شخصية الملك عبد العزيز تُلهب قرائح شعراء المملكة والخليج
الرياض – واس:
إعداد – سعود الجنيدل
إنّ استحضار سيرة الملك عبدالعزيز الحافلة بجلائل الأعمال، تعد من قبيل الاعتراف بفضله والوفاء بحقه والتذكير بقائد عظيم صنع تاريخه بنفسه وحقق أهدافه السامية، المتمثلة في التمسك بالعقيدة وتطبيق الشريعة الإسلامية، وتأسيس مجتمع موحد يسوده الوئام والاستقرار عبر جهود متواصلة من الكفاح والبناء، نقلت هذه البلاد من حال إلى حال، وصنعت بتوفيق الله وحدة قائمة على مبادئ الإسلام، جسّدت معاني التلاحم بين الشعب وقيادته.
لقد استحوذت شخصية الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود – رحمه الله – على عقول وقلوب العالم أجمع، فانبرت أقلام الكتاب والمفكرين حتى قرائح الشعراء تحاول جاهدة وصف هذا القائد الملهم وتناول عبقريته الفذة وصفاته القيادية، صفات رجل كان أمة في شخصيته العبقرية التي لا يمكن أن توصف إلا أنها ذات تميز وتأثير قوي.
تتناول وكالة الأنباء السعودية في هذا التقرير شخصية الملك عبد العزيز كما رآها بعض شعراء المملكة العربية السعودية ودول الخليج، الذين أعجبوا بتلك الشخصية الفذة العبقرية، فألهبت مشاعرهم وفجرت قرائحهم.
// الملك عبد العزيز في عيون شعراء المملكة //
لقد واكب الشعراء في المملكة العربية السعودية مسيرة الملك عبد العزيز الحافلة بالمنجزات حتى غدا شعرهم سجلًا للأحداث التاريخية الكبرى التي عاصروها، وما قصائد ابن عثيمين وابن سمحان وابن بليهد والغزاوي إلا أصدق المثل على ذلك، حيث رصد هؤلاء الشعراء وغيرهم جوانب من حياتنا السياسية والاجتماعية والفكرية، وأوضحوا بعض الخفايا، وكشفوا عن بعض المواقف الإنسانية الرائعة التي تجلت في شخصية الملك عبد العزيز، وكانوا خير دعاة له أثناء مرحلة التوحيد والبناء، بل أنجح وسيلة إعلامية له –رحمه الله – ولدولته.
وفتحت مناقب الملك عبد العزيز الحميدة وشيمه الرفيعة ومآثره الجسيمة أبواباً واسعة للقول تسابقت قرائح الشعراء تنهل منها، حتى جسموا الصفات النبيلة والأخلاق السامية في شخصه الكريم.
يقول محمد بن عبدالله بن عثيمين “ابن عثيمين”:
لولاك ما كنت بالأشعار ذا كلف
ولا شريتُ بها معروف أحرار
وموقف الهون لا يرضى به رجل
لو أنه بين جنات وأنهار
طوقتني كرماً نعمى فخرت بها
بين البرية من بدو وحضّار
فأنت الذي ألبستني منك نعمة
لها في قلوب الحاسدين غليلُ
وقال أيضاً في قصائد مختلفة:
مَلكٌ تَجَسَّدَ مِن بَأسٍ وَمن كَرَمٍ
كَالغَيثِ وَاللَيثِ في نَفعٍ وَفي ضَرَرِ
هو الملك الوهاب والضيغم الذي
له العزمات الشم والفتكة البكر
مفيد ومتلاف إذا جاد أو سطا
فما الأسد الضاري وما الوابل الهمر
تبيت العطايا والمنايا بكفه
لراجي نداه أو لخصم يمانعه
وكالبحر في حال الرضا فيض كفه
وكالبحر قل ما شئت إن جاش يغرق
تقول عضو هيئة التدريس في قسم اللغة العربية بجامعة الملك خالد، عضو نادي أبها الأدبي، الدكتورة مريم الغامدي في كتابها “مدائح الملك عبد العزيز في الشعر السعودي دراسة تحليلة فنية”: “إن تقدير الممدوح للشاعر له أثره في إبداع المدائح؛ لأن الشعور بالرضا ينتج عنه المدح بمشاعر وجدانية صادقة، وبخاصة عندما يجد الشاعر من يستحق المدح والإشادة، وقد وجد ابن بليهد في شخصية الملك عبد العزيز ما يستحق المدح بحق لتضحياته العظيمة من أجل شعبه، إضافة إلى رعايته – رحمه الله – لكل الناس وحرصه على مصالحهم”.
