الخصخصة في أوزبكستان .. قاطرة النمو الإقتصادي
طشقند – خالد الجعيد:
نحجت جمهورية أوزبكستان في إحتلال المستوى الأعلى لأكبر إقتصاد في منطقة آسيا الوسطى، حيث يزيد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي عن 1.8 ألف دولار. وخلال الفترة السابقة للجائحة، توقف نمو الإقتصاد عند مستوى 5 ٪. وفي عام 2020 أصبحت أوزبكستان أحد الدول القليلة التي تمكنت من الحفاظ على معدلات النمو الإيجابية والتي انخفضت إلى 1.6 ٪. وقد تحقق هذا الأمر بفضل تنفيذ التدابير الخاصة بمواجهة الأزمة الاقتصادية بما في ذلك إنشاء صندوق مكافحة الأزمات ودعم الفئات محدودة الدخل من السكان والشركات.
في عام 2021 قام البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية برفع توقعاته للنمو الاقتصادي لأوزبكستان من 4.5٪ إلى 5.6٪. وما زالت مستمرة الإصلاحات الهيكلية التي بدأت منذ ما يقرب من خمس سنوات نحو الاقتصاد المفتوح وتحرير التجارة. ونالت اعترافا بها على نطاق واسع من قبل المنظمات الدولية المرموقة. وعلى وجه الخصوص البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية “Doing Business 2020″ حيث وصل ترتيب أوزبكستان في المرتبة 69 وفق تقرير البنك الدولي , وأفضل 20” دولة في العالم من حيث حجم وفعالية الإصلاحات التي جرى تنفيذها.
في هذا العام تم إدراج أوزبكستان لأول مرة ضمن مؤشر القيود التنظيمية على الاستثمار الأجنبي المباشر لمنظمة التعاون الاقتصادي الأوروبى وهذا المؤشر يمثل درجة انفتاح إقتصاد مختلف البلدان على المستثمرين الأجانب.
وبفضل التحسينات المؤسسية والإصلاحات الواسعة في مجالات الاستثمار والاقتصاد والتعاون الفعال للوزارات والإدارات ذات الصلة لتحسين بيئة الأعمال ومناخ الاستثمار احتل أوزبكستان ترتيب متقدم ضمن المستوى المتوسط لمؤشرات دول منظمة التعاون الاقتصادي الأوروبي. بالإضافة إلى ذلك استطاعت أوزبكستان تحسين مكانتها في مؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2021 حيث كان ترتيبها 108 من أصل 178 متقدمة بستة مراكز. ويشكل مستوى الحرية الاقتصادية في أوزبكستان 58.3 نقطة من أصل 100.
ولأول مرة منحت وكالة التصنيف الدولية Moody’s أوزبكستان تصنيف B1 مما رفع التوقعات إلى “إيجابي”. وقبل ذلك كانت التوقعات توصف بأنها “مستقرة” أو “سلبية”. وتشهد هذه الحقيقة أيضا على فعالية الإصلاحات المؤسسية والسياسية الرامية إلى التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد.
يمضى النمو المتواصل للاقتصاد بفضل التوسع في العلاقات التجارية وتحسين العلاقات مع دول الجوار في آسيا الوسطى والصين والاتحاد الأوروبي وكذلك توسيع دائرة أنواع صادرات المنتجات الأوزبكية على نطاق جغرافيتها.
وسوف يؤدي دخول أوزبكستان إلى برنامج التفضيلات التجارية للاتحاد الأوروبي (GSP +) “المنظومة العامة للتفضيلات +” الذي تمت الموافقة عليه في عام 2021 إلى زيادة صادرات المنسوجات إلى الاتحاد الأوروبي وذلك من 150 مليون يورو في عام 2022 إلى مليار يورو بحلول عام 2025.
وقد أظهرت السنوات الثلاث الماضية أن جمهورية أوزبكستان تتمتع بفرص عالية للغاية للتنمية الاقتصادية وهذا ما تؤكده بعض العوامل مثل ارتفاع معدلات النمو للناتج المحلي الإجمالي وزيادة مستوى الحرية الاقتصادية لأصحاب المشاريع والمستثمرين والاستقرار المالي للدولة والنهوض بالقدرة التنافسية للبلاد عبر تحفيز الاستثمار الخاص في إنشاء الصناعات ذات التكنولوجيا الفائقة.
