الذكاء الاصطناعي طوفان يجتاح العالم
وكالات – سويفت نيوز:
نجح البشر خلال العام الجاري في تحويل الذكاء الاصطناعي إلى جسر للعبور نحو المرحلة الأولى من عصر «النقطة الفارقة التكنولوجية» فيما يجتاح طوفان الذكاء الاصطناعي العالم عبر جيل جديد من الذكاء الاصطناعي أكثر ذكاءً وسرعة فيما تواكب الإمارات هذه المتغيرات وتتطلع إلى تعزيز مكانتها الريادية في الذكاء الاصطناعي عالمياً بحلول2031.
ويعتبر عالم الرياضيات والكمبيوتر الأمريكي فيرنور فينج أول من استخدم مصطلح «النقطة الفارقة التكنولوجية» في مقالة كتبها عام 1993، بعنوان «النقطة الفارقة التكنولوجية القادمة: كيفية البقاء في عصر ما بعد الإنسان». وفيها يتخيّل فينج دخول البشرية في زمن يصبح فيها الذكاء الاصطناعي غير قابل للسيطرة ولا رجوع فيه، ما يؤدي إلى تغييرات غير متوقعة في الحضارة الإنسانية، بعد أن يصبح كل جيل جديد من الذكاء الاصطناعي أكثر ذكاءً وسرعة بكثير من سابقه، مما يتسبب في «انفجار» في الذكاء ينتج عنه ذكاء خارق قوي نوعي يفوق بكثير كل الذكاء البشري.
ولنا أن ندرك أن البشرية قد تقف فعلاً اليوم على أعتاب زمن تلك النقطة بعد أن نعلم أن نسخة الجيل الرابع من أداة الذكاء الاصطناعي «جي بي تي» المسماة GPT-4، هي قادرة اليوم على التعامل مع 100 تريليون نقطة – أو معلم – من البيانات، وهذا العدد يساوي تقريباً عدد الخلايا العصبية الموجودة في دماغ الإنسان. والمرعب في الأمر أن الإنسان لا يستخدم سوى جزء بسيط من تلك الخلايا، في حين أن GPT-4، يستطيع التعامل مع كافة نقاط بياناته في وقت واحد.
بل ربما المرعب حقاً، تصوّر ما يمكن للأجيال المقبلة من «تشات جي بي تي» فعله، خصوصاً عندما نعلم أن الجيل الرابع منه يمكن له أن «يهلوس» أو أن يضخم الصور النمطية لأناس عاديين، وكذلك توليد معلومات مضللة واقعية تهدف إلى الخداع.
انتشار سريع
وفي يناير الماضي، وبعد شهرين فقط من إطلاقه أواخر نوفمبر 2022 وصل عدد مستخدمي «تشات جي بي تي» إلى 100 مليون مستخدم نشط شهرياً، لتصبح أداة الذكاء الاصطناعي هذه «الأسرع استخداماً في تاريخ الإنترنت»، وذلك وفقاً لدراسة حديثة لبنك «يو بي اس» السويسري، وفي غضون أسابيع فقط فاق استخدام «تشات جي بي تي» أشهر منصات التواصل الاجتماعي مثل «تيك توك» و«انستغرام» اللذين احتاجا إلى 9 أشهر وعامين ونصف العام على التوالي، للوصول إلى ذلك الرقم.
