نيو يورك تايمز تكشف سر تفشي كورونا في إيطاليا وكارثة المريض رقم واحد
روما – سويفت نيوز:
كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” New York Times الأميركية قصة المريض رقم واحد والذي تسبب بشرارة اندلاع المرض في إيطاليا، ومحذرة الحكومات الأخرى من مصير إيطاليا التي تواجه أسوأ أزمة منذ الحرب العالمية الثانية.
وشرحت العبر والدروس التي يجب الاستفادة منها، وروت تفاصيل تطور الوباء داخل إيطاليا والاستخفاف الحكومي بالمرض في البداية.
وتقول الصحيفة إنه في البداية ومع ارتفاع عدد الإصابات بالفيروس التاجي في إيطاليا إلى أكثر من 400 حالة والوفيات لأكثر من ١٠، نشر زعيم الحزب الديمقراطي الحاكم صورة له وهو يلبس النظارات وحث الناس على “عدم تغيير عاداتهم”. وكان ذلك في 27 فبراير.
ولم تمض 10 أيام، حتى بلغت الحصيلة 5883 إصابة و233 قتيلاً. بعدها نشر رئيس الحزب نيكولا زينغاريتي شريط فيديو جديداً، أبلغ إيطاليا هذه المرة أنه مصابًا بالفيروس.
ويوجد في إيطاليا الآن أكثر من 53 ألف إصابة مسجلة تقريبا 5 آلاف قتيل، ومعدل الإصابات والوفيات مستمر في الازدياد، لا سيما وأن أكثر من نصف الحالات والوفيات سجلت في الأسبوع الماضي.
إيطاليا تتجاوز الصين
ويوم السبت، أبلغ المسؤولون عن 793 حالة وفاة إضافية، وهي أكبر زيادة في اليوم الواحد حتى الآن. وقد تجاوزت إيطاليا الصين باعتبارها البلد الذي بلغ أعلى عدد من الوفيات جراء الفيروس لتصبح بؤرة لجائحة متغيرة.
وقد أرسلت الحكومة الجيش لفرض الإغلاق فى لومبارديا، المنطقة الشمالية التي كانت مركز تفشي المرض حيث تراكمت الجثث في الكنائس. وفي ليلة الجمعة شددت السلطات الإغلاق في جميع أنحاء البلاد، وأغلقت الحدائق، وحظرت الأنشطة في الهواء الطلق بما في ذلك المشي أو الركض بعيدا عن المنزل.
ويضيف التقرير أن مأساة إيطاليا تعتبر بمثابة تحذير لجيرانها الأوروبيين والولايات المتحدة، حيث ينتشر الفيروس بنفس السرعة. وإذا كانت تجربة إيطاليا تدل على أي شيء، فهي تدل على أن التدابير الرامية إلى عزل المناطق المتضررة والحد من حركة السكان الأوسع نطاقاً تحتاج إلى اتخاذها في وقت مبكر، ووضعها موضع التنفيذ بوضوح مطلق، ثم إنفاذها بصرامة.
تدابير أشد صرامة
وعلى الرغم من أن السلطات الإيطالية لديها الآن بعض أشد التدابير صرامة في العالم، فقد تخبطت في كثير من تلك الخطوات في وقت مبكر من العدوى، في حين أنها كانت أكثر أهمية في ذلك الوقت. ويرجع السبب لأنها كانت تسعى إلى الحفاظ على الحريات المدنية الأساسية وكذلك الاقتصاد.
وبحسب التقرير كانت محاولات إيطاليا المجزأة في إجراءاتها، عزل المدن أولا، ثم المناطق، ثم إغلاق البلاد، كانت دائما متخلفة عن المسار القاتل للفيروس الذي كان أسرع بكثير.
لقد استسلم بعض المسؤولين في التفكير في المآلات، مترددين في اتخاذ قرارات مؤلمة سريعا، وطوال الوقت، كان الفيروس يتغذى على هذا الرضا عن الذات.
تحذير من تكرار الأخطاء
ويحذر التقرير الدول الأخرى خارج إيطاليا بالقول إنها تواجه الآن خطر اتباع نفس النهج، وتكرار الأخطاء المألوفة التي ستؤدي إلى كارثة مماثلة. وعلى النقيض من إيطاليا، فإن الحكومات الأخرى لديها مساحة أقل للأعذار.
من جانبهم، دافع المسؤولون الإيطاليون عن استجابتهم، مؤكدين أن الأزمة لم يسبق لها مثيل في العصر الحديث. ولكن تتبع سجل أعمالهم يظهر الفرص الضائعة والأخطاء الحرجة التي تركت البلاد في أسوأ حالاتها منذ الحرب العالمية الثانية.
كورونا يستغل التراخي ويتغلغل
وفي الأيام الأولى الحرجة من تفشي المرض، سعى رئيس الوزراء جوزيبي كونتي وغيره من كبار المسؤولين إلى التقليل من شأن هذا التهديد، مما خلق بلبلة وشعورا زائفا بالأمن سمح للفيروس بالانتشار. وأرجعوا ارتفاع عدد الإصابات فى إيطاليا إلى الاختبارات الاختيارية للأشخاص الذين لا تظهر عليهم أعراض المرض في الشمال، والتي قالوا إنها لم تخلق سوى الهستيريا وشوهت صورة البلاد في الخارج.