يقول ابن بليهد:
تيممت في غبر البقاع ولا أرى
يجوز على سفح الفرات التيمم
زجرت إليه العيس حتى رأيته
وقد أمه قبلي فصيح وأعجم
فإن إبت مسروراً بعز ورفعة
وقد عم كفى من أياديه أنعم
فذاك وإلا في الفؤاد محبة
ومعرفة تبقى أجل وأعظم
وقال أيضاً:
يعطي البعيد ولو شط المزار به
فيضاً تفرقه الكتاب والوزرا
وللقريب محل حين ينزله
كهف تلوذ به الأيتام والفقرا
ويمّثل الملك عبد العزيز –رحمه الله – عند شعرائنا الرمز الحقيقي للقائد المسلم المؤتمن على رعاية شعبه الساهر على راحتهم العادل في معاملتهم المدافع عن حماهم لذا سجلوا في مدائحهم حسنات الملك وخدماته الجليلة لشعبه وأشادوا بالشورى التي حرص عليها الملك عبدالعزيز فكانت دستوره فيما يعرض عليه من أمور سياسته الداخلية والخارجية.
لقد حفظ التاريخ أمجاد وبطولات تشير إلى ملك تجلت في شخصيته مظاهر العظمة والعبقرية، فلا غرو أن يتسابق الشعراء في تمجيده والثناء عليه وتسجيل مآثره ورصد منجزاته عبر مطولات شعرية لا تكلف فيها، عبروا فيها عما يكنون من إعجاب وتقدير لصانع دولة حضارية يشار إليها بالبنان.
يقول فؤاد شاكر:
العهد لم يبعد بأمجاد له
إن لم تكونوا قد رأيتم فاسألوا
هذا هو التاريخ فهو مجيبكم
وصراحة التاريخ لا تتأول
عبدالعزيز مشى وكون أمة
فرداً ولكن بالعزيمة جحفل
مولاي إن الشعب نحوك شاخص
وإليك يوكل أمره ويعوّل
ويقول أيضا:
سجل الدهر في ثنايا سطوره
سيرة تزدهي بأحرف نوره
سجل الدهر سيرة لمليك
عبقري الإدراك في تفكيره
لم يخلد لها الزمان نظيراً
قبل عبدالعزيز في مسطوره
وقد سعى الملك عبد العزيز جاهداً لخدمة شعبه، فمنحوه حبهم وتقديرهم، يقول عبيد مدني:
فأنت الذي استهويت شعبك فانبرى
جموعاً ووحداناً إليك تدفق
وقد جزت أحناء الجوانح ممعناً
إلى حيث يحويك الشّعاف المعمق
وهل فوق إجماع القلوب دلالة
على المثل الأعلى يوفيه منطق
ولا بدع أن نهفو إليك وكلنا
رجاءٌ وآمال وأنت المحقق
في كل ما تحوي مزاياك شاهد
يسابق موهوب البيان فينطق
مآثر فخر باسقات أصولها
وما المجد إلا ما يطول ويبسق
ويشير علي السنوسي إلى بعض الصفات الحميدة والسجايا الفاضلة التي يتمتع بها الملك عبد العزيز:
صقر الجزيرة من ألقت أزمتها
إليه أقايلها والصارم الذكر
عبد العزيز الإمام المرتضى خلقاً
وسيرة يرتضيها الله والبشر
مزجي الكتائب حتى يستبيح بها
ما شرعته المواضي والقنا والسمر
وكان الملك عبد العزيز رحمه الله – بحسب الدكتورة الغامدي- يحب الشعر ويحث الشعراء عليه ويطرب له، لا سيما ما كان عضداً للدعوة ودعوة للدولة، فالدولة بحاجة إلى الأسنة المنافحة التي تشيد بأبطالها ورجالها.
