مكة المكرمة ـ عثمان مدني
الدكتور صالح أحمد بن ناصر الرجل الحاضر في الرياضة السعودية منذ اكثر من نصف قرن من الزمان لخص رحلته الطويلة في خدمة وطنه التي بدأت من حي العمل بالرياض مقر وزارة العمل والشؤون الاجتماعية التي انطلق منها الى اليابان في عام 1964 حاملا معه طلبا سعوديا بالانضمام لعضوية اللجنة الاولمبية الدولية وحتى تربعة على كرسي الرئاسة في الاتحاد الاسيوي للكرة الطائرة، والنائب التنفيذي لرئيس الاتحاد الدولي للعبة.
مكة مهوى الافئدة وملتقي الثقافات
الدكتور صالح أحمد بن ناصر هو أول القادة الرياضيين السعوديين الذين نشروا مذكراتهم لتكون شاهدا على مرحلة مهمة من المسيرة الاجتماعية في الدولة السعودية الحديثه، من مولده في حي جرول بمكة المكرمة حتى وصوله الى أعلى المراكز الرياضية الدولية، لاسيما وان المذكرات تطرقت الى الحياة الاجتماعية في مكة المكرمة التي وفد اليها والده في الثلاثينات من القرن الماضي، لينشئ اسرة صغيرة كان صالح احد ثمارها المباركة ، ورصد صالح في مذكراته صورا متكاملة للحياة الاجتماعية في المجتمع المكي الذي احتوى كل الاطياف والثقافات، وشكلوا جميعا نسيجه الاجتماعي الاخوي المميز منذ الاف السنين، وجرول الواقع في منطقة طوى وبئرها المعروف هو واحدا من احياء مكة القديمة كانت تسكنه كبارالعائلات المكية لقربه من الحرم الشريف ومن ابرز ساكنيه الشيخ عبدالله السليمان وزير المالية في عهد الملك عبدالعزيز، كما اصبح الحي مقرا لعدد من المصالح الحكومية ومن بينها وزارة الداخلية التي ولد من رحمها النشاط الرياضي الحديث علي يد مؤسس الرياضة السعودية الاميرعبدالله الفيصل، وفي ذلك الحي انشأ الاديب الكبير أحمد السباعي -يرحمهما الله- اول مسرح في المملكة العربية السعودية، وكان ذلك الحي مروجا خضراء لكثرة بساتينه، وكانت أحياء المدينة الطاهرة مترابطة كحبات المسبحة كما وصفها في مؤلفه، كان عمدة الحي يشكل همزة وصل اجتماعي مهم بين الاسر في كل حي، يصلح بين الناس، ويساعدهم ويعمل على تحسين احوالهم، ولعل أجمل الصور التي رسمها بن ناصر في مذكراته هذه عن الحياة الاجتماعية التفاف أهل الحي حول بعضهم، في الافراح حيث يتسابق الجميع لتقديم العون(الرفد) ماديا وعينينا، ومعنويا، وفي الاحزان كان التقارب أكثر، وأكثر.
من حضرموت الى مكه
ورصد بن ناصررحلة والده احمد بن ناصر من وادي دوعن في حضرموت الى مكه، والعيش فيها، وحرص الوالد على تعليم الابن الذي كانت رحلته مليئة بالاحزان في اهم المراحل وبدأت بوفاة والدته في القاهرة عندما جاءت لزيارته حيث كان يدرس في جامعة القاهره، ثم وفاة والده إبان سفره الى اليابان لتقديم طلب انضمام اللجنة الاولمبية السعودية الى اللجنة الدولية، وكيف احس بغيابهما في ليلة زواجه من السيدة نجلاء امين الشيبي كبيرسدنة الكعبة المشرفة، فقد كانت العروس محاطة بالام والاخوات والاقارب، ولم يكن من اسرته أحدا سوى اخته من ابيه شيخة التي قدمت من حضرموت قبل ذلك بسنوات، أما في حفل الرجال فقد حضرا اخواه عوض حمدان، وعمرحمدان، بجوار عمه والد زوجته الشيخ امين الشيبي واصدقاء والده في مقدمتهم علي باشهاب، عمرالياس، وكان لحضور وزيرالعمل عبدالرحمن ابالخيل، وامين مكة عبدالله عريف، والدكتور محمد عبده يماني وغيرهم من أعيان مكه اثر في كبير في تخفيف حزنه على فراق والده عندما جال بنظريه بين الحضور فلم يراه.
لمسة وفاء
ولم تخل المذكرات الصادرة في كتاب من الحجم المتوسط بعنوان (قصة حياتي .. 50 عاما بين الاعلام والرياضة والشباب) من لمسة وفاء للرجال الذي تركوا بصماتهم على حياته، بدئا بمعلميه في مدارس مكه، مرورا بمسؤليه في العمل الوزيران عبدالرحمن ابالخيل، الدكتور محمد عبده يماني، الامير فيصل بن فهد، سلطان بن فهد، نواف بن فيصل، وحب وفاء زملاء الدراسة، السيد امين عطاس، عبدالعزيز خوجه، محمد الخالدي، يوسف كنتاب، حيث كان امين عطاس سببا في زواجه من بيت الشيبي، كما ذكركثيرا من زملائه في العمل في كل الجهات التي عمل فيها.
