مقالات

هوامش على دفتر قمم مكة المكرمة

بقلم – مجاهد خلف:

[email protected]

قطعت قمة مكة المكرمة بفروعها الرئيسية الثلاثة الاسلامية العربية الخليجية شوطا كبيرا وخطوات جادة على خريطة تصحيح وتصويب الوضع العربي والاسلامي المهلهل واعطت المزيد من بوارق الامل وبعض المبشرات بان منظمات العمل المشترك العربي والاسلامي لاتزال قادرة على الفعل وانه يمكنها التأثير بقوة في معادلات صراع القوة ومحركات القوى الدولية والاقليمية وان حالة الضعف والتشرذم ليست قدرا مكتوبا دائما على الامة وانها قادرة على مواجهة التحدي واستيعاب متغيرات اللحظة التاريخية واللجوءالى ما تمتلكه من رصيد للقوة المادية والروحية بما يجعلها رقما صعبا امام الطامعين والحالمين بفرض انواع من الهيمنة والاملاءات المتعارضة مع منطق التاريخ والجغرافيا وحسابات العقل واغراءات التمرد على الاعراف والقوانين وحمى انتهاك قواعد الشرعية الدولية.
من الصعب تجاهل ما احدثته اجتماعات مكة من دوامات ادت الى حلحلة كثير من المواقف وخلخلة كثير من الرؤى الجامحة ونظريات التعامل مع القضايا الحيوية في المنطقة القديمة المتجددة اوالطارئة سواء ما حيك منها بخبث ومكر شديدين في ليل عربي بهيم شديد الظلمة والعتمة او ما جاء وفقا لتداعيات منطق السقوط في هوة الخلاف اللامعقول والصراع العبثي والتحالفات المجنونة مع قوى الشر اوالاستجابة العمياء لمخططات الهدم والتخريب المستترة منها والمفضوحة.

كان لافتا الطرح المصري الصريح والمباشر وبقوة لحقيقة ما يجري وما يراد لنا وللمنطقة عموما..كلمات الرئيس السيسي في الاطار جاءت واضحة جلية مع رسم لصورة وطبيعة التهديدات التى تتعرض لها المنطقة والاخطار المحدقة بها والمنتظرة في ضوء الحالة الراهنة ومواقف مختلف الاطراف الفاعلة والمفعول بها والخطط الجهنمية التى تسوق وتسحب المنطقة الى منعطفات وعرة شديدة الخطورة والتي لا يعلم مدى قسوتها الا الله سبحانه وتعالى.
المقاربات الاستراتيجية التي اكد عليها الرئيس السيسي هي ما يحتاجه العرب فعلا والمنطقة عموما وما يجب ان يكون بعد ان اختلطت كثير من الاوراق وتاهت معالم الطريق واصبح من غير الواضح من هو العدو الحقيقي ومن الصديق ومن يريد خيرا للمنطقة ومن يسعى لتدميرها وابادتها من اجل مصلحة اطراف دخيلة على البلاد والعباد.
هناك من عمل بجدية واصرار على خلط الاوراق بعبثية قاتلة حتى فوجئ البعض بانه يقف في خندق واحد وحالة اصطفاف واحدة مع العدو ضد مصالح العرب الكبرى وضد الاسلام كدين بدعم تنظيمات ارهابية تم صناعتها بحرفية عالية في اعتى اجهزة المخابرات وتصديرها وتسويقها على انها من الاسلام وانه لابد من دعمها لمواجهة الارهاب وهي حالة من اعجب حالات الفتنة في المنطقة العربية والعالم. للأسف الشديد لم تكن الاطراف العربية المختلفة على قدر الوعي الكافي الكاشف للمأزق التاريخي والحضاري الذي حدث في صراع القوى الكبرى على مناطق النفوذ ومحاولة استعادة مواطئ اقدام لقوى كانت على وشك الافول والغروب والرحيل من دول كانت تمثل لها قواعد ارتكاز في المواجهة والهيمنة الاستعمارية بتعبير أكثر دقة.
القراءة الدقيقة والمستوعبة لما وصل اليه الحال على الخريطة العربية كلها وبلا استثناء اي مربع او جهة جغرافيا تكشف حقيقة المخططات والاهداف الخبيثة والتي اصبح من المخزي والعار السكوت عليها اوغض الطرف عما يحدث ويجري من صراعات وحملات اشعال النيران وابقاء الساحة ساخنة ملتهبة بعيدا عن الاعداء الحقيقيين ومن يجب كبح جماحهم وكسر شوكتهم بالفعل.
تكتسب المقاربة الاستراتيجية المصرية التى عرضها واكد عليها الرئيس السيسي اهميتها كونها جاءت بمعالم واضحة لا لبس فيها وتتعامل بجدية مع مناطق الوجع العربي القومي بآليات محددة وبنظرة شاملة منفتحة على المستقبل الحقيقي بعيدا عن اي مصالح ضيقة. ترتكز المقاربة على النقاط التالية :
** النظر لأزمات المنطقة وجذور عدم الاستقرار والتهديدات التي تواجه الأمن القومي بحيث تجمع بين الإجراءات السياسية والأمنية فالدول العربية في الوقت الذي لن تتسامح فيه مع أي تهديد لأمنها تظل دائمًا على رأس الداعين للسلام والحوار.
** الحرص على علاقات جوار صحية وسليمة تقوم على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شئونها والامتناع عن أية محاولة لاستثارة النعرات الطائفية والمذهبية.
**التعامل بالتوازي مع جميع مصادر التهديد لأمن المنطقة وعلى رأسها القضية الفلسطينية قضية العرب المركزية والمصدر الأول لعدم الاستقرار فلا يمكن أن يتحقق الاستقرار بدون الحل السلمي الشامل الذي يلبي الطموحات الفلسطينية المشروعة في الاستقلال وإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة على حدود الرابع من يونيو 1967وعاصمتها القدس الشرقية.
**لابد من تصور واضح لمعالجة الأزمات المستمرة في سوريا وليبيا واليمن واستعادة وحدة هذه الدول وسيادتها وتحقيق طموحات شعوبها في الحرية والحياة الكريمة في ظل دول موحدة ذات سيادة ليست مرتهنة لإرادة وتدخلات وأطماع دول إقليمية أو خارجية أو أمراء الحرب والميلشيات الإرهابية والطائفية.
** مواجهة جميع التدخلات الإقليمية أو الخارجية في الدول العربية بنفس الدرجة من الحزم فلا يمكن أن تتسامح الدول العربية مع أي طرف إقليمي يهدد أراضي ومنشآت ومياه دول عربية أو أن يسعى لممارسة نفوذه في الدول العربية من خلال ميلشيات طائفية تعمل لتحقيق مصالحه الضيقة.
** رفض استمرار وجود قوات احتلال عسكرية لطرف إقليمي على أراضي دولتين عربيتين شقيقتين أو أن يدعم طرف إقليمي بالسلاح والعتاد سلطة ميلشيات ويغذي الإرهابيين على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي.
**لابد من وقفة صدق وحزم مع كل طرف إقليمي يحاول التدخل في الشأن العربي وايضا وقفة مصارحة مع أي طرف عربي يحيد عن مقتضيات الأمن القومي ويشارك في التدخلات في الشئون الداخلية للدول العربية..

