الرئيس السيسي: قمة جدة للأمن والتنمية تحمل دلالة سياسية واضحة على تطوير المشاركة والانطلاق نحو آفاق أرحب بما يلبي تطلعات ومصالح شعوبنا
جدة – واس:
أكد فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية أن الوقت قد حان لتتضافر الجهود لإنهاء جميع الصراعات المزمنة والحروب الأهلية طويلة الأمد، وأن الانطلاق نحو المستقبل يتوقف على كيفية التعامل مع أزمات الماضي، مشيراً إلى أن الجهود المشتركة لحل أزمات المنطقة لم يكتب لها النجاح دون التوصل لتسوية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية.
وأوضح فخامته في كلمة له خلال قمة جدة للأمن والتنمية التي استضافتها المملكة في مدينة جدة، أن المنطقة تعاني من تحديات سياسية وتنموية وأمنية جسيمة، بما فيها مخاطر انتشار الإرهاب على نحو يطال استقرار شعوبنا ويهدد كذلك حقوق الأجيال القادمة.
وعبر الرئيس السيسي عن شكره وتقديره للدول المشاركة في القمة التي تحمل دلالة سياسية واضحة بتجديد العزم على تطوير المشاركة بين الدول العربية والولايات المتحدة الأمريكية، سواء على الصعيد الثنائي أو في الإطار الإقليمي الأوسع، وبما يمكنها من الانطلاق نحو آفاق أرحب إلى التعاون على نحو يلبي تطلعات ومصالح الشعوب لتحقيق منافع متبادلة وصون أمن واستقرار المنطقة بأكملها.
وقال الرئيس السيسي: لقد تتابعت الأزمات العالمية والإقليمية المتفاقمة وازدادت حدتها كجائحة كورونا، وتغير المناخ، وأمن الغذاء، وتفشي النزاعات المسلحة دوليًا وإقليميًا، والتي ألقت بظلالها على البشرية بأكملها، من بينها منطقتنا العربية التي تعاني من تحديات سياسية وتنموية وأمنية جسيمة، بما فيها مخاطر انتشار الإرهاب على نحو يطال استقرار شعوبنا ويهدد كذلك حقوق الأجيال القادمة.
وطرح الرئيس السيسي مقاربة شاملة تتضمن خمسة محاور للتحرك في القضايا ذات الأولوية خلال المرحلة القادمة لخدمة أهدافنا المنشودة صوب منطقة أكثر استقرارًا وازدهارًا تمثلت في -أولاً- أن الانطلاق نحو المستقبل يتوقف على كيفية التعامل مع أزمات الماضي الممتدة، فإن جهودنا المشتركة لحل أزمات المنطقة، سواء تلك التي حُلَّت خلال العقد المنصرم، أو تلك المستمرة ما قبل ذلك، لا يمكن أن يكتب لها النجاح إلا من خلال التوصل إلى تسوية عادلة وشاملة ونهائية لقضية العرب الأولى، وهي القضية الفلسطينية، على أساس حل الدولتين المستند إلى مرجعيات الشرعية الدولية ذات الصلة، وبما يكفل إنشاء دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، تضمن للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة، وتعيش في أمن وسلام مع دولة إسرائيل، على نحو يحقق أمن الشعبين ويوفر واقعًا جديدًا لشعوب المنطقة يمكن قبوله والتعايش معه، ويقطع الطريق أمام السياسات الإقصائية، ويعضد من قيم العيش المشترك والسلام وما تفتحه من آفاق وتجسده من آمال. ومن هنا، لا بد من تكثيف جهودنا المشتركة، ليس فقط لإحياء مسار عملية السلام، بل لنصل به هذه المرة إلى حل نهائي لا رجعة فيه، ليكون بذلك قوة الدفع التي تستند عليها مساعي السلام في المنطقة.