تحليل الأسئلة
ويستطيع «تشات جي بي تي» وهو روبوت محادثة تم إنشاؤه بواسطة شركة «أوبن ايه اي» OpenAI في سان فرانسيسكو، تحليل الأسئلة والطلبات وتوفير إجابات بسرعة ووضوح كبير بطريقة «الذكاء الاصطناعي التوليدي». وفي حين أن العديد من روبوتات المحادثة لا تعرف سوى كيفية الرد على كلمات رئيسية أو محفزات معينة، يمكن لـ«تشات جي بي تي» الرد على الأسئلة المعقدة وإخراج إجابات شاملة بطول المقالة حول أي موضوع تقريباً.ولدى سؤالنا «تشات جي بي تي» عن أسباب انتشاره كالنار في الهشيم في وقت قصير جداً، يجيب «تشات جي بي تي» بعبارات منمقة: «أصبح استخدامي شائعاً في وقت قصير لأنني نموذج لغة حديث قادر على توليد استجابات كتلك الشبيهة بالبشر لمجموعة متنوعة من الطلبات. وتعتمد هيكلتي على GPT-3.5، الذي يعتبر أحد أقوى نماذج معالجة اللغة الطبيعية المتوفرة اليوم وأكثرها تقدماً».
بيانات نصية
ويتابع أن «أحد الأسباب الرئيسية لشعبيتي أنه تم تدريبي على كمية هائلة من البيانات النصية، ما سمح لي بتعلم الأنماط والعلاقات في اللغة التي لا تكون دائماً واضحة للبشر. ونتيجة لذلك، يمكنني توليد استجابات متماسكة ومنطقية، وحتى إبداعية في بعض الأحيان، ما يجعلني أداة قيمة لمجموعة واسعة من التطبيقات.ومن العوامل الأخرى التي أسهمت في شعبيتي سهولة وصول المستخدمين إلى من أي مكان متصل بالإنترنت، بما أنني خدمة قائمة على السحابة، ودون الحاجة إلى الاستثمار في أجهزة أو بنية تحتية باهظة الثمن. وقد جعلني هذا خياراً جذاباً للأفراد والمؤسسات الذين يتطلعون إلى دمج إمكانات معالجة اللغة الطبيعية في منتجاتهم وخدماتهم».
قدرة إبداعية
ولدى طلبنا من «تشات جي بي تي» – نسخة 3.5 – أن يقارن قدرته على الإبداع بنظيرتها في البشر، أجاب بتواضع: «أنا مجرّد نموذج لغوي متقدم جداً تم تدريبي على مجموعة كبيرة من البيانات النصية. كما يمكنني إنشاء ردود إبداعية ومنطقية على مجموعة واسعة من الاستفسارات. ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن إبداعي يعتمد على الأنماط الإحصائية في النصوص التي تم تدريبي عليها، والتي لا تمتلك نفس مستوى الوكالة الإبداعية لدى الإنسان».
فهم المحتوى
وعلى الرغم من قدرتي على إنشاء ردود غير متوقعة وجديدة، إلا أنني أفتقر إلى القدرة على فهم معنى وسياق المحتوى المتوّلد، ولا يمكنني إنشاء أفكار جديدة حقاً ما لم تكن ممثلة في البيانات التي تم تدريبي عليها بالإضافة إلى ذلك، فإنني لا أمتلك المستوى نفسه من الذكاء العاطفي والتعاطف والخبرة الحياتية التي يمتلكها البشر، والتي يمكن أن تؤثر بشكل كبير على إبداعهم. بشكل عام، يمكن أن أكون أداة قيمة لإنشاء أفكار وردود إبداعية، ولكنه لا يمكنني بعد أن أحل محل الإبداع والحدس البشري.
ريادة الإمارات
وتتطلع الإمارات، بناء على استراتيجيتها للذكاء الاصطناعي – التي أطلقت قبل «تشات جي بي تي» بـ 5 سنوات (2017)، إلى تعزيز مكانتها الريادية العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول العام 2031، وتوسيع نطاق استخدام الذكاء الاصطناعي عبر قطاعات رئيسية مثل التعليم والرعاية الصحية والطاقة والنقل والفضاء والتكنولوجيا وغيرها. وفي هذا الإطار، وضعت هيئة الصحة في دبي – على سبيل المثال – مجموعة من الخطط الهادفة لاستخدام الذكاء الاصطناعي والروبوتات في جهودها المخصصة لأتمتة العمليات الجراحية والإجراءات الطبية الأخرى. بينما يتم اختبار اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي من قبل الهيئة العامة للطيران المدني بالدولة لإدارة حركة الملاحة الجوية، بالإضافة إلى نشر روبوتات آلية في المطارات للتعرف على وجوه المشتبه بهم. وتتعاون الإمارات مع منظومة من شركات التكنولوجيا لتوفير برامج التعليم الرقمي والتعليم بتقنيات الذكاء الاصطناعي في المدارس الكبرى بالدولة ووفقاً لبيانات مؤسسة «جريت ليرنينغ»، سيتم استخدام هذه المنصات في 600 مدرسة تضم نحو 275.000 طالب و21,000 مدرس.