من المبشرات على المستوى السياسي التى لا يمكن اغفالها:الاستجابة الكبيرة لدعوة العاهل السعودي الملك سلمان الى القمم الثلاثة في رحاب مكة المكرمة والحضور بمستوى تمثيل عال وهو ما يعكس وعيا كبيرا بحرج اللحظة التاريخية وادراكا للخطر القادم وتأكيدا على ان المنطقة لا تتحمل مغامرات حربية اخرى ستقضي على الاخضر واليابس ولن تستفيد منها الا الخراب والدمار..فيما يتمدد اعداء الامة وتقوى شوكتهم.
ايضا الاشارة القوية الى دوائر القوة والمنعة العربية الاسلامية وانها دوائر متداخلة وثيقة الصلة والارتباط في المسرات والمضرات.اعني بذلك الدوائر الثلاثة للقاء العربي الإسلامي. دائرة منظمة التعاون الاسلامي بدولها التى تتجاوز الخمسين وتمتد من غانا الى فرغانة. الدائرة العربية بجامعتها ودولها من المحيط الى الخليج..ثم دائرة مجلس التعاون الخليجي.
الاجتماع رسالة تؤكد وتوجب ضرورة الحفاظ على مكامن القوة والترابط ولا ابالغ بعوامل العزة والمنعة امام اي تحديات فإعادة الروح او الوعي مرة اخرى لتلك الاليات كفيل بإجهاض كل مخططات التربص والكيد السياسي والاقتصادي للدول الاعضاء ويشكل حائط صد لكثير من الاطماع المتزايدة لخيرات وثروات المنطقة التى لا تزال تثير اللعاب والشهية الاستعمارية البغيضة رغم التشدق بشعارات الحرية الزائفة والديموقراطية المزعومة.
نأمل ان تكون قمم مكة المكرمة نقطة تحول حقيقية وبداية جديدة لعمل عربي اسلامي جاد يعيد للعرب والمسلمين بعض ما فقدوه..
والله المستعان ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى