اقتصاد

المملكة واليابان.. 62 عاماً من التوافق وتطابق الرؤى والأهداف

زيارة ولي العهد حققت قفزة نوعية في العلاقات التاريخية بين البلدين الصديقين

الرياض – سويفت نيوز:

تعد العلاقات السعودية – اليابانية تاريخية ومتجذرة، تميزت بالصدق والإخلاص والالتزام بكل ما اتفق عليه البلدان الصديقان، منذ عهد المؤسس الراحل الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه-، مروراً بأبنائه البررة -رحمهم الله-، حتى عهد خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، نتج عنها تطابق التحالف في الرؤى والأهداف، إضافة إلى المواقف المشتركة بين البلدين في عدد من القضايا.

اليابان أيدت عاصفة الحزم التي جاءت تلبية لنداء الحكومة الشرعية في اليمن لإنقاذ الشعب اليمني، والبلدان متفقان على ضرورة إنقاذ الوضع المأساوي في سورية، ومتفقان كذلك في عدد من القضايا العالقة في المنطقة، والتزام البلدين بتحقيق العدل الدائم في الشرق الأوسط وفق مبادرات السلام العربية وقرارات الأمم المتحدة، لتؤكد اللقاءات والقمم المتعاقبة ولقاءات كبار المسؤولين في المملكة واليابان والعديد من الاتفاقيات واللجان، خاصة اللجنة الوزارية السعودية اليابانية المشتركة، تؤكد حرص الحكومتين على بناء شراكة حقيقية، وأن يكون التعاون شاملاً وملبياً لمصالح شعبي البلدين.

دفع التعاون بين البلدين زيارةُ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- لليابان العام 2014م، عندما كان ولياً للعهد، لتوثيق العلاقات بين البلدين على مدار السنوات الماضية، ليتواصل ذلك بزيارة خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز لليابان العام 2017م، التي كان لها أبلغ الأثر لما وصلت إليه هذه العلاقة بين البلدين الشقيقين، وسبقها تعزيز لهذه العلاقة زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع العام 2016م، بناءً على توجيه خادم الحرمين، لتحقق الزيارة قفزة نوعية بين الرياض وطوكيو، والتي نتج عنها الاتفاق مع رئيس وزراء اليابان شينزو آبي على تكوين مجموعة مشتركة بين البلدين تحمل اسم «الرؤية السعودية اليابانية 2030».

وهدفت «الرؤية السعودية اليابانية 2030» إلى بناء شراكات استراتيجية لتنويع الاقتصاد السعودي، وتوسيع فرص الاستثمار للجانب الياباني، ليتم أثناء زيارة خادم الحرمين عام 2017م إطلاق الرؤى بين البلدين، ليتفق الجانبان حول 43 مشروعاً، تشمل مجالات متنوعة منها تعزيز التبادل الثقافي، ومكافحة تقليد المنتجات والمنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز قدرتهما التنافسية في الأسواق العالمية، وقطاع الطاقة والمجال الصناعي، ومجال التنمية الدولية، والاستثمار، وتبادل المعلومات، والمجال الإخباري.

تطور مميز في مختلف المجالات

وحول ذلك قال عضو الجمعية السعودية للاقتصاد د. عبدالله المغلوث بأن العلاقات السعودية اليابانية والتي تمتد لأكثر من 60 عامًا شهدت خلالها تطوراً مميزاً في مختلف المجالات، وذلك نتيجة السياسة الحكيمة بين قيادتي المملكة واليابان، فالمملكة واليابان تتوافقان على رؤية مشتركة حيال القضايا الراهنة في المنطقة، وذلك انطلاقاً من الفهم المشترك بأن تعاونهما يمثل أهمية كبيرة من أجل الاستقرار والازدهار في الشرق الأوسط والمجتمع الدولي بصفة عامة، ولذلك جاءت مواقف البلدين متطابقة في كثير من القضايا.

وتابع: لا ننسى خطاب شينزو آبي عام 2013م عندما زار المملكة، وشخص العلاقات الثنائية بين البلدين في ثلاثة عبارات أساسية هي: التعايش، التعاون، التسامح، فالتعايش يشير إلى الشراكة المبنية على المصالح المشتركة، والعمل على تعايش مزدهر على رغم التحديات السياسية والاقتصادية، والتعاون يعتمد على التنسيق في العمل السياسي بما في ذلك موقف اليابان من القضايا العربية، وأما التسامح فيعد مبدأً أساسياً لإنجاح التبادل بين الخبراء والطلاب بين البلدين والشعبين، لذلك اليابان تحتفظ مع دول الشرق الأوسط بعلاقات ممتازة، فهي صديق قديم للعالم العربي تسعى لبناء شراكة شاملة مع دول الشرق الأوسط وعلى وجه الخصوص السعودية التي تعدها شريكاً مهماً للغاية لأمن الطاقة في اليابان.

اتفاقات متبادلة منذ 1957

وقال د. المغلوث: المملكة بحكم علاقتها الاستراتيجية مع اليابان وقعت عدة اتفاقيات، منها في العام 1957 الاتفاقية السعودية اليابانية في مجال النفط، وفي العام 1975 اتفاقية التعاون الاقتصادي والفني، وفي العام 1975 إنشاء اللجنة السعودية اليابانية المشتركة، وفي العام 2007 تكوين فريق عمل مشترك للتعاون الصناعي، وفي العام 2010 مذكرة تعاون لتعزيز التواصل الثقافي والعملي، وفي العام 2014 مذكرة تفاهم بين البلدين في مجال الاستثمار، وفي العام 2016 إنشاء المجموعة المشتركة للرؤية السعودية اليابانية، وفي العام 2017 إطلاق الرؤية السعودية اليابانية 2030، وفي العام 2019 توقيع عدد من الاتفاقيات في القطاعات الاستراتيجية.