وتستشهد الدكتورة الغامدي لذلك بصالح بن سليمان بن سمحان الذي كتب أبياتاً للملك عبدالعزيز، أرّخ فيها لفتوحاته، وأثنى عليه في خطاب منثور، وحينما قرأ الأبيات، عاتبه الملك عبدالعزيز على ترك الإشادة والدعاء شعراً، فعاد الشاعر بقصيدة أخرى بدأها بالمديح وختمها بالدعاء.
فكان الملك عبد العزيز يقدر قيمة الشعر السياسية والإعلامية بوصفه منبراً للتعبير عما كان سائداً في عصره ليقف معاصروه والأجيال القادمة على ما كانت عليه الأحوال قبيل عهده وما صارت عليه في عهده الميمون.
// الملك عبد العزيز في عيون شعراء الخليج //
رأى شعراء الخليج العربي في شخصية الملك عبد العزيز – بحسب الباحث سليمان بن عجاج العنزي- البطل المنقذ والمخلص من براثن الجهل المدقع، والتفرق الذي كاد يأتي على كل ما في الجزيرة العربية من قوة وشدة البأس، وأخلاق عربية وإسلامية أصيلة؛ لذلك انفجرت قرائح شعراء الجزيرة العربية في مدح الملك عبد العزيز والثناء عليه، وتعددت طرقهم في تناول شخصيته، حيث نظر شعراء الكويت إلى الملك عبد العزيز على أنه المخلص الذي قد تتحقق أحلام العرب والمسلمين على يديه، فهذا محمود شوقي الأيوبي يقول:
يا حامي البيت الحرام أليَّةً
لك في الفؤاد العهد من ولهانِ
فامدد يديك فكلنا بك نرتجي
تشييد مجد شامخ البنيانِ
ولقد أنطنا فيك أشطان المنى
فافتل بكفك أطيب الأشطانِ
وفي السياق ذاته يقول الشاعر عبد الله نوري الموصلي:
بك نال العرب عزًّا لا يسامى
يا مليك العرب فخرًا واحتراما
وظلام الليل قد كان ضحى
فكأنا لم نرَ الليل ظلاما
وبك المُلك زها وامتلأت
بك أرض العُرب أمنًا وسلاما
ذاك ما تطلبه أوطاننا
فلنفاخر رتبة الجوزاء مقاما
وعرَّج الشاعر عبد العزيز الرشيد في قصيدته المنشورة في مجلته (الكويت) على إصلاحات الملك عبد العزيز ومحاربته للفساد، حيث طرح تساؤلات في قوله:
هل لداعي الإصلاح شهم مجيب
أم لداء الفساد ثَمَّ طبيب؟
هل حكيم يرد كل اعتلال
وله في القضاء رأي مهيب؟
ليجيب بعد ذلك بقوله:
أيها السائل المُلحُّ رويدًا
إن هذا اللحاح شيء عجيب
ليس هذا الذي تفتش عنه
وبه الوقت والزمان يطيب
غير عبد العزيز (سلطان نجد)
من له العز والفناء الرحيب
ويثني الشاعر الإماراتي سالم بن علي العويس -في السياق ذاته- على ما أدخله الملك عبد العزيز إلى الحرمين الشريفين من إصلاحات وتطوير، وتقنية فريدة، وما يوليهما من اهتمام، فيقول:
المسجدان مرفَّهان من الهنا
ورصيف بين المروتين شهيده
والغاديات الرائحات ومركزٌ
للكهرباء يغير عنه وقوده
ومُنضَّد فوق الرصيف له الفضا
والباخرات الماخرات تزيده
خشب ونعل للترام وعدةٌ