ثانيًا: إن بناء المجتمعات من الداخل على أسس الديمقراطية والمواطنة والمساواة واحترام حقوق الإنسان ونبذ الأيديولوجيات الطائفية والمتطرفة وإعلاء مفهوم المصلحة الوطنية هو الضامن لاستدامة الاستقرار بمفهومه الشامل، والحفاظ على مقدرات الشعوب، والحيلولة دون السطو عليها أو سوء توظيفها. ويتطلب ذلك تعزيز دور الدولة الوطنية ذات الهوية الجامعة ودعم ركائز مؤسساتها الدستورية، وتطوير ما لديها من قدرات وكوادر وإمكانات ذاتية، لتضطلع بمهامها في إرساء دعائم الحكم الرشيد، وتحقيق الأمن، وإنفاذ القانون، ومواجهة القوى الخارجة عنه، وتوفير المناخ الداعم للحقوق والحريات الأساسية، وتمكين المرأة والشباب، وتدعيم دور المجتمع المدني شريكًا في عملية التنمية، وكذلك دور المؤسسات والقيادات الدينية لنشر ثقافة الاعتدال والتسامح بما يضمن التمتع بالحق في حرية الدين والمعتقد، فضلًا عن تكريس مسيرة الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي ودفع عجلة الاستثمار وتوفير فرص العمل، وصولًا إلى التنمية المستدامة؛ تلبيةً لتطلعات شعوبنا نحو مستقبل أفضل يشاركون في بنائه ويتمتعون بثمار إنجازاته دون تمييز.
ثالثًا: يتعلق هذا المحور بالأمن القومي العربي الذي يعد جزءًا لا يتجزأ، وأن ما يتوفر لدى الدول العربية قدرات ذاتية بالتعاون مع شركائها كفيل بتوفير الإطار المناسب للتصدي لأي مخاطر تحيق بعالمنا العربي، مشددًا بأن مبادئ احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، والإخاء، والمساواة، هي التي تحكم العلاقات العربية البينية، وهي ذاتها التي ينص عليها روح ميثاق الأمم المتحدة ومقاصده، ويتعين كذلك أن تكون هي ذاتها الحاكمة لعلاقات الدول العربية مع دول جوارها الإقليمي، وعلى الصعيد الدولي. ولا يفوتنا في إطار تناول مفهوم الأمن الإقليمي المتكامل معاودة تأكيد ضرورة اتخاذ خطوات عملية تفضي لنتائج ملموسة باتجاه إنشاء المنطقة الخالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، مع تعزيز دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية في هذا الصدد، والحفاظ على منظومة عدم الانتشار، بما يمثل حجر الأساس لمنظومة متكاملة للأمن الإقليمي في المنطقة.
رابعًا: يظل الإرهاب تحديًا رئيسًا عانت منه الدول العربية على مدار عدة عقود، لذا نجدد الالتزام بمكافحة الإرهاب والفكر المتطرف بأشكاله وصوره كافة بهدف القضاء على جميع تنظيماته والمليشيات المسلحة المنتشرة في عدة بقاع من عالمنا العربي، التي تحظى برعاية بعض القوى الخارجية لخدمة أجندتها الهدامة، وترفع السلاح لتحقيق مكاسب سياسية ومادية، وتعيق تطبيق التسويات والمصالحات الوطنية، وتحول دون إنفاذ إرادة الشعوب في بعض الأقطار، بل تطورت قدراتها لتنفذ عمليات عابرة للحدود، مشددًا على أنه لا مكان لمفهوم المليشيات والمرتزقة وعصابات السلاح في المنطقة، وأن على داعميها ممن وفروا لهم المأوى والمال والسلاح والتدريب وسمحوا بنقل العناصر الإرهابية من موقع إلى آخر أن يراجعوا حساباتهم وتقديراتهم الخاطئة، وأن يدركوا بشكل لا لبس فيه أنه لا تهاون في حماية أمننا القومي وما يرتبط به من خطوط حمراء، وأننا سنحمي أمننا ومصالحنا وحقوقنا بكل الوسائل.