وأضاف: بأن اليابان تسعى لتحقيق نموذج مثالي للشراكات الاستراتيجية لدعم جهود التنوع الاقتصادي والتوسع الاستثماري لها في الخارج، ويتمثل ذلك في الرؤية السعودية اليابانية 2030، وافتتاح مكاتب لتحقيق هذه الرؤية في الرياض وطوكيو، مشيراً إلى أن هناك مجلس الأعمال السعودي الياباني المنبثق من مجلس الغرف، والذي يضم عدداً من رجال الأعمال السعوديين، وذلك لمعرفة أهم النشاطات التي تعزز حجم التبادل التجاري، والبحث والمساعدة عن فرص استثمارية ناجحة بين البلدين، بالإضافة إلى كشف التحديات التي تعيق نمو التعاون وحجم الأعمال بين البلدين، والبحث وإيجاد الحلول ومناقشتها مع المسؤولين لحلها، كي يتاح التعامل وإنجاز المشروعات بطرق ميسرة وسهلة.

تمويل الصناعات وتطوير المنشآت

وأشار عضو الجمعية السعودية للاقتصاد إلى أن هناك زيارات كثير تمت بين البلدين في إطار هذا المجلس، ووقعت اتفاقيات مع شركات يابانية وسعودية في تلك الزيارات، ويوجد في المملكة شركات يابانية موجودة في الجبيل وينبع والدمام وجدة والرياض في أنشطة تجارية وصناعية كثير.

وأكد بأن «رؤية المملكة 2030» تمثل استراتيجية وطنية للتحول في القرن الواحد والعشرين، وهي تتناسب وتتناغم مع تطلعات اليابان في تمويل الصناعات وتطوير المنشآت، حيث إن الشركات اليابانية لها إمكانات كبيرة للإسهام في هذه الرؤية، ما يؤكد دعم اليابان للرؤية والعمل سوياً من أجل تحقيق رفاهية البلدين، فالمملكة هي القاعدة الأنسب التي تتيح لليابان التوسع في أسواق الشرق الأوسط وإفريقيا، حيث تتوافر كل المقومات والفرص بما يخدم المستثمرين نحو تحقيق أعلى معدلات الربحية بأقل مخاطرة من بيئة مناسبة وبنية تحتية متطورة، مع التحسين الدائم والتطوير المستمر للإجراءات والأنظمة.

وتهدف المملكة بحلول عام 2030 إلى زيادة مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد من 40 % إلى 65 % من الناتج المحلي الإجمالي، وتطمح لبناء نظام متين وأكثر قوة للشركات الصغيرة والمتوسطة لزيادة إسهاماتها السنوية في الناتج المحلي الإجمالي من 20 % إلى 35 %، مع زيادة مساهمة الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الناتج المحلي الإجمالي من 3.8 % إلى 5.7 %، وفُتح أخيراً الاستثمار الأجنبي بملكية 100 % في القطاع التجاري كإحدى الخطوات الجادة نحو تمكين مزيد من الاستثمارات.

المملكة من أهم الشركاء لليابان

وذكر د. المغلوث أن اليابان هي الشريك التجاري الثالث للمملكة والشريك الاستثماري الثاني لها في مجال البتروكيماويات، وتعزز الشراكة التجارية بين المملكة واليابان قوة العلاقات الثنائية، إذ تأتي المملكة ضمن أهم عشرة شركاء تجاريين لليابان، فيما تأتي اليابان كثالث أكبر شريك تجاري للمملكة، وتحتل المملكة المرتبة الأولى في تزويد اليابان بالنفط الخام ومشتقاته بما يشكل أكثر من ثلث إجمالي واردات اليابان من النفط، وينتظر اليابان عدد كبير من الفرص الاستثمارية الجزئية في المملكة في عديد من المجالات من بينها الصناعة والطاقة والبيئة والبنية الأساسية والخدمات المالية والتعليم والصحة وتطوير القوى العاملة.

وقال: حسب الإحصائيات، يدرس في اليابان حالياً 400 طالب وطالبة سعوديين ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، وتشرف الملحقية الثقافية على المسيرة الدراسية لهؤلاء المبتعثين، ويعد دورهم بارزاً في المجالات البحثية نتيجة الجامعات المميزة في اليابان، لافتاً إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين شهد في عام 2018م نمواً بنسبة 19 % مقارنة بعام 2017، حيث بلغ حجم التبادل التجاري في 2018 أكثر من 38 مليار دولار حسب الإحصائيات المنشورة رسمياً، مشدداً على أن زيارة رئيس وزراء اليابان للمملكة سوف تعزز وتوطد العلاقات السعودية اليابانية، وتفتح مجالات كثيرة تسهم في توثيق العلاقات الدبلوماسية، وتخلق حراكاً اقتصادياً من خلال الزيادة في حجم التبادل التجاري، بالإضافة إلى تنفيذ مجمل الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الموقعة سابقاً بين البلدين الصديقين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى