مصر.. حالات “انتحار كورونا” تعود للواجهة وتؤكد أهمية الصحة النفسية للمصابين
سجّلت محافظات مصر حالات انتحار جديدة لمصابين بفيروس كورونا؛ لتعيد تلك الحالات إلى الواجهة من جديد التشديد على مسألة “الصحة النفسية” للمصابين، وكيفية تقديم الدعم اللازم لهم، وفق “سكاي نيوز عربية”.
وتفصيلاً، انتحر مصابان اثنان بفيروس كورونا في مصر خلال 24 ساعة فقط، الأول في منطقة حلوان (جنوب القاهرة)، وهو عامل أربعيني، ألقى بنفسه من الطابق الرابع بمستشفى العزل بعد معرفة إيجابية مسحته. أما حالة الانتحار الثانية فتعود لمصاب في قرية أشمون بمحافظة المنوفية (شمال العاصمة)، ألقى بنفسه من الطابق الثاني.
وتنضم الحادثتان إلى عدد آخر من حالات الانتحار لمصابين بفيروس كورونا، من بينهم حالة وقعت قبل أسبوع واحد في محافظة الدقهلية (شمال شرق دلتا مصر)، وتحديدًا بمدينة ميت غمر، عندما ألقى مصاب في الـ59 من العمر بنفسه من شرفة مستشفى العزل من جراء مروره بحالة نفسية سيئة، ورغبته في الخروج من العزل.
وتكررت حوادث الانتحار في مصر لمصابين بفيروس كورونا في مناطق أخرى، منها حادث مشابه في مدينة أوسيم بمحافظة الجيزة بعدما أقدم مصاب على شنق نفسه بعد تدهور حالته النفسية، وعثرت عليه زوجته بعد أن فارق الحياة أثناء تقديمها الطعام له في معزله.
وفي مدينة بنها بمحافظة القليوبية انتحر نجار خمسيني بقطع شرايين يده.
وفي الإسكندرية انتحر مصاب أربعيني بعد أن غافل الطاقم الطبي، وألقى بنفسه من الطابق الأول. وفي محافظة الغربية ألقى أحد المصابين نفسه بإحدى الترع ليفارق الحياة.. وغيرها من الحوادث.
وهذه الأحداث متصلة بحوادث انتحار مماثلة، شهدها العالم لمصابين بالفيروس، ناتجة في الأساس من مرور المصاب بحالة نفسية سيئة، ودخوله في حالة اكتئاب؛ إذ سجلت اليابان -على سبيل المثال- ارتفاعًا قياسيًّا في عدد المنتحرين خلال شهر واحد، وذلك في أكتوبر الماضي، بنسبة 82 في المئة بين السيدات و21 في المئة بين الرجال، وبواقع 5153 حالة في شهر؛ وذلك بسبب التداعيات النفسية والاقتصادية لفيروس كورونا.
وتقول استشارية الطب النفسي بالقاهرة، الدكتورة هالة حماد، في تصريحات نقلها “سكاي نيوز عربية”: إن هناك مجموعة من العوامل التي تحدد ما إذا كان من الممكن أن يقدم المصاب على الانتحار.
وأوضحت أن أحد أهم تلك العوامل هو أن يكون المصاب قد عانى من قبل من الاكتئاب، لافتة إلى أن تلك الحالة تزيد بعد إصابته؛ وهو ما يدفعه للانتحار.
أما العامل الثاني فهو أن يكون مصاب كورونا قد تعافى من الفيروس، لكنه أصيب بالاكتئاب بعد التعافي.
وتلفت حماد في هذا السياق إلى أن “بعض الأبحاث ربطت بين الإنفلونزا العادية والاكتئاب نتيجة التهابات ما في المخ، وتحديد ما إن كانت تلك الحالة مرتبطة أيضًا بفيروس كورونا يحتاج إلى دراسات جديدة”.
أما العامل الثالث -وفق حماد- فمرتبط بأن الفيروس تصاحبه أعراض مؤلمة، مثل عدم القدرة على التنفس بالنسبة للبعض؛ وبالتالي يدخل المصابون في حالة اكتئاب نتيجة تلك الآلام، مع تركيز وسائل الإعلام على عدد الوفيات، وعدم التوصل لعلاج نهائي؛ ومن ثم يعتقد المصاب اعتقادًا خاطئًا أنه في جميع الأحوال سيموت؛ فيقرر التخلص من حياته وآلامه عن طريق الانتحار.
وتابعت: “في المؤتمرات العلمية ناقشنا مسألة تقديم الدعم النفسي لمصابي كورونا.. نحن بحاجة ماسة إلى تدقيق نفسي لمعظم مرضى كورونا من أجل التدخل السريع بالنسبة لمن يعانون من الاكتئاب”.
وأضافت: “كما نحتاج إلى زيادة وعي أسر المصابين، وكذا الفرق الطبية التي تتعامل مع المصابين، بأن يأخذوا حذرهم، وأن يكون هناك تنسيق مع الأطباء النفسيين لدى ظهور أعراض بعينها على المريض، وعمل جلسات لتقييم الحالة”.
وطبقًا لإحصاءات منظمة الصحة العالمية، فإن عدد المنتحرين سنويًّا حول العالم يصل إلى 800 ألف شخص.
وسبق أن شددت المنظمة على أن فيروس كورونا قد غيّر خارطة الصحة النفسية بعد أن خلق تبعات وضغوطات نفسية كبيرة.
من جانبه، يقول جمال فرويز، استشاري الطب النفسي بالأكاديمية الطبية العسكرية، في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”: إن عددًا من مصابي كورونا يتابعون مع استشاريين نفسيين تجنبًا لتداعيات نفسية خطيرة عليهم.
وأوضح أنه يتم منحهم العلاجات اللازمة، لافتًا إلى أن الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين أضافت إلى البروتوكول العلاجي لكورونا مادة من مضادات الاكتئاب تجنبًا لتأثير المرض النفسي على المصابين بالفيروس بالفعل، التي قد تصل في بعض الحالات إلى الانتحار.
وعن الأسباب الدافعة إلى انتحار بعض المصابين قال استشاري الطب النفسي: “ليس كل مصاب بكورونا معرضًا للتفكير في الانتحار، لكن الشخصيات العصبية، ممن لديهم توتر دائم حتى على أتفه الأسباب، هم الأقرب إلى التفكير في الانتحار لدى إصابتهم بالفيروس”.
وأشار إلى أن حالات الإصابة الشديدة، والأعراض الصعبة التي يعاني منها البعض، قد تدفع المصابين للانتحار.
وقال: “عندما يعرف أحدهم أنه مصاب بكورونا تدور في رأسه تلك الأعراض، والمصائر التي تنتظره”.
وأشار فرويز إلى أن فئة المراهقين وكبار السن هم الأكثر عرضة لتلك الحالة، مشددًا على أهمية الدعم النفسي للمصابين بالوباء، إلى جانب البروتوكول العلاجي الدوائي، مستدلاً بتجارب دول أخرى في منح مضادات اكتئاب للمصابين.