خامسًا: يرتبط هذا المحور بضرورة تعزيز التعاون والتضامن الدوليين لرفع قدرات دول المنطقة في التصدي للأزمات العالمية الكبرى والناشئة، كقضايا نقص إمدادات الغذاء، والاضطرابات في أسواق الطاقة، والأمن المائي، وتغير المناخ؛ بهدف احتواء تبعات هذه الأزمات والتعافي من آثارها، وزيادة الاستثمارات في تطوير البنية التحتية في مختلف المجالات، بما يسهم في توطين الصناعات المختلفة، ونقل التقنية والمعرفة، ووفرة السلع، مؤكدًا أن مصر تدعم كل جهد من شأنه تطوير التعاون وتنويع الشراكات لمواجهة أزمتَيْ الغذاء والطاقة الراهنتين، مع تأكيد أن التعامل مع أزمة الغذاء يتطلب مراعاة أبعادها المتعددة على المدَيَيْن القصير والبعيد لوضع آليات فعالة للاستجابة السريعة لاحتياجات الدول المتضررة من خلال حزم عاجلة للدعم، فضلًا عن تطوير آليات الإنتاج الزراعي المستدام وتخزين الحبوب وخفض الفاقد، وذلك بالتعاون مع الشركاء ومؤسسات التمويل الدولية، وهو الأمر نفسه الذي ينسحب على التعامل مع أزمة الطاقة التي تتطلب من جانبنا تعاونًا فعالًا لضمان استقرار أسواق الطاقة العالمية، مشددًا على أن ما حققه منتدى غاز شرق المتوسط من نجاحات في السنوات الماضية يمثل ترجمة عملية لإرادتنا السياسية في التعاون مع شركائنا، وتجسيدًا لأحد أبرز الإسهامات في كيفية إدارة الثروات والتوظيف الأمثل للموارد الحالية والمستقبلية صونًا لمصادر الطاقة.
وفي الشأن المتعلق بالأمن المائي، أكد الرئيس المصري أهمية تجديد الالتزام بقواعد القانون الدولي الخاصة بالأنهار الدولية بما يتيح لجميع الشعوب الاستفادة من هذه الموارد الطبيعية بشكل عادل، وضرورة صون متطلبات الأمن المائي لدول المنطقة والحيلولة دون السماح لدول منابع الأنهار التي تمثل شرايين الحياة للشعوب كلها، بالافتئات على حقوق دول المصب.
وفي ملف التغير المناخي، أوضح الرئيس السيسي أنه ينبغي علينا استمرار العمل الجماعي المشترك في الأطر الدولية متعددة الأطراف ذات الصلة بهذه القضية المهمة، وفي مقدمتها اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ واتفاق باريس؛ وذلك لضمان تحقيق الأهداف التي اتفقنا عليها وفقًا للقواعد والمبادئ التي ارتضيناها، مؤكدًا أن منطقتينا العربية والأفريقية تعدان اثنتين من أكثر مناطق العالم تضررًا من الآثار السلبية لتغير المناخ، وما يترتب على ذلك من انعكاسات على الأمن الغذائي، وأمن الطاقة والمياه، والسلم المجتمعي والاستقرار السياسي، ومن ثم يتعين على الجميع التوافق حول رؤية شاملة لدعم الدول العربية والأفريقية، وتمكينها من الوفاء بالتزاماتها الدولية ذات الصلة، ورفع قدرتها على التكيف مع الآثار السلبية لتغير المناخ، بحيث تسهم تلك الرؤية في معالجة أزمة السيولة المالية وتكثيف تمويل المناخ الموجه إلى هذه الدول، فضلًا عن دعم وتعزيز الاستثمارات في الطاقة المتجددة.
وحول انعقاد القمة العالمية للمناخ COP 27 في نوفمبر 2022، قال الرئيس السيسي: إننا نتطلع لاستقبالكم بمدينة شرم الشيخ في القمة العالمية للمناخ لنواصل معًا تأكيد التزامنا الراسخ تجاه جهود مواجهة تغير المناخ، ولكي نحول هذا التحدي إلى فرصة حقيقية للتنمية والانتقال إلى أنماط اقتصادية خضراء أكثر استدامة لصالح شعوب الأرض جميعًا.
وأشار الرئيس السيسي إلى أنه حرص على أن يشارك الحضور المحاور الخمسة التي تقوم عليها رؤية مصر لمواجهة التحديات الراهنة من أجل وضع منطقتنا على طريق الاستقرار الشامل والمستدام، ولكي نبدأ معًا فصلًا جديدًا من الشراكة الإستراتيجية بين دولنا وشعوبنا، التي تقوم على أسس الثقة والدعم المتبادلين، وإعلاء المصالح المشتركة، وتقاسم الأعباء والمسؤوليات، والتضامن، مع الأخذ في الحسبان ظروف وخصوصية كل مجتمع وتجاربه وأعرافه وعاداته وتقاليده وما يواجهه من تحديات، وبما يتواكب مع مفهوم تكامل الحضارات في زمننا المعاصر.
ووجه الرئيس السيسي في ختام كلمته الشكر للمملكة العربية السعودية على حسن الاستقبال وكرم الضيافة.