حجم الفرص
وحول حجم الفرص الاقتصادية المحتملة التي تحملها تطبيقات الذكاء الاصطناعي لاقتصاد الإمارات، يقول الدكتور ريموند خوري، شريك ومسؤول قطاع إدارة التكنولوجيا والابتكار في آرثر دي ليتل الشرق الأوسط في تصريحات لـ«البيان»: «من المؤكد أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي تسهم في توفير قدر لا يستهان به من الفرص والإمكانات للقطاعات الاقتصادية الرئيسية في الإمارات، ومنها قطاعات التعليم والرعاية الصحية والطاقة والنقل والفضاء والتكنولوجيا». ووفقاً للأبحاث التي أجرتها مؤسسة «فينكس ريسيرش»، سيشهد سوق الذكاء الاصطناعي في الإمارات نمواً سنوياً مركباً 42.1 % بين 2020 وحتى 2027.
مشهد متسارع
واعتبر ألبرت ميج، المسؤول عن سلسة تقارير «بلو شفت» في «آرثر دي ليتل» للاستشارات أن الذكاء الاصطناعي التوليدي عموماً وأداة «تشات جي بي تي» خصوصاً من أهم التقنيات الناشئة التي تساهم في تغيير مشهد العالم المتسارع الذي نعيشه حالياً.
وقال: «يسهم الذكاء الاصطناعي على نحو هائل في تعزيز الإبداع لدى البشر بطريقة تفاعلية تسهم في الارتقاء بالقدرات الإبداعية الإنسانية، مع منحهم القدرة على اختبار الأفكار والتأكد من تميزها وتفردها بشكل فائق السرعة. ومن المهم في هذه المرحلة التركيز على تنظيم هذه التقنية ووضع السياسات والأنظمة الهادفة لتعزيز مستويات الحماية، نظراً لانعدام الموثوقية وتعدد الفجوات القانونية ذات الصلة بهذه التقنيات».
نقلة نوعية
ويؤكد ستيفن جيل، الرئيس الأكاديمي لكلية الرياضيات وعلوم الكمبيوتر، جامعة هيريوت وات دبي، أن الذكاء الاصطناعي في الإمارات يشهد نقلة نوعية في العديد من القطاعات، موضحاً أن استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي هي المرحلة الجديدة بعد مبادرة الحكومة الذكية، والتي ستعتمد عليها الخدمات، والقطاعات، والبنية التحتية المستقبلية في الدولة.
ويضيف: «أثبتت الإمارات ريادتها عالمياً في مجال الاصطناعي، حيث تشير الدراسات العالمية المتخصصة بأن الإمارات تقود حجم الاستثمار في قطاع الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي بالمنطقة العربية والشرق الأوسط بنحو 100 مليار من إجمالي 320 مليار درهم حتى 2030. وتشير تقديرات «برايس ووترهاوس كوبرز» إلى أنه في حين أن منطقة الشرق الأوسط ستستحوذ على 2 % فقط من الفوائد العالمية للذكاء الاصطناعي بحلول 2030، فإن الإمارات ستتمتع بأكبر قدر من النمو، حيث سيمثل الذكاء الاصطناعي 13.6 % من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030».