لِتلذ في البيت الحرام وفوده
ومهندسون وناسجون ومعهدٌ
قطعت على الدين الحنيف عهوده
أما شعراء البحرين، فقد تغنوا كثيرًا بصفات الملك عبد العزيز وخلاله، التي ساد بها وعلا شأنه في جزيرة العرب، مثل الحكمة، والشجاعة، ونشر العدل والأمن والمحبة بين الناس، كما أظهروا الدعم والتأييد لما يقوم به من توحيد وبناء، وفي ذلك يقول الشاعر عبدالمحسن الصحاف:
ماذا يقول المادحون بوصفهم
وبمن به كل الرعايا تقتدي
عم الفيافي أمنه فأكفنا
بسطت لتأدية الدعاء الأوكدِ
وفي القصيدة التي ألقاها بين يدي الملك عبد العزيز عند زيارته البحرين، يقول الشاعر عبدالرحمن المعاودة في آل سعود:
إذا المجد لم يدعمه سيف وحكمة
فما هو إلا خارجي مزيفُ
وفي الصيد من آل السعود بُناته
فهم فيه قد بزوا الأنام وينفوا
هم السادة الأخيار حلَّاهم الندى
وهم خير من ساسوا البلاد وأنصفوا
هم الأمل المرجو للعرب هم لهم
حماة إذا ما الغير عن ذاك يضعفُ
هم أنجبوا عبدالعزيز وحسبهم
من العز هذا العبقري المشرِّفُ
ويشيد الشاعر أحمد بن محمد آل خليفة في مرثيته للملك عبد العزيز بنشره للسلام والوئام بين الناس، إضافة إلى فضله وإحسانه الذي عرف عنه، فيقول:
ذا قبر ضرغام الجزيرة فاقرؤوا
سِيرًا له حُفرت بحد سنانهِ
هذا الذي نشر الوئام وهللت
من فضله الدنيا ومن إحسانهِ
إن تسألوني يا رفاق فإنه
قد مات بعد السبقِ في ميدانهِ
وأشار الشاعر الكويتي خالد الفرج الملقّب بـ “بشاعر الخليج” إلى أبرز صفة ذكرها شعراء الخليج، في شخصية الملك عبدالعزيز، وتكررت في غالب قصائدهم، وهي صفة العدل، حيث قال في ديوانه المخطوط (إبهاج المهج) في قصيدته التي لم يسبق أن نُشرت، -بحسب الباحث العنزي-:
تطهر من كل النقائص شخصه
وحازت جميل الذكر منه المآثرُ
أقام لسير العدل في الناس خطة
تحير لها إذ شاهدتها البصائرُ
علمنا لمجراها بأنك واردٌ
لكوثرها السلسال أو عنه صادرُ
أراح بها من ليس يهجع ليله
ذليلًا ومن همه الليل ساهرُ
فكم خائفٍ عاد بالعدل آمنًا
وكم ظالمٍ سُلت عليه البواترُ
قد كانت شخصية الملك عبد العزيز – رحمه الله – وما زالت وستبقى محل إعجاب الشعراء السعوديين وغيرهم، الذين رصدوا سيرة هذا البطل في مدائحهم له، كما ستظل رمزاً راسخاً وعنواناً ثابتاً لهذا البناء الشامخ، فقد مضى يكافح ويناضل محققاً الآمال بصبر وجلد حتى تم له بفضل الله تحقيق آماله الواسعة، وأهدافه المنشودة في النهوض بشعبه، وبناء مجد تبلور في كيان مستقل، فسجّل بذلك أروع صفحات المجد، إنه قائد محنك وملك تجلت في شخصيته مظاهر العبقرية، وحّد أشتاتا وأسّس مملكة مترامية الأطراف.