وباعتباره جزءا من الإصلاحات الجارية تم القضاء على تعدد أسعار الصرف والقضاء على سوق الصرف الأجنبي غير الشرعي. ويتمتع الآن كل مستثمر بالقدرة على تحويل العملات الأجنبية بلا قيود من خلال البنوك المعتمدة. بالإضافة إلى ذلك تم إلغاء البيع الإلزامي لعائدات الصادرات من النقد الأجنبي لجميع الكيانات الاقتصادية في أوزبكستان من أجل مواصلة تسهيل نظام حركة النقد الأجنبي. ويسمح هذا الإجراء للشركات الخاصة بالتصرف بحرية في أموال النقد الأجنبي التي تتلقاها في حساباتها.
وفي بداية هذا العام منحت الحكومة المستثمرين تسهيلات حيث تم إلغاء 70 من 266 نوعا من التراخيص بالإضافة إلى 35 من أصل 140 نوعا من التراخيص. وتخفيض مدة الإنتظار إلى النصف تقريبا للمواعيد النهائية لتسجيل تراخيص 14 نوعا من الأنشطة.
في سبيل النهوض بكفاءة قطاعات الدولة للاقتصاد تم تطوير هيكل مجلس الوزراء وقطاع الطاقة والتعدين والصناعات في مجال الطيران. كما تم إنشاء وكالات منفصلة لإدارة أصول الدولة وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر و تشكيل لجان مكافحة الاحتكار والفساد. وقد زادت هذه الإجراءات بشكل كبير من كفاءة القطاعات الرئيسة للاقتصاد وكذلك الأجهزة الحكومية ككل.
وبهدف تحقيق التحول الجذري في القطاع المصرفي تم اعتماد “استراتيجية إصلاح النظام المصرفي لجمهورية أوزبكستان لفترة السنوات 2020-2025” والتي تتناول تحفيز تطوير القطاع الخاص والنهوض بجذب الاستثمار إلى البنوك ورفع جودة الخدمات المصرفية.
وتعتبر الإصلاحات في نظام خصخصة قطاع الأراضي مهم وتعريف وضعها القانوني باعتبارها ملكية وكيان خاص صالح للتداول المدني. وطبقا لقانون “خصخصة الأراضي غير الزراعية” الذي تم اعتماده في مارس لهذا العام يمكن القيام بخصخصة قطع الأراضي في شكل الاستحواذ والبيع من خلال المزاد الإلكتروني على شبكة الإنترنت فورا وحقوق الملكية الخاصة لقطع الأراضي المخصخصة مصان.
لقد أصبحت عملية خصخصة الشركات المملوكة للدولة في أوزبكستان اليوم تمثل القاطرة للمرحلة التالية من النمو الاقتصادي. والهدف الرئيسي هو توسيع مشاركة رأس المال الخاص في أقرب وقت ممكن وتقليص مشاركة الدولة في الاقتصاد والتحسين المستمر للبيئة التنافسية.
على وجه الخصوص وفي إطار التحول إلى آليات السوق لبعض الصناعات والشركات الكبرى وذلك فيما يتصل بأكثر من 620 من أصول الدولة يجرى النظر في إجراء التحول وطرحها للمزاد العلني وبيعها للقطاع الخاص.
في أكتوبر عام 2020 كشفت أوزبكستان النقاب عن برنامج الخصخصة الواسع والذي سوف يشهد تحول بعض أكبر الشركات في البلاد كليا أو جزئيا. وتضمنت القائمة تلك الشركات مثل: الشركة الأوزبكية للنفط والغاز وشركة تعدين الذهب واليورانيوم “شركة نافوى للتعدين” و”شركة الطيران للحجز السريع وشراء بطاقات السفر” و”الشركة المساهمة لخطوط سكك حديد آسيا الوسطى” وشركة صناعة السيارات “أوز أوتوسنوات”.
وطبقا لوكالة إدارة أصول الدولة فقد تم بيع ممتلكات الدولة في النصف الأول من عام 2021 بحوالي 105 مليون دولار. للمقارنة، بلغ ناتج الخصخصة على مدى السنوات الأربع الماضية 150 مليون دولار. في الوقت نفسه جرى إلغاء ممارسة بيع المرافق المملوكة للدولة بقيمة استرداد “صفرية”.