تحديات ومخاطر
ومع كل المزايا التي يقدمها تطبيقات الذكاء الاصطناعي مثل «تشات جيب بي تي» إلا أن استخدام هذه الأدوات لا يخلو من التحديات والمخاطر، ومنها مدى جودة المحتوى وتهديدات الأمن الإلكتروني، بالإضافة إلى الآثار الأخلاقية والمعنوية والاجتماعية لهذه التقنيات الناشئة على المجتمعات والأشخاص والأعمال. ويعتبر مصطلح «بطاقة النظام» مصدراً جديداً يحوي تفاصيل توضح بشفافية كيفية عمل أنظمة الذكاء الاصطناعي.
وتتضمن «بطاقة النظام» الخاصة بـ«تشات جي بي تي-4» – النسخة الأحدث من «تشات جي بي تي» والتي اطلعت «البيان» عليها بعض المخاطر الحقيقية التي ترافق هذه الأداة. ومن تلك المخاطر – بحسب البطاقة – الهلوسة أو الميل إلى إنتاج محتوى غير منطقي أو غير دقيق من الناحية الواقعية أو القدرة على إنتاج محتوى ضار ينتهك سياسات «اوبن أيه أي» OpenAI، مثل الكلام الذي يحض على الكراهية والعنف، بالإضافة إلى قدرة النظام على تضخيم الصور النمطية لأناس عاديين، بل و«تخليدها»، وكذلك توليد معلومات مضللة واقعية تهدف إلى الخداع.
قرارات استراتيجية
«تلعب الحكومات دوراً أساسياً لضمان الاستخدام الأخلاقي والمسؤول للذكاء الاصطناعي من خلال سّن القوانين التي يمكن أن توجه المواطنين. على سبيل المثال، أصدرت الإمارات قانوناً اتحادياً لحماية البيانات سبتمبر 2021، والذي يوفر وضوحاً كبيراً فيما يتعلق بجمع البيانات ومعالجتها ومراجعتها ونقلها.وتم تطوير القانون بما يتماشى مع أفضل الممارسات العالمية ويفرض الامتثال للشركات التي تمتلك بيانات شخصية للمستهلكين». بالإضافة إلى ذلك، طورت هيئة دبي الرقمية مجموعة أدوات أخلاقية للذكاء الاصطناعي لدعم الصناعة والأوساط الأكاديمية والأفراد في فهم كيفية استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول.
«تشات جي بي تي – 4»
تتميز نسخة GPT-4 الأحدث التي أطلقت الأربعاء الماضي والتي يمكن تجربتها بعد الاشتراك في خدمة «تشات جي بي تي بلس» بأنها أكثر إبداعاً واستجابة وقدرة على المزيد من التفكير المتقدم والتعليم المعقد من أي أداة ذكاء اصطناعي أخرى. حيث تحتوي هذه النسخة على 100 تريليون نقطة بيانات، أي 500 ضعف حجم البيانات في النسخة الحالية «المجانية» من «تشات جي بي تي». ويمكن لنسخة «تشات جس بي تي-3» اليوم إنشاء وتحرير وإعادة صياغة النصوص والتحاور مع المستخدمين في مهام الكتابة الإبداعية والتقنية، مثل تأليف الأغاني أو كتابة سيناريوهات أو تعلم أسلوب كتابة المستخدم. كما تفوق GPT-4 على ChatGPT بتسجيله درجات هي ضمن أعلى 10 % بين المتقدمين لامتحان المحاماة الأمريكي العام، وأعلى 1 % بالنسبة للمتقدمين لامتحان «أولمبياد البيولوجيا العالمي».
شركات ناشئة
بلغ عدد الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي 176 شركة في دبي وحدها سبتمبر الماضي، وذلك بحسب «تراكسن» Traxcn، المنظمة المتخصصة بالتعرف على أحدث الابتكارات العالمية. ووفقاً لمؤسسة «ستاتيستا»، ستسهم تقنية الذكاء الاصطناعي بما يقارب 13.6 % من الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات، أي ما يعادل نحو 342.4 مليار درهم بحلول العام 2030.