موروث “الصقارة”.. تراثٌ يستهوي عشاق الصيد والصقور بمنطقة الجوف
سكاكا – واس :
إعداد / عبدالعزيز الحموان
تصوير/ أحمد الشمري
مع اقتراب نهاية موسم الصيد بالصقور، يبدأ “صقارة الجوف” الاستعداد لفترة “المقيض” التي تتيح فترة استراحة طويلة للصقور لحين بدء موسم الصيد الجديد مع بواكير الشتاء المقبل.
وتعد “الصقارة” هواية ورياضة تجمع نحو 500 من الصقارين في منطقة الجوف، يشرفون على تربية أكثر من 1000 صقر من مختلف الأنواع، حيث تعد صحاري الجوف وشمال المملكة من المناطق المفضلة –كطريق- لهجرة الطيور من آسيا وشرق أوروبا نحو أفريقيا والشرق الأوسط في موسم الشتاء، وتجذب هواة القنص والصيد بالصقور.
فترة المقيض ومواسم الصيد
يقول الصقار خالد عبدالرحمن الربيع: “تمتد فترة “المقيض” نحو 7 أشهر من مارس إلى أكتوبر، ويستبدل الصقر خلالها الريش القديم عبر عملية تسمى “القرنسة”، ويحتاج خلال هذه الفترة للعناية والتغذية والعيش في مكان مناسب، ليبدأ الاستعداد لموسم الصيد مع مطلع شهر أكتوبر من كل عام، وهي مرحلة تسمى “نقلة الطير”.
ويكمل الربيع حديثه: “تكمن أهمية فترة “نقلة الطير” في تجهيز الصقر لموسم الصيد واستعادة لياقته كونه يمضي في المقيض بضعة أشهر من الخمول دون تدريب أو خروج للصيد، وينطلق موسم الصيد في بداية نوفمبر ويستمر حتى نهاية يناير فيما تتخلل الفترة ما بين فبراير ومارس بعض الأنشطة والمسابقات الداخلية والدولية إلا أن بعض “الصقارة” يواصل النشاط مع طيوره لعدة أشهر حرصًا على الاستمتاع بممارسة هوايته لأطول فترة”.
ويلتقي عشاق الصقور بشكل يومي في مكان يسمى “مدعى الطيور”، ويحتاج ذلك إلى حمام و “ملواح” من أجل الحفاظ على لياقة الصقر والرفع من كفاءة أدائه، وتشتهر عدة مواقع على مستوى منطقة الجوف بأنها أمكنة لتجمع الصقارين خلال الموسم، مثل موقع (مدعى الصقور) شرق سكاكا، حيث يتلقون لممارسة هوايتهم ونقل هذا التراث للناشئة والشباب، كما يتطلعون لإقامة مهرجانات خاصة بالطيور في المنطقة.
و “الصقارة” ترمز للشجاعة والقوة عند العرب، حسبما ذكر الصقار فواز نايف العويضة، مبينًا أن هذه الهواية نشأت منذ زمن قديم، وعرفت في الجزيرة العربية وبلاد الرافدين وآسيا وأوروبا، وهي بمثابة مسابقة رياضية، لها أنظمتها في بعض الدول.
ويقوم الصقارون بصيد الصقر نفسه أحيانًا، ومن ثم يتم ترويضه حتى يشعر بالألفة ويأنس إلى الصقار، تليها مرحلة تدريب الصقر على الصيد، وبعد اكتمال ترويضه وتدريبيه، يُترك له المجال للتحليق بحرية.
ويقول الصقار عبدالمصلح فايز النادي: “تصطاد الصقور طرائد متنوعة تشمل الحيوانات الصغيرة مثل: الأرانب، وكذلك الطيور كالحباري وغيرها، وهناك عشرات الأنواع من الصقور عالميًا”.
ويتميز الصقر بحدة البصر والقدرة على تحديد الطرائد من ارتفاعات عالية كما يحلق لمسافات قبل أن ينقض على الطريدة بسرعة خاطفة قد تصل إلى 200 كلم في الساعة، وأوضح النادي أن الصقارين في منطقة الجوف يمتلكون عدة أنواع من الصقور، من أبرزها (الحر، والشاهين، والجير)، ويضم كل نوع فصائل فرعية قد تختلف مسمياتها باختلاف المناطق، مشيرًا إلى أن الصقر يحتاج لعناية إذ يصاب ببعض الأمراض من الديدان والطفيليات والتهاب العين وغيرها.
تراث سعودي وعالمي
وتجسد هواية “الصقارة” الموروث السعودي وثقافة الجزيرة العربية، ورمز شموخ وفخر واعتزاز بالهوية والقيم الأصيلة، وتقاليد تتناقلها الأجيال عن الآباء والأجداد، وبحسب وزارة الثقافة تعد “الصقارة” هواية وهوية، من عناصر الثقافة السعودية، تحمل دلالات ورمزيات اجتماعية وثقافية، وتحكي حكاية صداقة بين الصقر والصقار، كما أنها إرث عالمي حيث تم تسجيل “الصقارة” في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي في عام 2016م.
ويتجسد اهتمام المملكة والمواطنين بهذا الموروث في عددٍ من الفعاليات منها كأس العُلا للصقور، الذي أقيم مؤخرًا كحدث سعودي عالمي، تنافس فيه أكثر من ألفي متسابق في مسارات “كأس العُلا للصقور” للظفر بالجائزة الأغلى البالغة 60 مليون ريال.
ومن أبرز فعاليات الصقور التي تقام في المملكة كذلك معرض الصقور والصيد السعودي الدولي، والمزاد الدولي لمزارع إنتاج الصقور، ومزاد نادي الصقور السعودي، ومهرجان الملك عبدالعزيز للصقور.