه، وقد أمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام بالالتزام بها في قوله تعالى: ((ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ))”.
واستنكر المجمع ما يصدر عن البعض من الإساءة لأتباع الأديان والنَّيل من مقدساتهم المفضـي إلى محاربة الإسلام والإساءة إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، عمَلًا بقوله تعالى: ((وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)).
كما أصدَرَ المجمع الفقهي الإسلامي بيانًا عن “حق تعليم المرأة في الإسلام”، أوضح فيه أنَّ الإسلام هو دين العلم والحضارة، حيث اُستُهِلَّتْ آيات القرآن في تنزُّلها بنداءٍ إلهيٍّ كريمٍ هو قوله تعالى: ((اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ))، مؤكداً أنَّ الله أوجب على المسلمين التعلُّم بقدر طاقتهم وحاجتهم أفرادًا ومجتمعات، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «طَلَبُ العِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ»، وهو تكليفٌ يشمل الرجال والنساء.
وأوصى المجمع الفقهي في بيانه جميعَ المسلمين في أنحاء العالم بتمكين النساء من تعلُّم العلم النافع في مجالاته المتعددة، وعدم حرمانهنَّ من ذلك، حتى يؤدينَ دورهنَّ المنوط بهنَّ في خدمة مجتمعاتهنَّ وأوطانهنَّ.
وأصدر المجمع بيانًا بشأن “منح المسلمين خارج دول العالم الإسلامي إجازاتٍ في أيام الأعياد”، ناشد فيه الحكومات والبرلمانات خارج دول العالم الإسلامي، بالعمل على منْح المسلمين المقيمين فيها إجازات في أيام عيدي الفطر والأضحى؛ أسوةً بما يتمتع به غير المسلمين في أعيادهم.
وأكَّد أنَّ هذا المطلب إنساني وحقوقي؛ تحقيقًا لمفهوم المواطنة المتساوية التي تنعكس إيجابًا على مستقبل التعايُش الديني والوئام المجتمعي.
كما أصدر المجمع بيانًا بشأن “المنصات الإلكترونية الرسمية الخيرية في المملكة العربية السعودية”.
وأوصى المجمع في البيان المسلمين -المواطنين والمقيمين- بالمملكة بدفع زكواتهم وصدقاتهم إلى هذه المنصات الموثوقة التي تعلن عنها الدولة؛ لتصل إلى المستحقين لها، مؤكِّدًا أنَّ التعامُل مع المنصات المذكورة من شأنه ضبط عمليات التبرع، والمحافظة على الأموال؛ حتى تصل إلى مستحقيها بصفة آمنة ورسمية.
وفي بيانٍ عن “الشذوذ الجنسي”، أكَّد المجمع الفقهي الإسلامي، أنه يتابع – بألمٍ بالغٍ – الحملات التي تصدُر من بعض الدول والكيانات والأفراد في تشـريع الشذوذ الجنسـي وتسويغه، ومحاولة فرض هذا التوجُّه على الشعوب والأمم، بزعمهم أن هذا الفعلَ مندرجٌ ضمن الحرية الشخصية للأفراد.
وأدان المجمع هذه الحملات المغرضة؛ لإشاعة هذه الجريمة المنكَرَة والتي تخالف الفطرة الإنسانية السويَّة، وتهدِم القيم الأخلاقية، وتُصادم التشـريعات الإلهية لجميع الأنبياء والرسل عليهم السلام.
وأكَّد المجمع أنه من واجب الدول التصدي لهذه الظاهرة، ومحاربتها، وعدم إقرارها مهما كانت المبررات التي يُنادى بها، داعيًا القائمين على المؤسسات التربوية، ووسائل الإعلام، والمنصات الإعلامية، ووسائل التواصل الاجتماعي، إلى القيام بواجبهم في تحصين الناشئة من هذه الانحرافات الخطيرة.
وأشاد المجمع بمواقف الدول الإسلامية وغيرها المندِّدة بالشذوذ الجنسـي، مناشدًا دول العالم كافة ومنظماته ولا سيما الحقوقية منها اتخاذ موقف مماثل لرفض هذه الدعوات المشينة.
وأصدر المجمع بيانًا بشأن “حكم التحوُّل الجنسي”، وبياناً بشأن “استخدام الذكاء الاصطناعي”، مبيِّنًا أن الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين، فإن استُخدِم الاستخدامَ الصالح الذي فيه نفْع للبشـرية بعيدًا عن المحذورات الشـرعية، فهو جائز شرعًا، وأما إن استُخدم للمفسدة، كتزوير الأصوات والصور، والخداع، وإلحاق الضـرر بالغير ونحو ذلك من المفاسد الأخلاقية، فهو محرَّم شرعًا. وإلى جانب هذه البيانات المهمة، أصدر المجمع الفقهي الإسلامي أيضًا عددًا من القرارات، وذلك بعد دراسة جملةٍ من القضايا والنوازل، دراسةً مستفيضةً لتوضيح الصورة الصحيحة لها قبل بيان الحكم الشرعي فيها، الذي سيكون نبراسًا يَسترشِد به المسلمون حول العالم في تعاملاتهم. وشملت قراراتٍ بشأن “المتاجرة في العملات عبر الوسائل الحديثة بما في ذلك المنصات الإلكترونية”، و”إثبات رؤية الهلال عن طريق تقنية (كاميرا سي سي دي)”، وهي عبارة عن كاميرا متطورة تُرَكَّب على التلسكوب، وتُستخدم في التصوير الفلكي، وكذلك “تحميل الجاني تكاليف علاج المجني عليه”.
كما أصدر قراراتٍ بشأن “تغيير شرط الواقف للمصلحة والتصرف فيما زاد من ريع الوقف”، و “حكم تكميم المعدة”، وهو إجراء طبي جراحي يتم من خلاله استئصال جزء من المعدة، أو تحويل مسار الطعام إلى الأمعاء الدقيقة مباشرة، وكذلك “السفر إلى بلاد يَقْصُر فيها النهار لأجل الصوم بها”، وقضية “استثمار أوقاف الجهات الخيرية”، و “الحِيَل في عدم دفع الزكاة”، التي يُقصد بها إسقاط الزكاة أو تقليلها عن العبد بواسطة مشـروعة في الأصل، و”استخدام الشاشات الضوئية في الصلاة والخطب”، إضافة إلى “الدفن في أماكن مخصصة للمسلمين في إطار السُّور العام للمقبرة غير الإسلامية”. يُذكر أنَّ “المجمع الفقهي الإسلامي” يُعنى ببيان الأحكام الشرعيَّة التي تُواجِه المسلمين من مشكلاتٍ ونوازل، وإبراز سعة وتميز الفقه الإسلامي وقدرته على ضوء نصوصه وقواعده الشريعة على التصدي لكافة المستجدات الفقهية.