الرياضة النسائية أول المشاكل
بدأ مشواره العملي موظفا في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التي أوكل لها مهمة الاشراف على النشاط الرياضي والشبابي الوليد والمنتقل من وزارة الداخلية وبعد أشهر قليلة تسلم ادارة هذا القطاع لمدة عام ونيف من الزمان أبرز محطاته تقديم عضوية الانتساب للجنة الاولمبية الدولية عام 1964 في إجتماعها بطوكيو باليابان على هامش دورة الالعاب الاولمبية الصيفية، وفي ذلك الاجتماع واجه الاعتراض الامريكي/ الجنوب افريقي على بعدم وجود رياضة نسائية في السعودية، لكنه خرج من المأزق بمعلومات مصرية مغربية بوجود 14 دولة عضوة في اللجنة الاولمبية الدولية ليس لديهم رياضة نسائية، مما يعني ان مشكلة الرياضة النسائية لم تكن حديثة عهد بالعلاقة مع المنظمات الدولية، وأن الملف كان في رعاية الشباب منذ نشأة الرياضة، وبعد هذه المهمة بنحو ثلاثة اعوام سافر بن ناصر الى الولايات المتحدة الامريكية للدراسات العليا ( ماجستير، دكتوراه).
فيصل بن فهد ينتظره
في١٩٧٦م عاد بن ناصر الى ارض الوطن وعمل في وزارة العمل والشئون الاجتماعية ثم انتقل منها الى وزارة الاعلام وكيلا مساعدا للاذاعة والتلفزيون، في هذه الفترة كان الامير فيصل بن فهد مديرعام رعاية الشباب يعد العدة لنقلة نوعية وحضارية في مسيرة الرياضة السعودية، وكان يبحث عن الكفاءات لضمها لفريق عمله، وكان بن ناصر من الرجال الذين اختارهم للعمل معه في البداية كمستشار بسبب ارتباطه بوزارة الاعلام وهي الفترة التي قوية علاقة بن ناصربالقيادة السياسية( الملك فهد، الاميرسلطان، الاميرنايف، والملك سلمان)، ثم بعد ذلك وكيلا لرعاية الشباب، وشكل معه ثنائيا متفاهما للغاية حيث اوكل الامير فيصل لابن ناصر الملفات الشائكة في الرياضة السعودية ومن ابرزها الاحتراف( فهوعراب الاحتراف السعودي).
صعود بلاتر لرئاسة الفيفا
وكذلك العلاقة مع الاتحاد الدولي لكرة القدم التي وصلت الى ذروتها في التنسيق والتعاون بفضل شخصية الامير فيصل بن فهد القيادية من جهة وبعد نظره من جهة اخرى جعل من الرياض مقصدا لطالب النصح والمشورة من القيادات الرياضية العالمية، فكان ابن ناصروزميله في عضوية الاتحاد السعودي لكرة القدم، وعضو اللجنة التنفيذية في الاتحادين الدولي والاسيوي عبدالله الدبل القوة الدافعة لصعود السويسري جوزيف بلاتر الى قمة هرم الاتحاد الدولي لكرة القدم عام 1998 في فرنسا، بتوجيه ودعم مباشر من الاميرفيصل بن فهد.
العصرالذهبي للرياضة السعودية
ويمكن القول أن بن ناصر عاش العصر الذهبي للرياضة السعودية عموما، وكرة القدم خصوصا فقد كان رئيسا لوفد المنتخب السعودي لكرة القدم الحاصل على كاس أمم اسيا سنغافورا 1984، والدوحة 1988، ورئيس فريق عمل مشاركة المنتخب السعودي في كاس العالم امريكا 1994، ومديردورة الالعاب الاسلامية الاولى في مكة المكرمة 2005، وتواصل عمله مع الاميرين سلطان بن فهد ، ونواف بن فيصل في الرئاسة العامة لرعاية الشباب بعد وفاة الاميرفيصل بن فهد عام 1999.
كتاب ثري جدا
والواقع ان الكتاب الصادر عن الدار العربية اللبنانية في القاهرة وبيروت ثري جدا بمعلوماته التي رصدت مسيرة الرياضة السعودية في نصف القرن الماضي، وما شهدته من تحولات، و تطور، وما لعبته من تأثير على الساحة الدولية، القارية، الاسلامية، العربية، والاقليمية حيث نجح الامير فيصل في انشاء الاتحاد الرياضي لالعاب التضامن الاسلامي، الاتحاد العربي للالعاب الرياضية، الاتحاد العربي لكرة القدم، كما تقلد عدد من الشخصيات السعودية مناصب قيادية في المنظمات الدولية، والقارية ومن أبرزها الاميرفيصل بن فهد، الاميرنواف بن فيصل، صالح بن ناصر، عبدالله الدبل، عثمان السعد، احمد عيد الحربي وغيرهم.