وحتى بمجرد أن اعتبرت الحكومة الإيطالية الإغلاق الشامل ضرورياً لهزيمة الفيروس، فإنها فشلت في نقل التهديد بقوة كافية لإقناع الإيطاليين بالالتزام بالقواعد، التي بدت مليئة بالثغرات. كما أن الصعوبات التي تواجه تقسيم إيطاليا للسلطات بين روما والمناطق الأخرى أدت إلى قيادة مجزأة ورسائل غير متناسقة.
وفي 21 يناير، وبينما حذر كبار المسؤولين الصينيين من أن أولئك الذين يخفون حالات الإصابة بالفيروس “سيكونون على قائمة العار إلى الأبد”، استضاف وزير الثقافة والسياحة الإيطالي وفدًا صينيًا لحفل موسيقي في الأكاديمية الوطنية لسانتا سيسيليا!.
وبشكل عام كان الساسة من مختلف الأطياف قلقين بشأن الاقتصاد وتغذية البلاد، ووجدوا صعوبة في قبول عجزهم في مواجهة الفيروس.
وتقول زامبا مسؤولة في الصحة الإيطالية إن إيطاليا كانت تنظر إلى الصين، ليس كتحذير عملي، بل على أنها “فيلم خيال علمي لا علاقة لنا به”. وعندما انفجر الفيروس، قالت إن أوروبا “نظرت إلينا بنفس الطريقة التي نظرنا بها إلى الصين”.
‘المريض رقم واحد”
وتروي الصحيفة كارثة المريض رقم واحد، بالقول، عندما ذهب رجل يبلغ من العمر 38 عاما إلى غرفة الطوارئ فى مستشفى فى كودوجنو، وهي بلدة صغيرة في مقاطعة لومبارديا ولديه أعراض أنفلونزا حادة يوم 18 فبراير لم تطلق القضية أية إنذارات.
ورفض المريض نقله إلى المستشفى وذهب إلى منزله. ثم مرض وعاد إلى المستشفى بعد بضع ساعات وأدخل إلى جناح الطب العام. وفي يوم 20 فبراير، دخل العناية المركزة حيث ثبتت إصابته بالفيروس .
هذا الرجل، الذي أصبح يعرف باسم المريض الأول، كان لديه شهر حافل بالأنشطة. حضر ما لا يقل عن ثلاث حفلات عشاء، ولعب كرة القدم وركض مع الفريق، كل ذلك على ما يبدو ومن دون أعراض ثقيلة عليه.
إلا أنه لم يكن له أي اتصال مباشر مع الصين، ويشك الخبراء في أنه مصاب بالفيروس من أوروبي آخر، ما يعني أن إيطاليا لم يكن لديها مريض يمكن التعرف عليه برقم صفر أو مصدر عدوى يمكن تعقبه أو يمكن أن يساعدها على احتواء الفيروس.
وبحلول ذلك الوقت كان الفيروس قد انتشر بالفعل في إيطاليا لأسابيع، كما يقول الخبراء الآن. ومر بين الناس دون أعراض، وانتشر في جميع أنحاء لومبارديا، المنطقة الإيطالية التي لديها إلى حد بعيد أكبر تجارة مع الصين وموطن ميلانو، المدينة الأكثر حيوية ثقافيا في البلاد وتتمحور فيها الأعمال التجارية.
وقال فابريزيو بريجلياسكو، عالم الأوبئة، إن من نسميه “المريض الأول” ربما كان “المريض 200”.
رئيس الوزراء يستخف بالمرض !
وفي حين أثنى السيد كونتي مرة أخرى على إيطاليا لإجراءاتها الحازمة، فقد سعى أيضا إلى التقليل من شأن العدوى، وعزا الأعداد المرتفعة من المصابين إلى تجارب لومباردي المفرطة الحماس.
وبينما كان مسؤولو لومبارديا يتدافعون لتعداد أسرّة المستشفيات، ومع ارتفاع عدد المصابين إلى 309 أشخاص مع وفاة 11 شخصاً، قال كونتي في 25 شباط/فبراير إن “إيطاليا بلد آمن وربما أكثر أماناً من العديد من الآخرين”.
لكن وفي مؤتمر صحفي مفاجئ في صباح 8 مارس/آذار، عندما كان عدد المصابين 7,375 شخصاً قد ثبتت إصابتهم بالفيروس التاجي وتوفي 366 شخصاً، أعلن السيد كونتي عن الخطوة غير العادية المتمثلة في تقييد الحركة لنحو ربع السكان الإيطاليين في المناطق الشمالية التي تعمل كمحرك اقتصادي للبلاد. قائلا نحن نواجه حالة طوارئ وطنية”.
وقد دفع المرسوم الذي تم تسريبه إلى وسائل الإعلام الإيطالية ليلة السبت العديد من سكان ميلانو الى الاندفاع إلى محطة القطارات وسط حشود تحاول مغادرة المنطقة ما تسبب فيما اعتبره الكثيرون لاحقا موجة خطيرة من العدوى تجاه الجنوب. ولكن بحلول ذلك الوقت، يقول بعض الخبراء، كان قد فات الأوان بالفعل.