وقد أثمرت الإصلاحات الجارية عن تزايد تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر بصورة مطردة. بالنسبة للمستثمرين الأجانب تم إقرار عدد من التسهيلات الجمركية والضريبية بالإضافة إلى نظام الدخول والخروج والإقامة في البلاد وشروط علاقات العمل والقيام بالأنشطة المالية والائتمانية وغيرها من المزايا والتفضيلات.
وينصب الاهتمام الخاص نحو تحسين مناخ الاستثمار والأعمال وتعزيز حماية حقوق ومصالح المستثمرين الأجانب والمحليين على حد سواء. ويتم تعزيز القاعدة المؤسسية في هذا المجال كما يجرى تطوير مؤسسات محاكم التحكيم الدولية التي تضمن سيادة القانون والوفاء الصحيح بالالتزامات التي تتحملها الدولة والمستثمرون.
بالإضافة إلى الوسائل القانونية القائمة لحماية حقوق وضمانات أنشطة المستثمرين المحليين والأجانب, تواصل الدولة إدخال الآليات الجديدة لحماية الحقوق والمصالح المشروعة لأصحاب المشاريع. وضمن العديد من التغييرات الإيجابية التي حدثت في السنوات الأخيرة في هذا المجال، يمكن الإشارة إلى مؤسسات التظلمات التجارية التابعة لرئيس أوزبكستان ومكاتب استقبال رئيس الوزراء للنظر في مطالب رواد الأعمال والتي جرى إقامتها بمبادرة من رئيس الدولة.
بفضل الإصلاحات الجارية، تتزايد حصة الاستثمار الأجنبي في مختلف قطاعات اقتصاد أوزبكستان. ويجري تنفيذ المشروعات الكبرى في قطاع الطاقة – في العام الماضي فازت “مصدر الإماراتية” وTOTAL Еren”” (توتال إرين) الفرنسية بمناقصة بناء محطتين للطاقة الشمسية بسعة 100 ميجاواط وذلك على أساس الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
من المهم أيضا ملاحظة أن جمهورية أوزبكستان تمثل أحد دولتين في العالم غير ساحليتين لا يتمتعان بمنافذ بحرية وتحدها بصورة استثنائية تلك البلدان التي لا تتمتع بدورها بمنافذ إلى المحيطات. لذلك، في سبيل ضمان معدلات النمو الاقتصادي العالية، تظهر ضرورة إنشاء منظومة النقل اللوجستية الفعالة والمتطورة التي يمكنها تسهيل اندماج البلاد في نظام التجارة الدولية. وفي هذا الإطار، تتخذ الحكومة التدابير واسعة النطاق لتسريع وتيرة تطوير منظومة النقل وإمكانيات العبور في البلاد. فعلى وجه الخصوص يجرى إدخال التكنولوجيا المبتكرة في هذا المجال كما يجري تبسيط الإجراءات التجارية، وتحسين كفاءة الإجراءات عبر الحدود والاستخدام المتكامل لإمكانيات النقل والعبور.
يجري تعزيز الإطار المؤسسي والتنظيمي في المجال المذكور. وعلى وجه الخصوص تم بموجب مرسوم صادر عن رئيس أوزبكستان بتاريخ 1 فبراير 2019 إنشاء وزارة النقل التي تم تعريفها باعتبارها هيئة حكومية لتطوير وتنفيذ سياسة الدولة الموحدة في تطوير مرافق الطرق والسكك الحديدية والنقل الجوي والنهري وشبكة المترو.
في الوقت نفسه، تدرك أوزبكستان جيدا أن تنشيط الاستثمار الخاص يتطلب تحرير نشاط ريادة الأعمال ودعم الحوار المستمر مع رجال الأعمال والاجتهاد في العمل لبلورة وتجاوز الحواجز التي تعيق تطوير مختلف القطاعات. وسوف يتم دفع النشاط الاستثماري والنهوض به عبر تطوير أدوات الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتمويل المشاريع ومن أجل تحقيق الإصلاحات بصورة نوعية عالية والحفاظ على معدلات النمو الاقتصادي العالية المستقرة فمن الضروري انتهاج الاستراتيجية الفعالة لتطوير القطاع المصرفي والمالي.
وتحرص قيادة وحكومة أوزبكستان على تحقيق تلك الأهداف المرجوة المحددة ويتواصل العمل في إقامة النموذج المستدام والتنافسي لاقتصاد البلاد.